لو تواريت خلف مئات السحاب, لو اختفيت في كل ارجاء الحياة, لجبت البقاع, لطرت شوقا ووجدا وبحثت عنك, حتي اعثر عليك, لو باعدت بيننا السنون وفرقت بيننا الأميال, فلن تستطيع ان تفرق بين قلبينا ابدا. ولن انساك يوما.. وكيف استطيع؟ وهل يستطيع احد ان ينسي روحه أو قلبه وهما يحيان معه داخل جسده؟ لقد كنت معي بسحرك واسرك بروعة عينيك وعذوبة شفتيك, واختفيت, ولم اعد اراك: اين ذهبت؟ كنت هاهنا امامي, بين يدي: تطوف عيناي بملامح وجهك وليل شعرك.. بنسائم عطرك ونفحات حبك, واغرق حبا, اذوب وتذوبين. كنت تخشين الفراق, الفناء, وكنت اطمئنك دوما بألاتخشي النهاية وانا معك احميك من اي خطر داهم قد يحيق بك, ولو استطعت لتبقين خالدة طيلة بقاء الحياة لاهديتك عمري ولا اكتفيت فسأهديك بعدها روحي وفؤادي وحياتي, ولا تخشين علي الفناء وانت باقية, فلن افني, لانني سأبقي, اتدرين أين؟ هناك بين ضلوع صدرك, سأزرع قلبي في قلبك أو بجواره ليحيا القلبان داخل جسدك, وبذلك لن افني! يا منية الروح, يانبض الفؤاد المسافر.. اين انت ياحبيبتي؟ في اي مكان في العالم تكونين, حتي اطير إليك ولو في اخر الدنيا ونهاية الحياة! هل لك ان تعودين؟ ومتي؟ متي ألقاك لاضمك وأودعك حنان صدري ودفء قلبي؟ لاتخشي, فالذي اختطفك مني لن اتركه يهنأ بفعلته, سأذيقه مئات الهزائم لانتصر عليه وانتزعك من بين براثنه, واطمئنك فأنت معي وانا معك: هنا الآمان, الحب.. هنا الحياة والحنان في الاحضان, ستبقين في احضاني, مبعث حياتك ومصدر امانك. إلم نكن هناك: عند هذه الظلال, اسفل تلك الأشجار؟ الم نلتق هناك؟ إلا تتذكرين تلك اللحظات: عندما تلاقت اصابعنا وتواعدت عيوننا وسري تيار الحب في اجسادنا, لتنتفض له قلوبنا وسرنا علي ضوئه والأمل وبريق الحياة يحيطوننا وتحفنا اصوات العصافير وعطر الازاهير وكأنها تزفنا لعرسنا الجميل وعشنا السعيد دون ان يقلق راحتنا أو يكدر صفونا اي منغص؟ كان الحب يعيش في قلبينا ونحيا في ظلاله, كنا نري عشاقا غيرنا يتراسلون الحب بالنظرات أو القبلات صلة الروحين لتخلد حبهم, وكنا ندعو لهم باستمرار وجودهم وبقاء حبهم لايفني أو يذوب مهما اعتراه الزمن ومالت منه الأيام. وسرنا طويلا وانا اري السعادة في عينيك تلوح لتشيع الفرحة في قلبي, وتوقفت فجأة عن المسير وسط دهشتي وذهولي, وعندما حاولت ان اعرف لماذا؟ وجدت الدموع في عينيك تترقرق, ليتقطع لها قلبي, اين السعادة؟ اين الحب في عينيك؟ كانا هناك منذ لحظات, اين اختفيا؟ لماذا لم يبقيا؟ وضاع السؤال في صمت الجواب وبقيت انت معذبة, وبقيت دموعي حائرة قلقة وانت امامي ولا استطيع ان افعل لك شيئا, ولا أن ارد عنك الخطر الذي يحيق بك! كنت في جمود وسكون, وانا مازلت اتساءل: ماذا حدث؟ لماذا لاتشعرين بالأمان وانت تحيين بجواري؟ اخبريني حبيبتي.. اي مكروه اصابك؟ وعندما حاولت ان اتبين الاجابة, وجدتك تفنين.. تتلاشين, وريح صفراء عاتية تمر بنا: تصك اذني وتؤلم قلبي نعق يوم بغيض, واختفيت انت, في لحظة واخري ذهبت ولم اجد لك اثرا: اين أنت؟ اين اختفيت؟ من الذي اخذك مني؟ من عدوي الخفي الذي يسعي لهدم حبي ولايريد بقاءه؟ اتطلع مذهو لا لجسدك وقد افترش الأديم وغمره طميه, وانا لازلت في دهشة من أمري: انني لا اري اجسادا امامي غير ذلك الملقي امام عيني.. انت ذلك الجسد؟لا اصدق انك هو! نعم كان الوجه وجهك, والعينان عينيك, ولكنها ليست عينيك! انا اثق في ذلك, هاتان عينان مذعورتان, وانا اعلم بروعة عينيك وفتنتهما, تلك المحبة الهادئة, نعم الاصابع اصابعك, ولكنها ليست هي, انها اصابع باردة فقدت الروح, الحس, اين انت من ذلك الجسد البغيض الذي عندما اراه اشعر بقشعريرة تسري في جسد؟ لا ليس جسدك, رغم تشابهك به فلست انت هو! انني في بحثي الدائب عنك احاول ان ابحث عن حل لذلك اللغز العويص: كيف اختفيت, وكنت منذ لحظات معي؟ لقد كانت عيناي تلتفتان للوراء, ثم تعود إلي الأمام لتبحث عنك, وفي أسي تراءي لي مشهد دراماتيكي تكونت صوره. واتحدت اجزاؤه تشكلت وتبلورت امام عيني لتقول لي انها الحقيقة, ولاحقيقة سواها.. اتدرين كيف كان ذلك المشهد؟ لقد كان يصورك وانا لا اصدقه قطعا انك كنت ودموعك تترقرق تختفين, تتساقطين كورقة صفراء ذابلة جاءت الرياح العاتية فبعثت بها وعندما ملتها القتها علي ذلك الاديم الاسود: اي سر وراء تلك الرياح القاتلة؟ اكانت هي القدر أم الزمن, ام ليست هذا ولاذاك وكانت هي النفوس التي لاتبغي للحب بقاء في القلوب, تشوه كل جمال حقيقي, لتبقي هي رمز كل جمال زائف؟ انها رياح لعينة, تلك التي اخذتك مني.. وعندما فكرت في من يعينني علي امري ويساعدني في حل ذلك اللغز, وجدت من يفسر امرها ليقول انها الموت ولاشك.. وهو وحده الذي يسلب الارواح من الاجساد, ويسلب الحياة من الحياة, هو الذي يعبث بنا, فيدمرنا, ولن اصدق ابدا مثل تلك الخرافات, انها مجادلات وبحث عن لاحقيقة تتصنع وتبدو للواهمين انها في ثوب الحقيقة وهي منها براء! وإذا كانت كذلك فما اقساها علينا حقيقة! لن اصدق إلا انك اختفيت عن ناظري قليلا وستعودين إلي حتما وإذا لم يكن اليوم فغدا, وسأظل ابحث عن عدوي الخفي لأحاربه واهزمه وانتزعك من بين براثنه.. ان كان الزمن او النفوس المريضة, وإذا كان الموت هو من سلبك مني وليته لم يكن, فلازلت اشعر بروحك هائمة في سماء حياتي, فالموت لو سلب الأرواح من الاجساد فلن يسلب الحب من القلوب, إذا كان هو حقا فلن احاربه وسأستلم واسلم له في معركته, فمن ذا الذي يحارب الموت وينتصر؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد! غيبتني طائرة في افاق العالم واجوائه لابحث عنك, لازلت ابحث عنك حتي اجدك واعيد بك ومعك لحظات حبنا الجميلة, وسعادتنا الرائعة في وجودنا معا متجاورين عاشقين, ورغم انني لم اعثر علي اثرك, فكلماتك لازالت تمس شغاف قلبي كأنها قيلت لتوها الآن, ومازالت تتردد في أذني, رغم انه يبدو انه لافائدة من عثوري عليك ورغم جهدي وارهاقي, إلا انني لن أياس ولن افقد الأمل في لقياك وعودتك إلي فجأة بعد اختفائك عني وبنفس المفاجأة, فلايفقد الأمل في الحياة ابدا من يحيا الحب فيها دوما, ونا احبك, اعشقك ولذلك لن افقد الأمل يوما في العثور عليك. اليوم: يوم اخر من ايام المعتاد, واعود اخيرا إلي بلدي.. اقف علي ارضك تستقبلني ابتسامات حلوة لنفوس طيبة تطل من عيون هادئة, اندهش مما اري, لم اري كل ذلك قبل رحيلي لبحثي عنك.. كانت هناك غشاوة حزن تحيط بعيني, ولاتجلعني اري من خلالها ما وراءها, كل الاشياء والوجوه كانت وراءها باهتة زائفة. مازالت هناك وجوه حلوة نقية, يلوح من سيمائها وعيونها حب, خير للآخرين, لازلت أنت هناك: المسك في كل جمال حقيقي, اراك في ابتسامات الصادقين وتحايا النقيين وحب الآخرين للآخرين. انت هناك حقا لم افقدك بعد ولن اصدق انك رحلت إلي الأبد, فأنت مازلت هناك تحيين بين هؤلاء في دوامة الحياة مهما تطورت واستحدثت! انك لم تفنين بعد, وإذا كان جسدك قد تحلل لفتات فثقي انه قد بقيت منه الرفات طارت في السماء وصلت لقلوب كل هؤلاء: نقتها من شرورها وغرورها, فعادت طاهرة وصارت بها قلوب اخيار, انه فضلك عليهم في بقائهم احباء لكل جمال في الحياة. مازلت اراك تشرقين من وراء ابتسامات المحبين, فأنت الحب الذي لا ولن يموت, وانت الحياة التي لن تغيب شمسها إلي الابد انك هناك.. روحك هناك!! تلك الروح التي احبها واكتب عنها.. اشعر بها هناك ولم ترحل بعد, لم تختفين كما زعم الواهمون الزائفون: الساعون لقتلك ومحو اسمك. اغوص بين الوجوه الكثيرة, وعندما اراك في ابتسامات الصدق والحب في عيونهم, يبكي قلبي فرحا لرؤيتك وعودتك من جديد.. اكتب.. اغني.. اهتف: هذه هي حبيبتي.. لقد وجدتها اخيرا! ألمح ضرب الاكف ببعضها وتصفيق البعض وشفقة ورثاء الآخرين علي لوثتي وفقدي لعقلي.. اهتف بهم: لست مجنونا ولا اهدي.. صدقوني انها هي: لقد عثرت عليها اخيرا! علي حبيبتي التائهة.. الجميلة, والوحيدة! محمد ابراهيم عصفور