صرخة مدوية لسيدة من أقارب الشاب "أحمد سعد" 20 عاما، -مصاب في حادث سيارة، أثناء تحاورها مع طبيب قسم الاستقبال بمستشفي الفيوم العام، وهو يؤكد لها أنه لا توجد شريحة طبية لعلاج الكسور في قدم الشاب، مطالبا بشرائها من خارج المستشفي المجاني بمبلغ 650 جنيها، فانهارت السيدة في البكاء حيث لا تملك المبلغ وانفعلت علي الطبيب قائلة "مش معانا فلوس إحنا غلابة. وانتم مش عايزنا نعيش"، هذا المشهد يتكرر كثيرا في مستشفي الفيوم الذي تحولت الخدمات به إلي إهمال متعمد بسبب نقص شديد في الأدوية ومستلزمات الجراحة حتى إن خيوط "الغرز" غير موجودة، فهي لا تقدم العلاج المجاني رغم أنها المستشفي العام الوحيد بالمحافظة، بالإضافة إلي الإهمال في سوء حالة النظافة وعدم وجود أطباء بتخصصات معينة، وسوء الإدارة، وذلك حسب أحد تقارير لجان المتابعة بمديرية الصحة الذي أكد تراجع الخدمات الصحية بالمستشفي من 68% إلي 20% خلال شهرين فقط. وكشفت العديد من الأجهزة الرقابية عن سوء حالة الخدمات الصحية والإدارة بالمستشفي ولكن الغريب أنه رغم وجود تلك التقارير إلا أن لم يتغير شيء حتى ألان، فالمرضي وأهاليهم يتجرعون العذاب يوميا داخل المستشفي العام حتى أن بعضهم وصفها "بالخرابة"، بسبب الإهمال ونقص الإمكانات وذلك في الوقت الذي يشكو فيه الأطباء من قلة المرتبات وما يتعرضون له من إهانات واعتداءات يومية. بينما كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات اعد بنهاية يونيو الماضي من العام الحالي عن سوء حال مستشفي الفيوم العام للقصور الواضح في تقديم الخدمات الطبية للمرضي ونقص في الأدوية والمستلزمات الطبية وإهدار للمال العام والتسيب وعدم الاهتمام برعاية المرضي، كما إن الإهمال قد وصل للموتى حيث أن أدراج حفظ الموتى بمشرحة المستشفي معطلة، وكذلك ثلاجات بنك الدم. وجاء بالتقرير ان هناك أجهزة طبية تم شراؤها وتوريدها للمستشفي منذ 15 عاما لم تستخدم حتى ألان معرضة حاليا للتلف، وأجهزة توقف استخدامها منذ أكثر من 10 سنوات رغم صلاحيتها للاستخدام وأدوية انتهت صلاحيتها وأخري غير متوافرة ومطلوب توافرها بشكل أساسي للمرضي، مما يؤكد الإهمال والتسيب وإهدار المال العام بالمستشفي العام الحكومي. وأكد التقرير ان بالمستشفي أجهزة طبية جديدة لم تستخدم منذ توريدها للمستشفي منذ 15 عاما مثل جهاز ميكروسكوب معمل موجود بمخزن المستديم من عام 1998، وجهاز للتنفس الصناعي من عام 1998 أيضا بالعمليات، وجهاز "كومبريسور"، أسنان من عام 2002، وفرن تعقيم من عام 2006 في مخزن المستديم، وجهاز للأشعة المقطعية من عام 2005، وأخر "للسى ار"، بوحدة العمليات من فبراير الماضي ولم يستخدم لعدم وجود مثبت تيار كهربائي وتكييف، وجهازين مونيتور بوحدة الأطفال المبتسرين من عام 2009، و 3 أجهزة ترولى نقل طعام، و2 بوتاجاز ومفرمة لحمة بالمطبخ من مارس الماضي، وفي المغسلة 3 أجهزة لتجفيف الملابس وجندارة من يونيو الماضي. وأوضح ان هناك أجهزة توقف استخدامها منذ فترة تتراوح ما بين 10 و15 عاما رغم صلاحيتها للاستخدام مثل جهاز اسيكتو فتوميتر"، من 15 عاما، وأجهزة أخري من تواريخ مختلفة بالمعامل أيضا مثل جهاز عد كرات الدم لعدم وجود المحاليل الخاصة به، وآخر لتحليل كيمياء الدم لعدم وجود الورق الحراري، ولعد الدم أوتوماتيك العدم وجود المستلزمات الخاصة به، ولتحليل السكر لعدم توافر الأشرطة الخاصة به أيضا. وأشار تقرير الجهاز المركزي، إلي وجود ذات المخالفات بقسم الأشعة، حيث يوجد جهازين معطلين من 10 سنوات لأشعة "النيو تجنوماكس" و325 مللي وجهازا تحميض اوتوماتيك معطلان أيضا من 5 سنوات، وجهاز أشعة "سيمينز"، معطل من عامين، وآخران لأشعة الصدر و"الجينزيز"، 50 مللي. كما بين التقرير وجود تعطل جهازين "سى ارم"، عظام، وجهاز مونيتور، وجهاز ديا سيرمي، وجهازي تكييف ايضا، وفي العناية المركزة تعطل 7 أجهزة مونيتور، و4 أجهزة تكييف، وفي الاستقبال تعطل 3 أجهزة رسم قلب، وجهازي مونيتور، ومنظار حنجري. وفي قسم النساء والتوليد تعطل 3 أجهزة لشفط الإفرازات ولنبض الجنين ولتدفئة المريض، وتعطل ماكينة للغسيل الكلوي منذ عام. وكما أشار التقرير إلي أجهزة مطلوب توافرها علي وجه السرعة مثل أجهزة رسم القلب و الضغط والصدمات وسماعات وآلات جراحية و"تروليات" بقسم الاستقبال، وتحتاج وحدة العلاج الطبيعي أجهزة للموجات فوق الصوتية والقصيرة والليزر العلاجي وشد الفقرات العنقية والتنبيه الكهربائي و"المالتى جيم"، والأشعة تحت الحمراء والجري الكهربائي، ولقسم النساء الداخلي المجاني مطلوب أجهزة لنبض الجنين والفينيتور والضغط وسرير ولادة وآلات جراحية. كما جاء بالتقرير وجود بعض الأدوية منتهية الصلاحية بوحدات العمليات والمعامل ومخزن المستهلك ووجود نقص حاد في الأدوية منها 24 نوعا من الأدوية الهامة والضرورية بصيدلية المستشفي و11 نوعا بالصيدلية الخاصة بالعلاج علي نفقة الدولة بالمستشفي و18 نوعا بوحدة الأطفال المبتسرين و6 أنواع بالاستقبال و5 أنواع بالعمليات و3 أنواع بالعيادة الخارجية. وأصدر فريق مكافحة العدوى بمديرية الصحة بالفيوم تقريرا عن متابعة قسم الصحة النفسية بمستشفي الفيوم العام، وتبين أن جميع الغرف تحتاج إلي ترميم، والأبواب تحتاج إلي إصلاح مما قد يؤدي إلي هروب المريض المحتجز، لا يعمل بالقسم سوي عاملة واحدة مؤقتة مما أدي إلي انخفاض مستوي النظافة بالقسم، المراتب الموجودة غير صالحة للاستخدام الآدمي، ومكتب الأطباء غير صالح. وأوضح التقرير أن العزل للمريض النفسي بالقسم غير صالح للاستخدام الأدامى لعدم وجود دورة مياه بداخل العزل مما يجعل المريض يقضي حاجته علي الارض، كما أنه لا توجد أحواض غسل أيد في غرفة التمريض، وموتور المياه معطل والمياه متقطعة بصفة مستمرة. كما كشف تقرير مكافحة العدوى أيضا عن قسم النساء والتوليد بمستشفي الفيوم العام أنه لا يتناسب مع قواعد مكافحة العدوى، من حيث تنسيق وتصميم الغرف داخل القسم، ومن ناحية السلامة المهنية حيث توجد كابلات كهرباء مكشوفة، عدم وجود بلاط بالأرضيات في الغرف، كما أن غرفة الولادة لا يوجد بها تكييف للتهوية، وجود التعقيم داخل "كشك الولادة"، وذلك مخالف لقواعد مكافحة العدوى، وحوض غسل الأيدي يحتاج إلي تغيير لوجود ثقوب به. كما كشفت لجنة من التفتيش المالي والإداري بمحافظة الفيوم، عن غياب أكثر من 100 طبيب عن العمل. وقد امتد الإهمال بمستشفي الفيوم العام، إلي الموتى أيضا ولم يتوقف حد الإهمال عند المرضي فقط حيث كشفت لجان رقابية عن تعطل أدراج حفظ الموتى بمشرحة المستشفي وتعطل ثلاجتي الحفظ ببنك الدم. كما تواصل الشئون القانونية بوزارة الصحة، والنيابة الإدارية بالفيوم، التحقيقات في واقعة اختفاء كميات كبيرة من المواد المخدرة من أنواع " نيوريل وانترفال" من المستشفي. كان العمال يقومون منذ أيام بإصلاح أحد الأسقف المعلقة بجناح العمليات بالمستشفي عندما اكتشفوا وجود كميات كبيرة مخبأة فوقه من الأدوية المخدرة والقسطرات والقفازات الطبية، وقد قامت إدارة المستشفي بتحريزها لتكتشف في اليوم التالي كسر الأبواب واختفاء هذه المواد الطبية والمخدرة وسرقتها. وقد حاولت إدارة المستشفي التستر علي الأمر، ولكن توجه عدد من العاملين بالمستشفي بشكاوي للتحقيق في الواقعة خاصة أنها تتصل بسرقة مواد مخدرة خاصة بالمستشفي من الممكن بيعها للمدمنين وتجار المخدرات. وصرح مصدر مسئول بمديرية الصحة بالفيوم ل"الأهرام المسائي"، بأن مستوي الخدمات الصحية تراجع كثيرا بمستشفيات الفيوم وخاصة مستشفي الفيوم العام حيث انخفضت نسبة الخدمات الصحية والإشغال من واقع سجلات أقسام الطوارئ والاستقبال والعمليات من 68% إلي 20% خلال شهرين فقط. جاء ذلك في الوقت الذي نفي فيه مجموعة من الأطباء بالمستشفي أن يكونوا هم وحدهم المسئولين عن الإهمال وتدهور مستوي الخدمات الصحية بالمستشفي، لأنهم يتعرضون للأهانة والاعتداء بشكل يومي، كما أن المستشفي ومديرية الصحة بالمحافظة لا توفر لهم الامكانات اللازمة لخدمة المرضي من أجهزة ومستلزمات طبية حتى البسيط منها كالشرائح البلاتينية المستخدمة في عمليات العظام، وخيوط الجراحة. واستنكر الأطباء أن يتحمل الطبيب المسئولية كاملة وهو يتقاضي راتبا شهريا 400 جنيه، وطالبوا بزيادة ميزانية وزارة الصحة المخصصة للمستشفيات العامة وخاصة مستشفي الفيوم العام، وسرعة الانتهاء من كادر الأطباء وزيادة الأجور بما يتناسب مع وضع الطبيب في المجتمع والرسالة السامية التي يقدمها. كما عبر عدد من المرضي عن غضبهم الشديد من حالة المستشفي العام فقسم الاستقبال والعيادات الخارجية يعج بمئات المرضي يوميا، الذين ينتظرون الطبيب لساعات طويلة، أو أنهم لا يجدون العلاج في عيادات المستشفي، أو إن أجهزة الفحوصات والتحاليل، والأشعات معطلة، فيضطر أن يجري كل ذلك خارج المستشفي بمبالغ ضخمة لا يستطيع أن يتحملها المواطن البسيط الذي يتوجه للمستشفيات العام ليعالج بالمجان. وستظل مشكلة الشاب "أحمد سعد" الذي تعرض لحادث ولم يجد المال اللازم لكي يقوم بشراء شريحة لإجراء عملية جراحية في قدمه المكسورة حتى أصيب بعاهة في قدمه ستلزمه طوال عمره، وصمة عار في تاريخ مستشفي الفيوم العام الذي من المفترض أن يقدم العلاج بالمجان لبسطاء الوطن، كما أن سكوت وزير الصحة والمسئولين عن التجاوزات وسوء الخدمة بالمستشفي غير مبرر، ويضعهم في موقف الشريك في إهدار صحة الملايين من البشر ومن بينهم "أحمد سعد".