هل تجاوزت مشكلة انتشار الباعة الجائلين إمكانية حلها بقرارات حكومية, وهل صارت الحلول الرسمية المطروحة لعلاج المشكلة هي أنسب طرق الحل خصوصا الحل الأخير بإقامة أسواق اليوم الواحد. الأهرام المسائي استطلعت اراء الباعة الجائلين في محافظتي القاهرةوالجيزة, الذين أكدوا أن حل المشكلة يأتي بالتحاور معهم لا بفرض حلول لا تراعي مصالحهم, بينما أكد خبراء الاقتصاد أن مواجهة المشكلة لن تنجح إلا في إطار إيجاد حلول أشمل لعلاج جذري لمشكلة البطالة. أحمد علوان بائع جائل يأمل في أن يستفيد الباعة الجائلون من الثورة مثل فئات كثيرة في المجتمع, ويقول اتمني أن يكون ذلك من خلال حلول حقيقية ترضي الطرفين, فأنا وزملائي نحلم بالأمان والاستقرار وعلي أتم الاستعداد للتعاون مع الحكومة حال الاستماع لمطالبنا وفتح باب الحوار معنا, خاصة وأن تلك المشكلة موجودة منذ حكم الرئيس جمال عبد الناصر. ويتفق سمير عطية(50 عاما) ويعمل في المنطقة منذ ما يزيد علي20 عاما مع أحمد ويؤكد ضرورة محاربة البلطجية ممن اندسوا بين صفوف الباعة الجائلين بعد الثورة وأساءوا إليهم. وأكد أحمد عبد الرازق حاصل علي ليسانس حقوق ويعمل بائع أحزمة وكرافتات في شارع قصر النيل, يقف في نفس المكان منذ عام1992 ان الباعة الجائلين طرف أساسي في المشكلة ولذا فإن الحلول الأحادية تعد غير ذات جدوي, مشيرا إلي أنه نظرا لهذه الممارسات فإن هذه الحكومة ستظل مثل الحكومات السابقة تتعامل مع الباعة الجائلين علي أنهم مشكلة, ويتابع انه في حالة الاعتراف بأنهم يمثلون مشكلة بالفعل فإنه يجب علي الجهات المعنية فتح باب الحوار معهم حتي يمكن الوصول إلي حلول ترضي الطرفين, مؤكدا أن جميع الحلول التي تطرحها الحكومة لا تتناسب مع الباعة الجائلين, وفيما يتعلق بالحلول المطروحة من جانب الحي بتخصيص شارع الألفي للباعة الجائلين أوضح أن الواقع العملي أثبت فشل هذا الحل, حيث أنهم عندما ذهبوا للتعرف علي المكان الجديد وجدوا رفضا شديدا من المقيمين في المكان من الباعة الجائلين وبعض الأطراف الأخري, الذين هددوا بمنعهم بالقوة من الوجود في المكان, وقاموا بتغطية أرضية الشارع بالمازوت والزيوت لمنعهم من الوجود, ويري أحمد أن الحلول الأحادية الجانب المطروحة من جانب الحكومة ممثلة في أسواق اليوم الواحد, وعمل أسواق ثابتة في أماكن غير حيوية تعد غير ذات جدوي في توفيق أوضاع الباعة الجائلين ومواجهة المشكلة. وطرح أحمد عبد الرازق بعض الحلول التي اتفق عليها هو و300 فرد من الباعة الجائلين في منطقة وسط البلد, منها إقامة أسواق ليلية تبدأ من الخامسة مساء وحتي الثانية عشرة عند منتصف الليل, علي أن يتولي كل حي توفير المكان المناسب, وتوفير الخدمات من كهرباء ونظافة وغيرها مشيرا إلي أنه يمكن للباعة استخدام الأكشاك سهلة الفك والتركيب علي أن يلتزم كل بائع بالمكان المخصص له, وأكد أنه وزملاءه علي استعداد كامل لتنفيذ ذلك, مؤكدا أن تلك هي الوسيلة الأفضل للاستفادة من الأموال التي يدفعها الباعة بطرق غير شرعية للشرطة وغيرها من المستفيدين بشكل غير مباشر من وجودهم في الشارع لكي تصب في خزانة الدولة وأوضح أن هذه النوعية من الأسواق حققت نجاحا كبيرا في الصين التي أوضح أنه زارها من قبل بهدف استيراد بضائع منها, ويطرح أحمد عبد الرازق حلا آخر يتمثل في تخصيص الجزء المخصص من الشارع لركنة السيارات صفا أول للباعة الجائلين, علي أن يتم تقسيم المكان, بحيث يتخذ شكلا واحدا لجميع الوحدات ويضفي عليها الطابع الحضاري حيث يمكن أن تتخذ الطراز الفرعوني مما يجعلها أكثر جاذبية, ويؤكد أيضا أنهم مستعدون لدفع مقابل مناسب تقره الحكومة لتأجير الوحدات كما أنهم علي أتم الاستعداد لتنظيف المكان بأنفسهم حفاظا عليه. ويري أنه من الممكن حل مشكلة الباعة الجائلين خلال اتاحة الفرصة أمام الشباب للاستصلاح الزراعي, خاصة وأن غالبية الباعة الجائلين من محافظات الصعيد ووجه بحري وجميعها محافظات تشتهر بالزراعة, وأكد أن ذلك من الممكن أن يستوعب عددا من الباعة الجائلين ممن يفضلون العمل في الزراعة. عودة ظاهرة الكر والفر الحملات الأمنية التي ينظمها رجال الشرطة بالتعاون مع رؤساء الأحياء أدت إلي اشتعال منطقة وسط البلد نظرا لعودة بعض رجال الشرطة لنفس الممارسات السلبية قبل الثورة من رشاوي وعنف مفرط في تعاملهم مع الباعة الجائلين, كما أن رؤساء الأحياء يتعاملون مع الباعة بسخرية وعدم اهتمام, وهو ما أدي إلي اشتعال الوضع في منطقة وسط البلد, وعن هذه الممارسات, يقول جمعة الشافعي, بائع ملابس, إن رؤساء الأحياء يتعاملون مع الباعة بسخرية وعدم اهتمام, وكذلك شرطة المرافق مشيرا إلي أنه منذ أيام قام أحد الضباط خلال حملة للبلدية بالاستيلاء علي بضاعته وهاتفه المحمول ومبلغ2150 جنيها, ويضيف الشافعي, الضابط لم يكتف بذلك بل استخدم صاعقا كهربائيا لضربي أمام الجميع في الشارع وهو ما أدي إلي اصابته بحالة من عدم الاتزان ما زال يعالج منها, وأكد أنه وزملاءه قدموا مذكرة بالواقعة لوزارة الداخلية. ويكمل الحديث وليد سعد بائع أكسسوارات أنه منذ أيام أخذت البلدية بضاعته وأعادها الضابط له مقابل150 جنيها. أما محمود بكري وهو أحد الذين عانوا من بلطجة الشرطة أيام مبارك حيث لفق له ضابط المباحث قضية سلاح ابيض لأنه رفض فتح مخزن البضائع الخاص به وزملائه في وقت متأخر من الليل فما كان من الضابط إلا أن انهال عليه ضربا وأخذه لقسم الشرطة وخيره بين تهم الاتجار في المخدرات والبلطجة وحمل السلاح, وأشارإلي أنه منذ أيام فوجيء بأحد الضباط يطلب منه فتح مخزن البضائع والإستيلاء علي ما به من بضائع, أوضح محمود وزملاؤه أن الشرطة لا يحق لها الاستحواذ علي البضائع داخل المخازن وأنما يحق لها فقط مطاردة الباعة في الشوارع. محمود وزملاؤه مثل غالبية الباعة الجائلين يرغبون في توفيق أوضاعهم من خلال حلول أكثر واقعية ويبدون استعدادهم للالتزام بالضوابط التي يتم وضعها وسداد ما يتفق عليه من رسوم بشرط أن تراعي مصالحهم المشروعة. مخاوف من عصابات فرض الاتاوة وفي منطقة العتبة وشارع عبد العزيز والموسكي التي تعد الأكثر ازدحاما بالباعة الجائلين, رفض غالبيتهم أيضا الحلول التي تطرحها الحكومة. يقول عربي مصطفي عبد الوهاب بائع إكسسوارات محمول بشارع عبد العزيز, أنه علاوة علي صعوبة التنقل بالبضائع بالنسبة للباعة الجائلين وزيادة تكلفة الانتقال في مقابل انخفاض البيع نتيجة لعدم ثقة الزبون في البائع الجديد علي منطقة, فإن أسواق اليوم الواحد يمكن أن تسبب عصابات من البلطجية ممن يفرضون إتاوات علي الباعة الجدد, وتكون الأولوية للباعة من سكان المنطقة وهو ما يؤدي إلي انتشار العنف. بينما يؤكد محمد العربي بائع أجهزة تليفون محمول أنه من المستحيل القضاء علي ظاهرة الباعة الجائلين في المنطقة, لأنها تعد مركزا لبيع الجملة يأتي إليه المواطنون من جميع أنحاء الجمهورية, ويري أن مشكلة الباعة الجائلين في المنطقة يمكن مواجهتها من خلال تنظيم الحملات الأمنية التي تعمل علي تنظيم الباعة في أماكنهم ومعاقبة البلطجية والخارجين عن القانون ممن يندسون بين صفوف الباعة الجائلين, مما يؤدي إلي الحد من سلبيات الظاهرة, ويتفق مع هذا الرأي الكثير من الباعة الجائلين بمنطقة العتبة والموسكي. موقف الباعة الجائلين في محافظة الجيزة لا يختلف عن موقف زملائهم في القاهرة من حيث رفض الحلول البلديلة التي تطرحها الحكومة, حيث يقول محمد إبراهيم أمين بائع ملابس بشارع العريش أحد الشوارع الحيوية في منطقة الهرم إن تكلفة الانتقال إلي أسواق اليوم الواحد المقترحة تفوق بمراحل مكسبه المتواضع, كما أن الباعة الجائلين من سكان المنطقة المقام بها السوق تكون لهم الأولوية من حيث إقبال الزبائن, ويري أن الحل في أن يوجد في كل منطقة الباعة الجائلون الذين ينتمون إليها, ويقتصر دور البلدية علي التنظيم, ويتفق معه في الرأي عدد كبير من الباعة في شارع العريش. وفي شارع المنشية الذي يعد من أكثر الشوارع ازدحاما بالباعة الجائلين, يقول عم أحمد 60 سنة بائع فاكهة أنه لا يستطيع نقل البضاعة إلي أسواق اليوم الواحد لارتفاع التكلفة وتلف الفاكهة نتيجة لعملية النقل, لذا يري أن أسواق اليوم الواحد قد تؤدي إلي خسارته وتوقفه عن العمل. بينما يؤكد عدد من الشباب من بائعي الخضراوات والخبز في الشارع أن منطقة تحت الدائري غير حيوية في عملية البيع ولايوجد بها مكان لباعة جدد نظرا لسيطرة الباعة من سكان المنطقة عليها. بينما يري كل عماد جمعة وفتحي حمدي بائعا مفروشات بشارع العشرين في منطقة فيصل أن الحلول التي تطرحها الحكومة تضيف مزيدا من الاعباء علي الباعة الجائلين, وهو ما يؤدي إلي تحول الكثير من الباعة إلي البلطجة وتجارة المخدرات عندما يضيق بهم الحال. ويتفق معهم الكثيرون من الباعة الجائلين في شارع العشرين ومنطقة الطالبية, ويؤكدون أن الحل يكمن في تنظيم عملهم في أماكنهم. ويقول عصمت عبدالعليم( معهد حاسب آلي28 سنة) جاء من أسيوط لبيع التين الشوكي في ميدان الجيزة, أنه لجأ للبيع في الشارع بعد أن ضاقت به السبل للحصول علي فرصة عمل مستقرة, ويرفض عصمت السلوكيات السلبية لبعض الباعة من تعطيل حركة المرور ومزاحمة المارة ولكنه في الوقت نفسه يري ان الحلول التي تطرحها الحكومة غير عملية وأنه من الأفضل البحث عن حلول شاملة تساعد علي التصدي للبطالة, ويوافقه في الرأي غالبية الباعة في ميدان الجيزة. المواطنون حائرون يقول د. سيد عبدالرحيم طبيب باطنة أن المشكلة مزمنة وأن الحلول الأمنية فشلت علي مدار أكثر من30 عاما في مواجهتها ويضيف انه في حالة توفيق أوضاع هؤلاء الباعة سيظهر غيرهم وتستمر الظاهرة لذا يري أن حل المشكلة يكمن في تنظيمهم وليس مطاردتهم. ويؤيده في الرأي أيمن البدري محاسب يقول إن الباعة الجائلين يرغبون في الكسب الحلال والتعامل غير الجيد معهم من الممكن أن يجعل الكثيرين منهم يتجهون لاعمال غير مشروعة, وأضاف أنه يوافقهم الرأي رفض أسواق اليوم الواحد أو الانتقال إلي أماكن غير حيوية في عملية البيع موضحا أن هذه التجربة فشلت من قبل حيث أدي نقل سوق غزة من العتبة إلي الوايلي إلي ركود شديد في حركة البيع, كما أن تجربة نقل الباعة الجائلين من العتبة إلي سوق أعدت خصيصا لهم في منطقة الدويقة فشلت ولم تستمر هذة السوق أكثر من اسبوع ويري أيمن عبدالناصر مدرس , أنه من المستحيل التخلص من البعة الجائلين وأنه من الأفضل التعاون معهم لأنهم يخدمون قطاعا كبيرا من المواطنين نتيجة لانخفاض أسعار منتجاتهم. وتقول أحلام السيد ربة منزل انه في حال نقل الباعة الجائلين إلي أماكن غير حيوية فإنه يصعب علي الكثيرين الوصول اليهم مما يضر بكلا الطرفين. البطالة في قفص الاتهام من جانبهم يري خبراء الاقتصاد ان ظاهرة انتشار الباعة الجائلين بكثافة بعد الثورة تمثل نتيجة مباشرة لمشكلة البطالة, ويؤكد د. يسري طاحون أستاذ الاقتصاد جامعة طنطا ضرورة عمل حصر جيد للباعة الجائلين لعزل البلطجية والخارجين عن القانون ممن إندسوا بينهم وخاصة بعد الثورة, وكذلك عزل العاملين في المهن الأخري من الذين لجأوا للعمل كباعة جائلين لزيادة دخلهم, ويوضح أن الهدف من هذا الحصر هو إعادة تأهيل الراغبين في حياة شريفة من البلطجية والخارجين عن القانون ومساعدتهم علي العمل. ويقترح د. طاحون لحل مشكلة الباعة الجائلين استغلال الأرصفة ذات المساحات المتسعة في إقامة أسواق مؤقتة يتم تأجيرها للباعة الجائلين بالمتر بأسعار رمزية وهو ما يدر دخلا للدولة ويساعد علي تنظيم عمل الباعة الجائلين, مؤكدا ضرورة أن تعمل تلك الأسواق وفقا لساعات محددة خلال اليوم تزداد في أيام الأجازات ولتكن من الساعة السادسة صباحا وحتي الثالثة عصرا أما في باقي الأيام فيكون عمل هذه الأسواق من السادسة وحتي التاسعة صباحا, ويؤكد وضع ضوابط لتنظيم العمل ومعاقبة المخالفين مع الحفاظ علي نظافة هذه الأماكن بعد نهاية المدة المحددة لعمل هذه الأسواق. ويري د. محسن خضيري الخبير الاقتصادي أن مشكلة الباعة الجائلين تمثل جانبا من مشكلة أكبر هي البطالة التي تعد المورد الرئيسي لباعة الأرصفة, ولابد من حل شامل للبطالة, فمواجهة الظاهرة لا يمكن أن تتم بشكل حقيقي بدون وضع برامج تشغيل حقيقية لمواجهة البطالة, مؤكدا ضرورة تنفيذ مشروعات قومية عملاقة تستوعب أعدادا كبيرة من العمالة, وفي ذات السياق يقترح إقامة مشروع عملاق يتضمن إقامة أربعة سدود علي النيل في المنيا, أسيوط, بني سويف, قنا, موضحا ان هذا المشروع يمكن أن يستوعب أعدادا كبيرة من العاطلين ويساهم في زيادة انتاج الطاقة الكهربائية20 ضعفا عن معدلاتها الحالية مما يساعد علي إحداث طفرة صناعية في مجالات عديدة, وحول التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد المصري في الوقت الراهن, وما إذ كانت تعوق إنشاء مثل هذه المشروعات أكد أن الاقتصاد المصري قوي وأنه يمكن توفير الموارد الاقتصادية اللازمة لتغطية تكلفة هذه المشروعات بالاعتماد علي ذوي الخبرة, ويتفق د. خضيري مع الأصوات التي تؤكد استحالة مواجهة قضية الباعة الجائلين باللجوء إلي الحلول الأمنية. ومن جانبه أكد الخبير الاقتصادي أحمد قورة رئيس إدارة البنك الوطني المصري سابقا أن الحلول الأمنية فشلت فشلا ذريعا علي مدار السنوات الماضية في إحتواء الظاهرة, ويري ان المواجهة الحقيقية للظاهرة تتطلب دراسة جميع الأوضاع ذات الصلة بالقضية وتناول الظاهرة بمختلف جوانبها وهو ما يتطلب سياسات جديدة تعتمد علي الحوار ونبذ العنف.