مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا في أوائل مارس المقبل, يلجأ رئيس الوزراء فلاديمير بوتين لاستخدام كل أسلحته, واستدعاء تاريخه القديم في المراوغة وفهم الواقع السياسي المتغير الذي تمر به بلاده والعالم أجمع. وذلك من أجل العودة إلي مقعد الرئاسة للمرة الثالثة. ويرفع بوتين كما يرفع غيره شعارات التغيير, لكنه يبحث عن خصوصية لنفسه ولروسيا فالتغيير المتدرج مطلوب, أما علي طريقة ثورات الربيع العربية فإنها مرفوضة. وقد استطاع بوتين البالغ من العمر59 عاما والذي حكم روسيا فترتي ولاية في منصب الرئيس بين عامي2000 و2008, أن يرسم لنفسه خطا أسماه البعض البوتينية.. هذه البوتينية لقيت ترسيخا في فترة رئاسته للوزراء المستمرة حتي الآن, والتي شهدت تعديلات دستورية سمحت له بتجاوز حد الولايتين الرئاسيتين في طريقه لولايتين أخريين تنتهيان في2020 وهذه البوتينية تركزت حول الانحياز للروس ومخاطبة مشاعرهم بشأن الكرامة والقومية والعزة الوطنية, وهو الأمر الذي خلق له قدرا من الكاريزمية لدي قطاعات مختلقة, رغم المظاهرات التي شهدتها روسيا مؤخرا تندد بحكومتة وتتهمها بتزوير الانتخابات, وتطالب بالتغيير, علي غرار ثورات الربيع العربي. نقيض يلتسين وقد نجح بوتين أيضا خلال السنوات الماضية في اللعب علي وتر التناقض مع الرئيس السابق بوريس يلتسين الذي ظهر في مناسبات عديدة وهو مخمور, فضلا عن بطانة اشتهرت بسوء السمعة والفساد متهمة ببيع الاقتصاد الروسي وبنيته الأساسية والقوة العسكرية, فضلا عن الدور والمكانة الدولية.. كل ذلك بثمن بخس. وفي عهد يلتسين يقول مواطنون روس إنهم باتوا يشعرون بالعار وفقدان الأمن والوظيفة ولقمة العيش وغياب الخدمات. علي النقيض من ذلك, حاول بوتين الذي تخرج كلية الحقوق وعمل في المخابرات السوفيتية, تقديم نفسه للجماهير, عازفا علي وتر النزاهة ومحاربة الفساد. وهنا أصدر بيانا رسميا مؤخرا بدخله المالي, قال إنه لايتجاوز140 ألف دولار سنويا فقط وإنه لايملك سوي مسكن واحد فقط أيضا, أما جميع مدخراته التي تبلغ نحو600 ألف دولار فهي من راتبه ومعاشه من جهاز المخابرات الروسي( كيه.جي.بي) وفوائد ودائع بالبنوك, وذلك حسب بيان رسمي. ويملك بوتين الذي يتنقل عادة في سيارة مرسيدس حكومية مدرعة بضع سيارات. وتشمل ممتلكاته العقارية شقة سكنية في مدينة سان بطرسبرج مسقط رأسه مساحاتها78 مترا مربعا فقط وقطعة أرض خارج موسكو. وحسب البيان الرسمي فإن بوتين يملك حصة في بنك متوسط الحجم في سان بطرسبرج قيمتها510 دولارات بالأسعار الحالية. ولم تتحصل لودميلا زوجته علي أي دخل في السنوات الأربع الماضية لكنها تملك ودائع مصرفية بقيمة ربع مليون دولار تقريبا. كما خاطب الروس طالبا منهم التصويت له بوعي وليس بقلوبهم كما كان شعار حملة يلتسين الرئاسية عام1996. علي جانب آخر, نجح بوتين في استعادة قدر من الدور الروسي علي الساحة الدولية بعد النتائج الكارثية التي أفضي إليها إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانفراط عقد جمهورياته, وهو الأمر الذي وصفه بوتين بأنه أكثر أحداث القرن العشرين مأساوية. وقد انتقد بوتين سياسة الولاياتالمتحدةالامريكية في محطات عديدة, وكان ضد الغزو الأمريكي للعراق عام2003 بدون موافقة مجلس الأمن. كما أنه عبر عن معارضته لاستقلال كوسوفو عن صربيا واعتبره غير شرعي. ووقفت روسيا في السنوات الماضية حجر عثرة أمام المساعي الأمريكية لتضييق الخناق علي إيران وانتقدت عمليات الناتو في ليبيا, وأخيرا تقف مع سوريا في مواجهة ضغوط الغرب, كما عبر بوتين عن موقفه الرافض لقيام حلف شمال الأطلسي بضم دول مثل أوكرانيا وجورجيا واعتباره تهديدا لروسيا. بالاضافة إلي موقفه الرافض كذلك للدرع الصاروخية الأمريكية الذي يعتبره تهديدا قريبا من حدود بلاده. واقعية بوتين وفي مواجهة المعارضة الداخلية التي ظهرت بقوة في الشارع بعد الإنتخابات دعا بوتين مؤخرا إلي حوار شامل حول مشكلات روسيا, معتبرا أن نقاشا موسعا واتفاقا علي أهداف وطنية هما السبيل الوحيد للتقدم, ورغم ما اعتبره مراقبون مؤشر ضعف, فإن الأمر بالنسبة لبوتين واقعية مطلوبة في التعامل مع ملفات وطنية بعيدا عن التفرد أو الافراط في استخدام القوة. ولم يغض بوتين الطرف عما يجري في العالم من تغيرات أبرزها ثورات الربيع العربي, ولعب علي وتر أن المشكلة في روسيا تكمن في رغبة بعض نخبها في تبني الثورة بدلا من التنمية التدريجية, مشيرا إلي أن التجربة في العالم كله تحذر من الاستعجال والتدمير دون بناء, علي حد قوله, ورغم القلق الغربي تحديدا من بوتين والذي تتمثل مؤشراته في تخفيض التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية لروسيا, فإن بوتين الذي لايريد أن يخسر لعبته الأهم في تاريخه السياسي, يبدو قريبا من الفوز بالانتخابات المقبلة, بما يعني أن الروس والغرب قد يجدون أنفسهم أمام بوتين جديد وروسيا جديدة أيضا.