في قول الله تعالي: ياأيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة, إن الله مع الصابرين عرفنا لماذا نادي الله المؤمنين بصيغة الإيمان,كما وقفنا عند قوله استعينوا ورأينا ماتوحي به هذه الكلمة من المعاني وأن لنا أن نقف عندما نستعين به من الصبر والصلاة لنتساءل ماهو الصبر, وفيما يكون ؟ وعما يكون؟ الصبر في اللغة هو الحبس والمنع, ومن هنا أتت معاني الصبر من التجلد وحسن الاحتمال..والصبر عن المحبوس حبس النفس عنه وعلي المكروه: احتماله دون جزع,ويسمي رمضان شهر الصبر لما فيه من حبس النفس عن الشهوات, وفي الشرع حبس النفس علي مايقتضيه العقل والشرع, يقول الراغب في مفرداته الصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه, فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبر لاغيره ويضاده الجزع,وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده: الجبن,وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر و يضاده الضجر,وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا ويضاده: المزل وهو انطلاق اللسان بالكلام, وقد وردت مادة الصبر في القرآن أكثر من مائة مرة, لأن الصبر سلاح المؤمن ووسيلتة للترقي في الدنيا والأخرة, وهو عنوان انسانية الإنسان وقدرته علي التسامي علي الشهوات وكبح النفس عما يضرها ويشفيها ولونظرت في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم لعلمت أن الصبر أنواع: صبر علي طاعة الله وصبر علي معاصي الله, وصبر علي السراء وصبر في الضراء ومن ذلك مايحمي المؤمن من الإيذاء في سبيل الحق, ومايحتاجه من صبر في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يلحق من بلاء يصيب المؤمن من نقص في الأموال والأنفس والثمرات فيحتاج الي الصبر ومن صبر هذا الصبر كان جديرا بالبشارة التي يحملها اليه حبيبه رسول الله صلي الله عليه وسلم في قرآن يتلي علي سمع الزمان يتوجه فيه الخطاب الي رسول الله صلي الله عليه فيقول: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وانا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. ونتساءل كيف يكون الصبر علي طاعة الله و ماذا في هذا الصبر من خير لأهل الايمان نزفع بشري للصابرين علي الطاعات؟ الصبر علي الطاعات باب عظيم من أبواب الخير, وكم تحتاج الطاعات إلي الصبر علي أدائها, والجزاء علي قدر المشقة, وليس بوسعنا أن نقف عند جميع ما يؤديه المسلم من طاعات لله, إنما حسبنا ان نقتطف من هذه الواحة بعض ما فيها من أزهار, فهناك العبادات من الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد في سبيل الله, لو وقفنا عند كل عبادة منها لطال بنا الوقوف, فالصلاة في مقدمة العبادات التي تحتاج إلي الصبر, حتي إنك لتجد أن الله قد أفردها بالذكر باعتبارها وسيلة من أعظم الوسائل لتربية الإنسان المسلم وتهذيبه ووصله بخالقه من صلاة الفجر إلي صلاة العشاء فقال: واستعينوا بالصبر والصلاة, وهل تظن أن هجر لذيذ النوم والفراش والقيام لأداء صلاة الفجر مثلا من الأمور السهلة, وهل مايتحمله المؤمن من الحر أو القر, وترك ما بيده من عمل أو حتي ما هو فيه من راحة وكسل ليقوم لبيت من بيوت الله فيؤدي الصلاة جماعة في المسجد هل هذا بالأمر الهين؟ إن هذا كله يحتاج إلي قوة إرادة, وصبر في مجال هذه الطاعة وإلي حسن اختيار في هذه الحياة, وكم من الناس من يضعف أمام شهوة عارضة من نوم وراحة ودعة فتفوته الصلاة ويحرم من الخير مع اقتناعه التام بأن ما يفعله من تركه لصلاته هو الخطأ بل ربما كان ممن ينصحون الناس بالمحافظة عليها ولهذا قال الله لبني اسرائيل: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون, ثم دلهم علي الدواء الناجع فقال: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون, وهذا الصبر علي الصلاة في آدائها وآدابها هو ما تلمحه وأنت تقرأ هذا التوجيه القرآني لرسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي: ولا تمدن عينيك إلي مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقي, وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوي.. وكما في قوله: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها من دروس نافعة وعظات بالغات, فاللهم أعنا علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين. أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر