منذ قيامها كدولة في14 مايو1948 وحتي الآن, صنعت صورة لإسرائيل وتشكلت مكانة دولية لها, تتمثل الصورة بأن إسرائيل دولة ديمقراطية غربية متقدمة توجد في بيئة إقليمية متخلفة وغير ديمقراطية, وأن إسرائيل التي حصلت علي الاستقلال عام1948 تناضل من أجل البقاء وسط محيط عربي رافض لها, وأن إسرائيل باعتبارها دولة اليهود, معرضة لهولوكست جديد هذه المرة علي يد العرب بعد أن عاني يهود أوروبا من هولوكوست النازية إبان الحرب العالمية الثانية. ووفق هذه الصورة تبوأت إسرائيل مكانة متقدمة لدي العواصمالغربية إجمالا, وفي مقدمتها واشنطن ومن بعدها لندن. ونتيجة ماجري في المنطقة وتحديدا نتائج حرب48, ثم يونيو1967, ومتطلبات الحرب الباردة, باتت إسرائيل دولة غربية في الشرق,قاعدة متقدمة للدول الغربية وللمعسكر الرأسمالي في منطقة استوطن فيها هوي الشرق والمعسكر الاستراكي في ذلك الوقت, هنا تشكلت لإسرائيل صورة نمطية مؤداها أن إسرائيل محببة الي قلب قاطن البيت الأبيض, وأن تل أبيب هي الطريق الي هذا القلب, بمعني أن من يريد التواصل مع واشنطن عليه أن يمر علي تل أبيب أولا وقد ترسخ هذا التصور بعد الدور الأمريكي في إنقاذ إسرائيل من التعرض لهزيمة عسكرية شاملة إبان الأيام الأولي من حرب أكتوبر1973, حيث جاء الجسر الجوي الأمريكي ليحول دون استمرار الهزائم العسكرية علي أرض سيناء. ووظفت إسرائيل أجواء نهاية الحرب الباردة بإسقاط قرار الأممالمتحدة الذي دمغ الصهيونية بالعنصرية, ووسعت من تحركاتها الإقليمية والدولية ودخلت مناطق التأييد التقليدي للحقوق العربية مثل موسكو وبكين ونيودلهي, بل وعمقت علاقاتها مع دول الجوار غير العربية, فوطدت العلاقات مع تركيا, وطورتها مع أثيوبيا جوارها من دول حوض نهر النيل, ونجحت في توظيف الأخطاء المصرية والعربية في جني المزيد من الثمار. وبدأت تفرض رؤيتها في الكثير من المواقف مستفيدة من الغياب أو اللافعل العربي في حالات كثيرة, فكان تجريم معاداة السامية, وخلط السامية( وهي عرق ينتمي إليه اليهود والعرب) بالصهيونية وفي أحيان كثيرة بالإسرائيلية, فقد رصد التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية عن الأعمال المعادية للسامية حول العالم بين اليهودية والصهيونية والإسرائيلية, بحيث أنه سجل وقائع انتقاد الصهيونية, وتفنيد السياسات الإسرائيلية علي أنها وقائع معاداة للسامية. في الوقت الذي حافظت واشنطن علي دعمها المطلق لإسرائيل وضمان تفوقها النوعي علي جميع جيرانها, كانت صورة إسرائيل لدي الرأي العام الأوروبي تتغير, والمثال الأبرز علي ذلك نتائج الاستفتاء الذي جري في عدد من دول الاتحاد الأوروبي عن الدول الأكثر تهديدا للسلام العالمي, فقد جاءت إسرائيل تتغير, وبدأ التغير بطيئا علي إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولي عام1987, انتفاضة أطفال الحجارة, وصولا الي استخدام أسلحة محرمة في الهجوم علي قطاع غزة واستهداف المدنيين والبنية التحتية وهو ماسجله تقرير القاضي اليهودي ريتشارد جولدستون ووجه فيه الاتهامات لإسرائيل وحركة حماس بارتكاب جرائم حرب واحتمال جرائم بحق الإنسانية. بمرور الوقت بدأت تظهر أصوات داخل المجتمعات الغربية من أوروبية وأمريكية تحذر من مخاطر التطرف الإسرائيلي, وجاء ضمن سياق البحث عن مبررات كراهية الرأي العام العربي للسياسة الأمريكية,مسألة الانحياز الأمريكي لإسرائيل, ولزيادة المساحة التي تشغلها المكونات الإسرائيلية في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وقال ستيفن والت وجون ميرشايمر في دراستهما اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكيةأن الحد من المكونات الإسرائيلية في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية وزيادة المكون الأمريكي سوف يؤدي الي زيادة مساحة التلاقي والحد من مساحة الاختلاف وجاءت التطورات اللاحقة لتسرع من وتيرة الحديث عن العبء الذي تمثله إسرائيل علي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وقد تزايد الحديث علي إثر التنافر بين حكومة بنيامين نتانياهو وإدارة الرئيس باراك أوباما, واستخدام المخابرات الإسرائيلية لجوازات سفر أوروبية مزورة( بريطانية وفرنسية وإيرلندية) في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في مدينة دبي في يناير2010 ومع انتهاء الربع الأول من عام2010 بدت ملامح المشهد الجديد في البروز, فمن ناحية ظهر جليا,هناك بالفعل أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, ولم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في التصريح بها أمام مؤتمر أبرز أدوات اللوبي الإسرائيلي في واشنطن( إيباك) في22 مارس الماضي, عندما طالبت إسرائيل باتخاذ قرارات صعبة وطالبتها بعدم الإضرار بمصالح الولاياتالمتحدة فيالمنطقة وفي اليوم التالي كان قرار الخارجية البريطانية بطرد مندوب الموساد في السفارة الإسرائيلية في لندن لدوره في تزوير جوازات السفر البريطانية التي استخدمت في اغتيال المبحوح. نحن أمام مرحلة جديدة تتغير فيها صورة إسرائيل لدي الرأي العام الغربي, ومعه تتغير مكانة الدولة العبرية لدي العواصمالغربية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية, ورغم تبلور ذلك,فأن العالم العربي غارق في قضاياه الوهمية وخلافاته التي لاتنتهي ومناقشاته الميتافيزيقية التي تأخذه الي الخلف وتعجزه عن قراءة وفهم التفاعلات الجارية ناهيك عن التفاعل معها.