سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رموز «الحوار الوطني» يتحدثون عن المبادرة الأهم بتاريخ مصر الحديث    تباين أداء مؤشرات البورصات الخليجية خلال تداولات الأسبوع    محافظ الإسكندرية: معرض ثابت كل أسبوعين لدعم الأسر المنتجة    وزير خارجية إسرائيل: سنؤجل عملية رفح الفلسطينية إذا توصلنا لاتفاق بشأن المحتجزين    شيفيلد يونايتد يودع البريميرليج بعد الخسارة أمام نيوكاسل بخماسية    أمن الجيزة يضبط تشكيل عصابي لسرقة السيارات بالطالبية    ياسمين عبد العزيز تكشف ظهورها ببرنامج «صاحبة السعادة» | صور    أبو حطب يتابع الأعمال الإنشائية بموقع مستشفى الشهداء الجديد    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    «صلبان وقلوب وتيجان» الأقصر تتزين بزعف النخيل احتفالاً بأحد الشعانين    خبير: التصريحات الأمريكية متناقضة وضبابية منذ السابع من أكتوبر    خبير ل الحياة اليوم: موقف مصر اليوم من القضية الفلسطينية أقوى من أى دولة    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية.. لقاء تثقيفي في ملتقى أهل مصر بمطروح    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    إزالة 5 محلات ورفع إشغالات ب 3 مدن في أسوان    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زين العابدين فؤاد‏:‏
ندفع حتي الآن فاتورة تصفية العمل السياسي في عام‏1954‏

ليست الثورة قصيدة تسعي علي استحياء أو تخشي الهزيمة إنما قصيدة مشاكسة عنيدة لا يهزمها الزمن لأنها قادرة علي الانتصار علي الموت‏.‏
ليست الثورة شاعرا كاهنا يتنبأ بوقوع الانتفاضة أو يحلم بوقوعها ويطارد الحلم خمسين عاما‏,‏ إنها قصيدة تحبل بجنين الرفض وتحرض عليه وتوصي أبناءها من الشعراء أن يلتزموا قانونها الأساس‏.‏ فلم تخلق القصائد للرثاء أو لمديح الظل العالي للحكام بل خلقت للرفض‏,‏ مفتاحا لسحر الوجود والحرية وساحة لانتاج النضال‏.‏
هذا ما آمن به الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد الذي يحتفل كل شهر في الفن ميدان باستمرار ثورة‏25‏ يناير التي حققت حلم حياته '‏ رأيت حلمي يتحقق فدخلت فيه‏'‏ ويحتفي بمرور‏50‏ عاما علي اقتراف ذنب الشعر الجميل‏.‏
زين العابدين فؤاد يتذكر أحداث عام مضي بمزيج غريب من الفرح والتفاؤل مع أن كل ما يحيط بنا يدعو للتشاؤم ويتذكر أحداث خمسين عاما مضت بلا ندم أو ضغينة ويعلن ميثاق اقامته في الشارع والقصيدة معا‏(‏ وكم لامه شعراء علي انخراطه في السياسة أكثر مما ينبغي‏).‏
عرف السجون أو تعرفته السجون وطاردته ربما لتروض قصائده أو لتعلمه فن الصمت ذلك الفن الوحيد الذي لا يتقنه الشاعر الذي يلامس عامه السبعين‏.‏
زين العابدين فؤاد‏,‏ شاعر الرفض والثورة والحلم الذي أطلق سؤاله الشهير‏'‏ مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟‏'‏ فتحول السؤال إلي قصيدة وأغنية وشعار ثوري يردده أبناء التحرير ويردون عليه‏:'‏ ولا حد‏'.‏
زين يفتح خزائن الذكريات لنقرأ فيها سفر الشعر وسفر النضال الطلابي الذي كان زين أحد رموزه الكبار منذ ثورتي الطلاب الشهيرة في‏68‏ و‏72‏ وسفر النضال اليساري الذي دفع فاتورته سجنا ونفيا‏..‏
ما أروع أن تشيخ القصيدة وتحافظ علي شبابها‏..‏ فمن يقرأ قصائد زين العابدين فؤاد يكاد يشعر أنها كتبت هذه الأيام مع أنها عجوز بلغت الخمسين مثلنا ونحن هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية في التحرير‏..‏ وقصائد زين‏:'‏ وش مصر‏',‏ و‏'‏مقاطع من الخميس الدامي‏',‏ و‏'‏اتجمعوا العشاق‏'...‏وغيرها لم تعرف الهرم أو الشيخوخة‏.‏
تقول إحدي قريبات زين ساخرة‏:‏ لقد ماتت أمه مبكرا لأنها وهي تستقبل وصوله إلي الدنيا قرأت المسطور علي جبينه من قدره فقرأت أسماء السجون التي سيدخلها من طرة لأبو زعبل للقلعة فوقعت ميتة‏..‏ جاء زين إلي الدنيا حاملا قدره‏..‏ أمه تفارقه عند ولادته في حي شبرا وهكذا تبدأ رحلة تذكارات زين التي نلتقط منها بعض الإشارات التي ترسم صورة قصيدة طويلة اسمها زين العابدين فؤاد‏.‏
عريان ونادر هدمتي ليكي
شاعر وشايل ع الكتاف قلبي
فتحت عيني وسط حواريكي
عيل بيلعب ع التراب يحبي
‏**‏ ماذا تعني لك بداية العمر والمشوار؟
ولدت في مستشفي بحي ا وماتت أمي يوم ولادتي وقد سبب لي ذلك مشاكل كثيرة أهمها نفور جدتي لأمي مني‏,‏ فقد اعتبرتني سببا في موت أمي‏,‏ ثم اضطر أبي بعد ذلك بثلاث سنوات ان يتزوج بعدما قضي هذه السنوات الثلاث يناضل من أجل الاحتفاظ بنا والقيام بدور الأب والأم معا لي ولأشقائي الأربعة‏.‏
وبعد زواج أبي هاجرنا من شبرا إلي امبابة ودخلت وأنا ابن السادسة مدرسة تشمل الابتدائي والاعدادي والثانوي فعرفت منذ هذه اللحظات المبكرة معني المظاهرات والثورة وكانت هذه أولي خطواتي علي سلم السياسة وكان ذلك عام‏1948,‏ حيث كانت مصر تغلي بالمظاهرات ضد الملك‏,‏ وفي هذه السن المبكرة سمعت اسم عبدالحكم الجراحي وسمعت شعار‏:‏ عبدالمجيد عاد من جديد ورفعت العلم يا عبدالحكم‏.‏
‏**‏ تشربت السياسة مبكرا فكيف جاءت القصيدة تسعي؟
تعلمت القراءة والكتابة قبل الذهاب إلي المدرسة بسبب إخوتي الكبار الذين كنت أجلس إلي جوارهم وهم يستذكرون دروسهم فتعلمت القراءة وكنت قادرا علي قراءة الجريدة قبل دخولي المدرسة‏,‏ وكنت أجلس أيضا إلي الراديو‏(‏ فلم يكن متاحا غيره في تلك الأيام‏),‏ وكنت أستمع إلي الأغاني وأتأمل الصورة التي ترسمها كلماتها فتشربت شيئا فشيئا روح الشعر‏:‏
كنت أطارد هذه الخيالات الموجودة في الأغاني فقد كانت الصورة أساسية في قصائد وأغاني زمان وكنت أشعر بلذة وانا أتحسس هذه الصور الجميلة‏.‏
وعندما دخلت المدرسة كانت هناك مكتبة في كل فصل وكنت استعير الكتب باستمرار واذهب بها للبيت وأهرب من زوجة أبي وقسوتها بالجلوس تحت المائدة وقراءة الكتب‏.‏ وهنا بدأت أحفظ القصائد التي أقروأها أو التي أسمعها وتعجبني‏.‏
‏**‏ لكل شاعر محطة أساسية مع جيل الآباء يقرأهم فيعجب بهم ويتأثر ببعضهم ثم يتمرد عليهم‏..‏
وأنا في العاشرة من عمري مات أبي فاضطررت للانتقال من بيت إمبابة إلي بيت عمي بالجيزة وهنا كانت خطوتي الثانية مع السياسة فقد كان عمي وفديا وكان يتعرض لعمليات اعتقال‏.‏ واذكر أني رأيت وأنا في الثانية عشرة من عمري أول عملية اعتقال وكان ذلك بعد ثورة‏1952,‏ ولم تكن لعمي المتورط في السياسة بل لابن عمي البعيد عن السياسة ودهاليزها وكان اعتقالا وحشيا‏..‏
‏**‏ ما هي ملابسات هذا الاعتقال؟
عندما وقعت حادثة المنشية ضد عبدالناصر كان ابن عمي محمد طالبا في كلية الهندسة وطلب منه أحد زملائه بالكلية التبرع لأحد المتهمين وهو محمود عبداللطيف مبررا ذلك بأن معظم المتهمين الآخرين من الأغنياء‏,‏ أما عبداللطيف فيعمل‏'‏ سمكريا‏'‏ ويستحق التبرع له لتوكيل محام أو إطعام أسرته‏..‏ وكل ما فعله ابن عمي أن دفع إليه خمسة قروش‏,‏ وللأسف كتب الزميل قائمة بأسماء المتبرعين فتم اعتقال ابن عمي وحوكم امام محكمة عسكرية وعوقب بخمس سنوات سجنا مقابل خمسة قروش‏!‏
وعندما اعتقلوه جاءوا إلي البيت وكسروا كل شيء ومزقوا فرش الأسرة بالسكاكين وأهانوا الجميع‏..‏ كل هذا رأيته بعيني‏,‏ وربما كان السبب في إدراكي المبكر أننا نعيش في دولة بوليسية‏.‏
ظللت مقيما عند عمي إلي أن حصل أخي الأكبر محمد فؤاد علي عمل في السكك الحديدية‏,‏ فقد كان أبي يعمل فيها‏,‏ وعندما مات ضحي أخي الأكبر بدراسته في كلية الطب وانتقل إلي كلية أخري دار العلوم ليعمل ويدرس في الوقت نفسه‏.‏ وعندما تسلم العمل في إشارات السكك الحديدية صار بوسعنا أن ننتقل إلي بيت جديد فغادرنا الجيزة وعدنا مرة أخري إلي شبرا‏,‏ وكان ذلك في عام‏..1956‏
وهنا عدت للإقامة بمفردي‏,‏ فأخي الأكبر يعمل وأخواي مصطفي ومحمود مسافران‏:‏ الأول إلي المانيا لاستكمال دراسته‏,‏ والثاني إلي وحدات الصاعقة في الجيش‏.‏ وعشت مناخ شبرا الاستثنائي الذي تلتصق فيه المساجد والكنائس في تناغم شديد‏.‏
‏**‏ قلت لي انك في مرحلة شبرا الثانية تعرفت إلي الماركسية‏..‏ كيف كان ذلك؟
قد كنت أسمع كثيرا عن الماركسية والماركسيين‏,‏ وتعرضهم للشتائم من الجميع فقررت أن أعرف هذه الماركسية‏,‏ فذهبت إلي دار الكتب في باب الخلق‏,‏ وكانت المكان المفضل لي‏,‏ وكنت أذهب إليها سيرا علي الأقدام من شبرا‏(‏ كل أماكني المفضلة كنت أذهب إليها سيرا علي الأقدام من شبرا‏)‏ ولم يكن مسموحا لي بالاستعارة من دار الكتب بسبب صغر سني‏,‏ فكنت أجلس من التاسعة صباحا حتي الخامسة مساء أقرأ الكتب التي أحبها‏,‏ وكنت أعيش علي ساندويتش واحد ب‏'‏ تعريفة‏'(‏ خمسة مليمات‏).‏ وفي يوم قررت أن أعرف ما هي الماركسية التي يتحدثون عنها لأني لا أحب أن‏'‏ أمشي‏'‏ وراء أحد‏,‏ أحب أن أعرف الأشياءبنفسي‏.‏ فبحثت في الفهرس ووجدت كتاب‏'‏ رأس المال‏'‏ لكارل ماركس‏,‏ وهو كتاب صعب بالأساس‏,‏ ومن سوء حظي أن ترجمته زادت من صعوبته لأنه كان يستخدم مصطلحات غريبة في ترجمته لماركس‏(‏ وقد سجلت هذه الواقعة مع ترجمة رأس المال في بحث بعنوان عذابات قارئ صغير مع الترجمة‏).‏
المهم أن الأخوة في دار الكتب سمحوا لي بالاستعارة بعدما لمسوا جديتي في القراءة ومواظبتي علي زيارة المكتبة‏.‏ فأخذت الأجزاء الخمسة لكتاب رأس المال‏.‏ وذهبت إلي البيت وبدأت أقرأ وتعذبت كثيرا في القراءة‏,‏ لكني بعد ذلك عرفت ترجمات أسهل ففهمت نضال الماركسية ضد الظلم وضد سيطرة رأس المال‏.‏
‏**‏ اقترحت علي زين أن يتوقف قليلا ليحتسي فنجان قهوة أو يدخن سيجارة فضحك وقال لي هل تعرف أني أدخن؟ قله له لم أرك تدخن ولكن ربما أقلعت عن التدخين‏..‏ فقال لي‏:‏ لم أدخن سيجارة في حياتي ولم أشرب كأسا‏..‏ وعاد للحكي بعد أن احتسي فنجانا من القهوة المرة‏..‏
كان لي جار يكبرني في السن ويراني أقرأ كل يوم فبدأ بيننا حوار حول الثقافة والسياسة والشعر‏,‏ ومن بين ما قال لي وأثر في جده‏,‏ كلامه عن السجون فقد كان هاربا من البوليس وقال لي كيف أن أسماء كبيرة مثل لويس عوض‏,‏ وإسماعيل صبري عبدالله‏,‏ وفؤاد مرسي تتعرض لإهانات في السجن أو خمسة أو ستة من المساجين يمكن أن يتشاركوا في سيجارة واحدة‏,‏ فأحسست يومها أن العادات الصغيرة يمكن أن تمثل ضغطا علي في السجن‏.‏
‏**‏ هل كنت تستعد‏(‏ نفسيا‏)‏ للسجن قبل أن تسجن؟
كنت أشعر أنني سأتعرض للسجن يوما ما‏,‏ فإذا كانت هذه الأسماء الكبيرة تعرضت للسجن‏,‏ وأنا اكتب شعرا‏'‏ ثوريا‏'‏ إن صح التعبير‏,‏ فلابد أن أزور السجن يوما ما ولذلك قررت الامتناع عن التدخين تماما‏.‏
‏**‏ هل كان السبب في شعورك ذاك يرتبط بك وبما تكتبه أم بالمناخ العام؟
بالاثنين معا‏..‏ فقد حدث في عام‏1954‏ أن قامت الداخلية بالقبض علي المرشحين لانتخابات النقابات المهنية في مصر‏,‏ وذلك لتمنع فوزهم‏,‏ ولكن المفاجأة أن المرشحين المساجين نجحوا في الفوز وهم في السجون‏,‏ مما دفع السلطة آنذاك إلي إلغاء النقابات وتأميمها فعليا بالتعيين‏.‏
‏**‏ معني ذلك أنك لم تؤيد الثورة منذ بدايتها؟
في البداية كنت‏'‏ مبسوطا‏'‏ من الثورة لأنها أطاحت بالملك فاروق‏,‏ وكان شخصية مكروهة شعبيا‏.‏ وكنت أتظاهر وأنا طالب صغير ضده‏,‏ وأهتف ذلك الهتاف الساخر مع الجموع‏'‏ إلي أنقره يا ابن المره‏'‏ في إشارة إلي أن نازلي أم الملك كانت اساس الحكم‏.‏ وفرحت مع المصريين بالاطاحة به‏,‏ لكني كما ذكرت عشت لحظة اعتقال ابن عمي‏(‏ الذي قضي‏10‏ سنوات كاملة في السجن بسبب خمسة قروش‏,‏ مع أنه كان محكوما عليه بخمس سنوات فقط‏,‏ لأنه اعتقل مرة ثانية باعتباره من الإخوان ولم يكن إخوانيا بالمرة‏).‏ ورأيت ما حدث في‏1954‏ وكنت في مرحلة الوعي وملامسة القصيدة‏,‏ كيف تدار البلد‏'‏ أمنيا‏'‏ فتكون لدي وعي جاد بأن الدولة بوليسية‏.‏
‏**‏ لكن المناخ العام كان وطنيا رغم بوليسية النظام؟؟
فرحت جدا بما حدث في عام‏1956‏ مع أني فقدت في هذا العام أخي الأكبر محمد الذي استشهد في هذه الأحداث‏.‏
في هذا العام تعرضت السكك الحديدية للضرب من القوات البريطانية المشاركة في العدوان الثلاثي علي مصر‏,‏ ورأي اخي الضرب فجري‏6‏ كيلو مترات لإبلاغ قطار كان قادما في اتجاه المنطقة التي تعرضت للضرب‏,‏ وذلك ليوقفه ويحمي ركابه إذ كانت الإشارة مفتوحة لهذا القطار القادم‏,‏ وتعرض أخي لضرب من المظليين الانجليز إلا أن خطواته لم تضع هباء‏,‏ فقد ضربوه بعدما أنقذ القطار‏,‏ وأحد القبارصة الذين كانوا يعيشون في مصر وجد جثته فدفنها ووضع علامة عند الجثة‏,‏ وأرسل رسالة إلي الصليب الأحمر بما رآه وما فعله مع جثة أخري‏..‏ ولم نعرف باستشهاده إلا بعد أن توقف القتال‏,‏ ولم نكن نعرف شيئا عن مكانه‏.‏ وبعد انسحاب القوات البريطانية والفرنسية تمكنا من معرفة مكانه وذهبنا إليه ورأيت جثته بعد شهور من دفنها وكانت سليمة تماما‏.‏
وبعد وفاة أخي ظللت لفترة في حي شبرا‏,‏ ثم انتقلت إلي امبابة للعيش إلي جوار أخي محمود الذي التحق بالجيش‏.‏
‏**‏ ما هي قصتك مع شعر العامية وكيف انتقلت إليه بعد الكتابة بالفصحي؟؟
كنت في هذه الفترة أكتب بالفصحي‏,‏ ولكني لم أكن منسجما مع ما أكتب‏..‏ كنت أشعر أني أفكر بطريقة وأكتب بطريقة أخري‏.‏ وعندما عثرت علي كتاب لويس عوض الشهير‏'‏ بلوتولاند‏'‏ لم تعجبني قصائده لكن المقدمة كانت فتحا بالنسبة لي‏.‏ وهذه المقدمة أثرت في كثيرين من الذين تحولوا من الكتابة بالفصحي إلي الكتابة بالعامية‏,‏ وأنا منهم‏.‏ ومن الجمل التي لا أنساها في تلك المقدمة أن عوض قال إن عبارة‏'‏ ورمش عين الحبيب يفرش علي فدان‏'‏ تعادل كل الشعر الفصيح منذ الفتح الإسلامي لمصر حتي بداية النهضة علي يدي البارودي‏.‏
وكان لويس عوض يري أن شعر الفصحي مات في مصر بعد رحيل شوقي‏,‏ وأن شعراءها‏'‏ ماشيين‏'‏ في جنازته علي حد قوله‏.‏
هنا بدأت أكتشف شعر العامية المصرية واكتشف نفسي في الوقت نفسه‏.‏ أعجبت بأزجال بيرم التونسي وما قدمه مع سيد درويش‏,‏ مع أني أري الزجل فنا للنقد الاجتماعي الواضح‏,‏ لكني أعجبت بجماليات العامية في أغاني الفلاحين والمواويل‏,‏ وأغاني الحصاد والسير الشعبية‏.‏ وهنا قرأت كتاب‏'‏ ماسبيرو‏'‏ عن الأغنية الشعبية المصرية وقرأت نصوصا مبهرة شديدة الجمال‏.‏ كان عمرها وقتها‏17‏ عاما فقررت أن أتوقف عن الكتابة تماما‏.‏
‏**‏ لماذا؟
شعرت أني احتاج للكثير من القراءة والفهم وخاصة في تاريخ مصر‏.‏ ومن يومها وأنا عاشق لتاريخ مصر وتاريخ حركتها الوطنية‏,‏ وبدأت مرحلة متابعة للحركة الشعرية والفنية التشكيلية والسينمائية‏.‏
كنت أذهب من شبرا سيرا علي الأقدام لمشاهدة الأفلام والعروض والمعارض‏,‏ وكنت أتلقي هذه المعارض والفنون وكأني أشكل وجداني واعتبرتها رحلة تكوين منذ عام‏1959‏ حتي عام‏..1962‏ لم اكتب حرفا لا بالفصحي ولا العامية‏,‏ كنت أري أنني في حاجة ماسة للقراءة وليس الكتابة‏,‏ ولذلك عندما بدأت الكتابة ونشر قصائدي في عام‏1962‏ لم أكن أكتب كتابة‏'‏ عيل صغير‏'‏ بل كتابة شاعر يمتلك أدواته‏.‏
‏**‏ كيف نشرت أولي قصائدك بعد فترة التوقف؟
أنا مدين مثل معظم أبناء جيلي لمثقف كبير هو‏'‏ عبدالفتاح الجمل‏',‏ الذي فتح طاقة للإبداع في الملحق الثقافي بجريدة المساء‏.‏ وأذكر أنني كنت أزور بعض أصدقائي من الرسامين مثل نبيل تاج وجودة خليفة ونصحاني بإعطاء قصيدة لعبدالفتاح الجمل ففعلت‏..‏ كتبت قصيدة و ذهبت إلي الأستاذ الجمل في الطابق‏'‏ اللي تحت‏'‏ ووضعت القصيدة علي مكتبه من دون أن أنبس بحرف‏.‏ وكان ذلك يوم الاثنين‏,‏ والملحق الثقافي يصدر الأربعاء وكان المساء وقتها أعلي الصحف توزيعا في هذا اليوم بسبب هذا الملحق وفوجئت بقصيدتي منشورة‏.‏ وبعد أسبوعين كررت فعلتي‏,‏ وذهبت إليه بقصيدة تركتها علي مكتبه يوم الاثنين‏,‏ ووجدتها منشورة الأربعاء التالي‏..‏ وفي المرة الثالثة ذهبت بقصيدة جديدة فأمسك بيدي وأنا أضعها علي مكتبه وقال لي‏:‏ هل تعمل في السينما الصامتة؟ ياريت اسمع صوتك‏..‏ وصرنا صديقين من يومها‏.‏
هذا الرجل يمثل قيمة كبري في حياتنا الثقافية وظاهرة جميلة يحترمها كل مبدعي جيل الستينات‏,‏ فقد كان ينشر لمبدعين لا يعرفهم ولا يسمع أحد صوتهم‏.‏
وبدأت مرحلة جديدة تراوح بين الشعر والنضال بعد أن التحقت بكلية الهندسة جامعة القاهرة‏.‏
‏**‏ لماذا التحقت بكلية الهندسة وليس الآداب؟
بحثت عن دراسة علمية للحقائق الثابتة‏,‏ وليس الأمور النظرية‏,‏ لأني كنت أري كل شيء يتغير‏'‏ بقرار جمهوري‏'‏ ولذلك اخترت الهندسة حيث كنت متفوقا‏.‏
‏**‏ لكنك مكثت في كلية الهندسة ثماني سنوات كاملة‏..‏ من دون إنجاز الدراسة؟؟
ضحك زين وقال‏:‏ بالفعل مكثت في الهندسة ثماني سنوات بسبب المطاردات الأمنية‏.‏ فقد صرت شاعرا معروفا‏,‏ وسياسيا معارضا‏,‏ وكنت أتعرض لمضايقات من البوليس‏,‏ فكنت أهرب من أداء الامتحان لأنهم كانوا يستغلون فترة الامتحانات للقبض علي الناشطين السياسيين‏.‏
‏**‏ ولماذا تحولت بعد ذلك إلي كلية الآداب؟
انتقلت إلي كلية الآداب في عام المظاهرات الطلابية الشهيرة‏1968,‏ وشاركت في اعتصام طلبة الهندسة في فبراير‏,‏ ثم انتقلت في اكتوبر إلي كلية الآداب‏.‏ فشاركت في تظاهرات نوفمبر من العام نفسه‏.‏ واللافت أن الحركة السياسية الطلابية بدأت في كلية الهندسة لأن معظم طلبة الهندسة آنذاك كانوا من الكتاب والفنانين من أمثال يسري الجندي وسيد حجاب وعندما انتقلت إلي الآداب صادفت مشكلة‏,‏ فقد سحبت أوراقي من الهندسة قبل أن يتم قبولي في الآداب‏,‏ ولكن وكيل الكلية آنذاك الدكتور يحيي هويدي يرحمه الله تدخل وأنهي المشكلة وكتب لي علي ورقة طلب التحويل كلمات لا تزال في ذاكرتي للآن‏'‏ تتشرف كلية الآداب بقبول انضمام الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد إليها‏'.‏
وقد انتقلت إلي كلية الآداب لكي أوفق بين العمل لكسب العيش وممارسة الشعر والسياسة والدراسة‏.‏ فقد كنت أعمل لأضمن دخلا يسمح لي بالعمل السياسي‏.‏
‏**‏ وبماذا عملت؟
عملت عاملا في مطبعة‏,‏ وفي معمل للألبان‏,‏ وأعطيت الطلاب دروسا خصوصية في الرياضيات‏.‏ وفي فترة العمل هذه عرفت مشاكل العمال وقضاياهم‏,‏ وقمت بدور صغير في محو أمية العمال وتعليمهم‏,‏ حيث كان صاحب معمل الألبان الذي اعمل به يمتلك مصنعا وكنت أذهب إليه لأعلم العمال‏,‏ ونجحت مع كثير منهم وحصلوا علي شهادات دراسية بعد ذلك‏.‏
‏**‏ ولماذا لم‏'‏ تحترف‏'‏ كتابة الأغاني مستغلا موهبتك الشعرية؟
اتخذت قرارا منذ بداية مشواري الشعري ألا اكتب الأغاني‏,‏ مع أنه أذيعت لي أغنيات في الراديو‏,‏ لكني أوقفت هذه التجربة لأن الشعر ليس للبيع وما كتبته من شعر أدخلني السجن ولم يحقق لي الثراء‏.'‏ نفتح قوسا لنؤكد أهمية الغناء في حفظ الشعر بدليل ما فعله الشيخ أمام مع رائعتي زين‏:‏ الفلاحين‏'‏ و‏'‏مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر‏'‏ ولكن زين علي حق لأن غناء الشيخ امام غناء مختلف وليس تجارة
يتجمعوا العشاق في سجن القلعة
يتجمعوا العشاق في باب الخلق
والشمس غنوة م الزنازن طالعة
ومصر غنوة مفرعة ف الحلق
يتجمعوا العشاق ف الزنزانة
مهما يطول السجن مهما القهر
مهما يزيد الفجر بالسجانة
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر
ج‏**‏ كيف اندلعت مظاهرات الطلبة في‏68‏ وماذا كان دورك فيها؟؟
مظاهرات‏1968‏ كانت أول مظاهرات ضد النظام منذ‏'‏ تأميم‏'‏ المظاهرات‏,‏ ان صح التعبير‏,‏ في عام‏1954‏ الذي حدث فيه ما يمكن تسميته بتصفية العمل السياسي‏,‏ وهو ما ندفع فاتورته حتي الآن‏..(‏ صحيح أن ثورة يناير كسرت هذه التصفية‏,‏ لكننا لا نزال نعاني منها حتي الآن لأن المجتمع لم يعتد‏'‏ لعبة‏'‏ السياسة طوال أكثر من‏60‏ عاما من حكم العسكر‏).‏
في‏1954‏ تم حل النقابات وصار كل شيء بالتعيين لا الانتخاب‏,‏ وتم القبض علي رموز كل القيادات السياسية في يوم واحد‏,‏ وطلع علينا وزير داخلية يفخر بأنه قبض علي‏18‏ ألف معتقل في يوم واحد‏.‏
كانت الجامعة تتعرض لحملات قمع لا تنتهي دفع ثمنها الأساتذة الشرفاء الذين كانوا يعترضون علي الدولة البوليسية من أمثال لويس عوض‏,‏ ومحمد عصفور وغيرهما‏.‏ كانت هناك هيمنة للدولة البوليسية‏:‏ صحف تصادر‏,‏ وجامعات تصفي من كوادرها العلمية‏,‏ وانتخابات تلغي‏,‏ وبدأ المواطن يدخل‏'‏ شرنقة‏'‏ ذاته‏,‏ وضعفت العلاقة بين المواطن والسلطة‏.‏
‏**‏ ولكنك قلت أن‏1956‏ جعلت الناس تفرح؟؟
هذا صحيح مقاومة‏1956‏ وخطبة ناصر في الأزهر وتأميم القناة جعل هناك نوعا من العلاقة الطيبة بين الناس والنظام‏,‏ ولكن السلطة كانت تريد نوعا واحدا من العلاقة‏:‏ هي تفعل والشارع يؤيد فقط‏,‏ ولا يشارك‏..‏ وقد لعب شرفاء مثل صلاح جاهين وكمال الطويل‏,‏ وعبدالحليم دورا بارزا في تخدير الناس والدعاية لجمال عبدالناصر وإنجازاته‏,‏ وإبقاء العلاقة علي شكلها الوحيد‏:‏ زعيم ينجز وشعب يصفق‏..‏ والشعب لا يعرف حقائق الأمور حتي وقعت كارثة‏1967‏ ففوجئ الشعب أن الأمور علي غير ما صورتها له الأغاني‏:‏ ولا يهمك يا ريس م الأمريكان لا أريد الخوض في النكسة وأسبابها لأن هناك من تعرض لها بالدرس والتحليل‏,‏ ولكني أشير إلي غياب الشعب عن السياسة منذ‏1954,‏ وكانت‏1967‏ إحدي نتائج هذا الغياب‏.‏
في‏1968‏ بعد شهور من النكسة وقعت حادثتان أسهمتا بشكل كبير في اندلاع المظاهرات في فبراير الأولي كانت صدور حكم بالمؤبد علي عامل مزلقان للسكك الحديدية أهمل في أداء وظيفته فتسبب في وقوع حادث تصادم قطار وأتوبيس لنقل الطلاب ووقع بسببه عدد كبير من الضحايا‏.‏
صدر الحكم في‏18‏ فبراير‏,‏ وبعدها بيومين أي يوم العشرين من فبراير صدرت أحكام قضية الطيران الشهيرة‏,‏ والتي كان يحاكم فيها قادة سلاح الطيران الذين تسببوا في كارثة‏5‏ يونيو وصدرت ضدهم أحكام يمكن تسميتها ب‏'‏ أحكام فكاهية‏'‏ تقضي بالحبس‏3‏ سنوات‏.‏ بمعني ان الرجل الذي تسبب في مقتل‏25‏ شخصا ينال المؤبد‏,‏ والذين تسببوا في هزيمة أمة ينالون‏3‏ سنوات الشعب لم تعجبه هذه المقارنة الساخرة فخرجت المظاهرات‏.‏
‏**‏ كيف كانت البداية؟
البداية كانت في حلوان حيث اشتعل العمال غضبا‏,‏ ونظمت الجامعة العمالية في حلوان أولي المظاهرات‏,‏ وتعرض العمال للضرب‏,‏ فخرجت مظاهرات الطلبة الشهيرة ضد الأحكام الفكاهية‏,‏ وضد قمع مظاهرات العمال الاحتجاجية‏.‏ وكان أول شعار لنا‏'‏ ضفر العامل في حلوان أشرف من صدقي الجبان‏',‏ في اشارة إلي قائد سلاح الطيران المدان بهزيمة يونيو‏.‏
وحدث الاعتصام الشهير في كلية الهندسة ومؤتمرات احتجاجية في كل الكليات تقريبا‏,‏ وهذه كانت المرة الأولي التي يعلن الشارع غضبه من النظام‏..‏ صحيح أنه صب غضبه ضد المحاكمات‏,‏ وطالب باحترام العمال وحقهم في التظاهر‏.‏
‏**‏ هل كانت الأحكام فقط هي سبب المظاهرات؟
بالطبع لا‏..‏ فقد كان اعتصامنا في كلية الهندسة كاشفا لتيارات المجتمع ويمكن تلخيصها في تيارين أساسيين‏.‏ الأول هو قوي اليسار التي رأت أن الهزيمة حدثت لأن البرلمان مشكل من جهلة لا يمثلون المجتمع ولا قواه السياسية والاجتماعية‏..‏ وانه برلمان فريق‏,‏ وتيار آخر يري أن الهزيمة حدثت لأننا ابتعدنا عن الدين‏,‏ المهم لم نستطع أن نصدر بيانا مشتركا ولكننا وصلنا إلي مطالب مشتركة للتيارين معا‏.‏
‏**‏ ماذاكانت مطالبكم؟
الاتفاق كان علي دعم الحريات‏,‏ وفي مقدمتها حرية الصحافة‏.‏ كنا رافضين أن يكون هيكل في‏'‏ الأهرام‏'‏ هو المتحدث الرسمي الوحيد باسم الشعب أو مصدر المعلومات الوحيد‏.‏
طبعا كنا ننتقد الصحافة الحكومية كلها لكننا قلنا هيكل لأنه الأشهر‏.‏ وطالبنا بحل الاتحاد الأشتراكي‏,‏ وكنا نطالب بتنظيمات فاعلة حقيقية‏,‏ وكان التيار الديني يطالب بحل الاتحاد الأشتراكي لأن الاشتراكية‏'‏ كفر‏'.‏ ولكن التيارين طالبا بالإصلاح ومحاكمة من تسبب في النكسة‏.‏
‏**‏ وماذا فعل عبدالناصر معكم؟
كان تعامل عبدالناصر مع مظاهرات‏1968‏ ذكيا للغاية لأنه في أول خطاب بعد إعادة افتتاح الجامعة بعد إغلاقها لفترة بسبب المظاهرات‏'‏ الشعب يريد وأنا معه‏',‏ وأصدر بيان‏30‏ مارس الشهير‏.‏ وفيه أطلق وعودا بحريات أكبر‏,‏ وبحكومة من أساتذة الجامعة‏.‏ وكان من أهم مطالبنا جميعا في الحركة الطلابية الاستعداد الجاد للحرب مع إسرائيل ورفض الهزيمة‏.‏
وقد شاركت كطالب وناشط سياسي‏,‏ وشاركت كشاعر بقصيدة شهيرة‏,‏ رفض الرقيب نشرها في ملحق‏'‏ المساء‏'‏ الأدبي واسمها‏'‏ قصة‏8‏ عسكر‏'‏ مكتوبة عام‏1964,‏ فكتبها الطلبة بأيديهم وعلقوها علي باب الجامعة
كانوا
تمانية عسكر
ع الراس حديد مصنفر
جوه العيون مشانق
وفي الأيدي بنادق
وكان
جدع صغير
في الصدر كلمة فايرة
وعيون نظرتها حايرة
لقيوه جوه المظاهرة
شدوه لوحده بره
فاتوه ع الأرض عضم
وكوم هدوم بلحم
واتدوروا بأمان
رايحين علي السراية
يتسلموا النيشان
واللافت هو ما صدر من رئيس البرلمان وقتها أنور السادات الذي طلب الاجتماع بقيادات الحركة الطلابية لمعرفة آرائهم فذهبنا إليه واجتمعنا وتكلمنا في هذا الاجتماع لمدة طويلة‏,‏ وبعد انتهاء الاجتماع ذهبت إلي الحمام‏,‏ وعند عودتي فوجئت بموظفي البرلمان الذين طالبوني بالهرب‏,‏ ولما استفسرت منهم قالوا‏:‏ رئيس البرلمان طلب المباحث لزمايلك وتم القبض عليهم‏.‏
وقد واجهت السادات بهذه الواقعة في لقائنا معه بعد ذلك في‏1970‏ فرد السادات إن عبدالناصر كان رحيما بكم وهو الذي طلب الإفراج عنكم‏.‏

إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.