عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    استشهاد 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    وتر أكيليس.. «المصري اليوم» تكشف تفاصيل إصابة معلول ومدة غيابه عن الملاعب    تشكيل الزمالك المتوقع ضد نهضة بركان في إياب نهائي الكونفيدرالية.. جوميز بالقوة الضاربة    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    اسكواش - وأخيرا خضع اللقب.. نوران جوهر تتوج ببطولة العالم للسيدات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    حقيقة تعريض حياة المواطنين للخطر في موكب زفاف بالإسماعيلية    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يتعمد منع إعادة المحتجزين فى غزة    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    ماجد منير: موقف مصر واضح من القضية الفلسطينية وأهداف نتنياهو لن تتحقق    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رغم تعمق الانقسام فى إسرائيل.. لماذا لم تسقط حكومة نتنياهو حتى الآن؟    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    تزامناً مع الموجة الحارة.. نصائح من الصحة للمواطنين لمواجهة ارتفاع الحرارة    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    مسلم يطرح أحدث أغاني ألبومه الجديد «اتقابلنا» (تعرف على كلماتها)    «فايزة» سيدة صناعة «الأكياب» تكشف أسرار المهنة: «المغزل» أهم أداة فى العمل    إعادة محاكمة المتهمين في قضية "أحداث مجلس الوزراء" اليوم    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل بلغت اليوم رشدي؟

في أية صحيفة‏,‏ يكون الاحتفال بعيد الميلاد الحادي والعشرين ابتهاجا ببلوغ سن الرشد‏,‏ لكن الوضع في الأهرام المسائي مختلف‏.‏ صحيفة شبهها الكثيرون ب قسم الشرطة‏,‏ لاتغلق أبوابها أبدا‏.
وتصل الليل بالنهار‏,‏ ويعمل أبناؤها بروح الكتيبة المقاتلة التي خاضت معركة التأسيس والإنشاء عام‏1991‏ مع انطلاق أول رصاصة في حرب تحرير الكويت‏.‏ جنود تحت غبار الحرب الإقليمية الكبري كانوا يخوضون معركتهم الخاصة لاحتلال موقع علي خريطة الصحف اليومية المصرية‏,‏ برئاسة القائد العسكري مرسي عطا الله‏,‏ الذي لم يكن ينتمي للمدرسة العسكرية مجازا بفكر الالتزام والانضباط فقط‏,‏ بل كان انتماؤه لها جزءا من تاريخه وتكوينه‏,‏ كمساعد للمتحدث العسكري في حرب أكتوبر المجيدة‏.‏ شرفت بحضور أول اجتماع عام لمجلس التحرير‏,‏ وفيه وصفنا مرسي عطا الله ب الكتيبة المقاتلة‏,‏ وطالبنا بأن نستمر في العمل بهذه الروح‏,‏ لكنني وقتها لم أكن أتصور أنها ستستمر إلي يومنا هذا‏,‏ وأن حربنا الصحفية لم ويبدو أنها لن تضع أوزارها‏.‏ في أي مشروع لإصدار صحيفة يومية‏,‏ سواء صباحية أو مسائية‏,‏ تستمر الاستعدادات والتجهيزات لشهور‏,‏ وأحيانا لأعوام‏,‏ وتصدر عشرات الأعداد التجريبية‏,‏ المسماة الزيرو‏,‏ حتي الاستقرار علي الشكل النهائي‏,‏ والتبويب النهائي‏,‏ لكن الوضع في الأهرام المسائي كان مختلفا‏.‏ كان الأمر يتعلق بساعات وليس بشهور‏,‏ ولا حتي بأيام‏,‏
طرأت فجأة فكرة إصدار أول صحيفة مسائية عن مؤسسة الأهرام‏,‏ خاصة أن السوق كانت متعطشة‏,‏
ولم يكن فيها سوي صحيفة مسائية واحدة هي الزميلة المساء‏.‏
لم يتح الوقت الضيق سوي فرصة إصدار عدد تجريبي واحد‏,‏ حيث كان هناك اتفاق علي طرح المولود الجديد في الأسواق مع بدء الحرب‏..‏ وما إن أصبح العدد الزيرو بين أيدي المؤسسين‏,‏ حتي هدرت مدافع التحالف الدولي معلنة بداية الحربين معا‏:‏ تحرير الكويت وإصدار الأهرام المسائي‏!‏
الطريف أن الزيرو الوحيد صدر من دون اسم المؤسس مرسي عطاالله‏,‏ حيث نشر إسم إبراهيم نافع كرئيس لمجلس الإدارة ورئيس للتحرير‏,‏ مع مساحة فارغة من الواضح أنها كانت مخصصة لاسم رئيس التحرير التنفيذي لكنه لم ينشر‏,‏ ولم يحدث ذلك إلا مع بدء الصدور‏,‏ في اليوم التالي‏.‏
كان من المنطقي أن يكون مانشيت العدد التجريبي‏:‏ الحرب علي الأبواب‏,‏ فقد كانت طبولها تدق‏,‏ وكانت رصاصتها الأولي ستنطلق بعد ساعات‏..‏ مواد العدد كلها من كبار محرري الأهرام‏,‏ فلم يكن فريق الأهرام المسائي قد تشكل بعد‏:‏ أعمدة للأساتذة صلاح الدين حافظ وإحسان بكر وعزت السعدني ومحمد باشا‏,‏ تحقيق للأستاذ عبدالعظيم الباسل‏,‏ المشرف الحالي علي ملحق الجمعة بالأهرام‏,‏ الرياضة للأستاذ نصر القفاص‏,‏ الذي تولي مسئوليتها بالأهرام المسائي قادما من الأهرام الرياضي ومنتقلا بعد ذلك إلي الأهرام‏,‏ مع عمود للأستاذ حسن المستكاوي‏,‏ عضو مجلس التحرير الحالي لصحيفة الشروق‏.‏
في الأخيرة كاريكاتير للأستاذ فرج حسن‏,‏ رئيس القسم الفني الحالي في الأهرام وباب المرأة للأستاذة بهيرة مختار‏,‏ التي رحلت قبل شهور بعد أن تولت مسئولية قسم التحقيقات في الأهرام وأقسام أخري لسنوات طويلة‏.‏
كان لوجو الأهرام المسائي بلغتنا الصحفية أبيض علي أسود‏,‏ في حين أصبح أبيض علي أحمر عندما صدرت الصحيفة‏,‏ قبل أن يخضع بعد ذلك لتعديلين جوهريين حتي استقر علي شكله الحالي‏..‏ وكان العدد مكونا من عشر صفحات فقط‏,‏ وهو مااستمر بعد الصدور لفترة‏,‏ إلي أن زادت الخدمات المقدمة للقارئ وزاد معها عدد الصفحات حتي وصل في بعض الأعداد إلي‏28‏ صفحة‏.‏
الأربعاء‏16‏ يناير‏1991‏ هو تاريخ العدد التجريبي‏,‏ وفي اليوم التالي‏:‏ الحرب والصدور‏,‏ في عدد أول لاينسي ستكون لنا وقفة معه‏,‏ لكن لابد أولا من نظرة علي الظروف المحلية والاقليمية التي واكبت صدوره‏..‏ كانت أجواء الحرب تخيم علي كل شئ‏,‏ فقد كانت مصر مشاركة في التحالف الدولي الذي تولت قواته طرد العراق من الكويت‏,‏ وكان المصريون منقسمين حول ذلك‏,‏ وحول ماإذا كانت المهمة ستدور علي أرض الكويت فقط أم أن العراق نفسه سيضرب‏,‏ وهو ماكان معظم المصريين يرفضونه‏.‏
لا أريد أن أبدو مثل المسنين الذين يتحدثون عن أسعار الخبز والبيض في أزماتهم‏,‏ لكن عندما صدرت الأهرام المسائي كانت هواتف مؤسسة الأهرام مكونة من ستة أرقام فقط‏,‏ وكان سعر الصحيفة‏25‏ قرشا‏,‏ وهو سعر كان يعتبره الكثيرون وقتها مبالغا فيه‏,‏ لأن الصحف حتي وقت سابق قريب كانت بخمسة قروش فقط‏.‏
كنت في ذلك الوقت محررا تحت التمرين في مجلة الشباب بمؤسسة الأهرام‏,‏ وكنت قد انتهيت لتوي من دراستي الجامعية‏,‏ وأستعد لأداء الخدمة العسكرية‏,‏ وفور أن اطلعت علي العدد الأول‏,‏ الذي أعارني إياه الزميل أشرف مفيد‏,‏ الرئيس الحالي لقسم الصفحة الأخيرة في الأهرام‏,‏ قلت لنفسي إنني لابد أن أعمل في هذه الصحيفة‏,‏ أعجبني الدم الجديد والروح الوثابة‏,‏ وفكرت في أنني إذا لم أتعلم الصحافة اليومية وظللت أعمل في مجلة شهرية فقط‏,‏ فلن أكون صحفيا حقيقيا‏.‏
تحدثت إلي الأستاذ عبدالوهاب مطاوع‏,‏ الراحل الكبير الكريم‏,‏ رئيس تحرير الشباب وقتها‏,‏ وقلت له مباشرة إنني أريد أن أنتقل إلي الأهرام المسائي‏,‏ وأريده هو أن يزكيني عند الأستاذ مرسي عطا الله‏..‏ فقال لي بالحرف الواحد‏:‏ يابني الجرنال ده مش هيستمر‏..‏ الأهرام عامله عشان الحرب بس‏,‏ فرددت بالحرف الواحد أيضا‏:‏ لكن ياريس دي مصداقية الأهرام‏..‏ لو أصدر حاجة لازم تستمر‏!.‏
وعندما زاد إلحاحي نفد صبره‏,‏ وأخذني من يدي إلي مكتب الأستاذ مرسي بالدور الرابع‏,‏ حيث كان يتقاسم غرفة واحدة مع الأستاذ إحسان بكر‏,‏ وقال له‏:‏ خد ده‏,‏ ودفعني نحوه بحسم‏,‏ وانصرف‏!‏
هكذا كانت البداية‏,‏ التي اخترت أن تكون في قسم الشئون الخارجية لاستغلال لغتي‏,‏ ولأنه بيعين أسرع كما قال لي زملائي من قدامي المحررين بالأهرام‏..‏ وبالفعل كنت ضمن‏16‏ اسما شملهم قرار تعيين أول دفعة بالأهرام المسائي‏,‏ لكن ليس لأن الخارجي بيعين بسرعة‏,‏ بل لأنني ظللت لنحو عام كامل لا أنام‏,‏ ممزقا بين وحدتي العسكرية والأهرام المسائي‏,‏ وفي كل ليلة لابد من خدمة في أحدهما تبقيني متيقظا طوال الليل وتسلمني إلي الأخر في الصباح‏!‏
أما العدد الأول الذي أصابني ب فيروس حب الأهرام المسائي‏,‏ فقد صدر في عشر صفحات مثل التجريبي‏,‏ وكان المانشيت محددا ومؤثرا الحرب بدأت عاصفة ومدمرة‏..‏ ظهر اسم مرسي عطا الله كرئيس تحرير تنفيذي‏,‏ فيما تولي إبراهيم نافع كتابة المقال الشمال في الصفحة الأولي بعنوان‏:‏ هذه الحرب التي ماكنا نتمناها‏.‏
استمر كتاب أعمدة الزيرو في الكتابة بالعدد الأول‏,‏ وأضيف إليهم رجب البنا ورجب محمود‏,‏ فيما خصص العمود المميز بشمال الصفحة الأخيرة للكبير عبدالوهاب مطاوع بعنوان‏:‏ في الحقيقة‏..‏ تم تخصيص معظم الصفحات لتغطية الحرب بطبيعة الحال‏,‏ لكن كانت هناك واحة للثقافة قدمها الشاعر مصطفي الضمراني‏,‏ ورياضة تولي تحرير موضوعاتها‏:‏ أيمن أبو عايد‏,‏ الرئيس الحالي لقسم الرياضة بالأهرام‏,‏ وأسامة إسماعيل‏,‏ المشرف الحالي علي ملحق الأهرام بأهرام الجمعة‏,‏ وأنور عبدربه‏,‏ مدير تحرير مجلة الأهرام الرياضي حاليا‏.‏
بمرور الوقت‏,‏ اكتشفت أن كلام الأستاذ عبدالوهاب مطاوع ليس خاصا به وحده‏,‏ وأنه كان هناك اعتقاد عام داخل مؤسسة الأهرام وخارجها بأن الأهرام المسائي لن يستمر‏,‏ وأن مصيره إلي التوقف مع انتهاء أزمة الخليج‏,‏ لكن ما راهنت عليه حدث بحمد الله‏,‏ وواصلنا المشوار‏,‏ ولعل ذلك مادفع الأستاذ مرسي عطا الله إلي أن يكتب مقالا في العد التذكاري الصادر في العيد الأول للصحيفة بعنوان‏:‏ لم نتوقف كما تنبأوا‏!‏
صدر العدد السبت‏18‏ يناير‏1992,‏ وليس‏17‏ يناير‏,‏ ببساطة لأن الصحيفة في بداياتها لم تكن تصدر أيام الجمعة‏,‏ وكان يحتوي علي ملف كبير ضم صفحتين عن انفرادات وخبطات العام الأول‏,‏ واستقصاء لآراء خبراء الإعلام في الصحيفة‏,‏ واستطلاع لآراء المشاهير في جميع المجالات‏,‏ فيما شهدت الصفحة الأخيرة إعادة نشر الصفحة الأولي من العدد الأول وكذلك افتتاحيته‏.‏
وضمت الصفحة الأولي من العدد التذكاري خبرا عن حفل الاستقبال الذي أقيم السبت التالي 25‏ يناير‏1992‏ وشهد تكريم النجوم الفائزين والقراء المشاركين في الاستفتاء الذي أجراه الأهرام المسائي لاختيار الأفضل في جميع المجالات‏,‏ والذي استمر في تنظيمه بعد ذلك لعدة سنوات‏.‏
كنا في تحد دائم مع النفس والآخرين‏,‏ نصل الليل بالنهار ولانلتقط أنفاسنا إلا بعد النزول للمطبعة والاطمئنان إلي دورانها‏..‏ كم سهرنا أمام فوانيس أو بنورات المونتاج‏,‏ التي كان الفنيون يفردون الصفحات عليها للصق ورق البرومايد الذي يحتوي علي المادة أيام الجمع التصويري‏,‏ وكم اختصرنا بمعرفتهم ب الكتر والمسطرة الحديد لكي تقفل الصفحة‏,‏ وكم لسعتنا ماكينة الشمع التي كنا نمرر سلخات البرومايد عليها لكي يمكن لصقها بعد ذلك علي الصفحات‏,‏ وكم ذهبنا بهذه السلخات إلي قسم ال ام‏.‏ في‏.‏ بي لكي نحول موضوعا من ثلاثة أعمدة إلي اثنين أو العكس‏.‏
لذلك كانت سعادتنا كبيرة عندما حدث التحول الكبير الأول وأصبح توضيب وتجهيز الصحيفة يتم بالكمبيوتر‏,‏ أو ما أطلق عليه الماكنتوش وهو التحول الذي احتفلت به أسرة التحرير وتم نشر موضوع مصور عنه‏,‏ في العدد الذي صدر الأحد‏17‏ يناير‏1993‏ احتفالا بعيد الميلاد الثاني‏.‏
وفي هذا العدد ملف خاص عن بدء مسيرة العام الثالث أشرف عليه الكاتب الصحفي الراحل حسين فتح الله‏,‏ الذي كان يرأس قسم التحقيقات قبل أن يعود إلي الأهرام رئيسا للقسم العسكري ثم مديرا لمكتب طرابلس‏,‏ وشارك في إعداده كاتب هذه السطور والزميلان أشرف العشري ومحمد عبدالسلام‏,‏ اللذان انتقلا فيما بعد إلي الأهرام‏.‏
وأهم مافي هذا العدد قصة مانشيت زلزال العصر الرهيب والعدد الخاص الذي صدر عن الأهرام المسائي صبيحة زلزال‏12‏ أكتوبر‏1992‏ الشهير‏..‏ وأقول خاص رغم أنه لم يكن رسميا كذلك لأن صفحاته ال‏12‏ خصصت كلها لتغطية الزلزال‏,‏ ويومها عملت أسرة التحرير كلها في خدمة الحدث الجلل‏,‏ ولعله اليوم الوحيد في حياتي الذي عملت فيه بقسم الحوادث والقضايا‏.‏
وفي تاريخ الأهرام المسائي الكثير من هذه الأعداد الخاصة لتغطية الاحداث الكبيرة‏,‏ من اغتيال المفكر فرج فودة إلي أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ وغيرها الكثير‏,‏ حتي اشتهرت الصحيفة بتألقها في الأزمات‏,‏ وقدرتها علي تغطية مالا تلحق به الصحف الصباحية بسبب مواعيد طباعتها‏.‏
ولأننا بتوع شغل ولسنا بتوع احتفالات‏,‏ فقد قلت المظاهر الاحتفالية بأعياد الأهرام المسائي في السنوات التالية‏,‏ علي الأقل علي صفحات الجريدة‏,‏ حيث أصبح الأمر يقتصر في معظم سنوات النصف الثاني من التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة علي أخبار محدودة في الصفحة الأولي‏,‏ ومقالات صفحات الرأي في الداخل‏..‏ أما داخل البيت‏,‏ فقد كنا نكتفي‏,‏ في معظم أيام‏17‏ يناير من تلك السنوات‏,‏ بتورتة صغيرة نطفئ شموعها سويا‏,‏ ثم ننصرف إلي عملنا اليومي‏,‏ وفيروس حبنا الأبدي‏!‏
كنا تحولنا إلي أسرة واحدة بمعني الكلمة‏,‏ بكل مافي الأسرة الواحدة من اتفاق واختلاف‏,‏ وشجار في بعض الأحيان‏,‏ لكن كان كل ذلك ومازال يجري علي أرضية البيت الواحد الذي لايريد أحد أن يهجره أو يهدمه‏,‏ مهما يكلفه ذلك من تضحيات‏.‏
هكذا واصلنا المسيرة حتي اليوم‏,‏ باستثناء الفترة من‏2009‏ إلي‏2011,‏ التي تولي خلالها المسئولية رئيس تحرير من خارج الأهرام المسائي‏,‏ وكانت خلالها الرؤية والحسابات مختلفة ومرتبكة إلي درجة جعلتني شخصيا أفكر في الانتقال من بيتي‏..‏ ورغم أن هذه الفترة شهدت تطورا في الشكل‏,‏ إلا أن المضمون لم يكن يرضي أحدا بمن فيهم شخصي الضعيف‏,‏ إلا أنني أجبرت علي الاستمرار بعد إفشال نقلي إلي الأهرام أو أي إصدار آخر‏,‏ في ظروف صعبة ليس هنا أو الآن مجال الخوض فيها‏.‏
وتكفلت ثورة‏25‏ يناير بتصحيح الأوضاع‏,‏ وعادت الأمور إلي نصابها الصحيح بتولي واحد منا هو الصديق والزميل علاء ثابت رئاسة التحرير في إبريل‏2011.‏ وسرعان ماأظهرت القيادة الجديدة قدرات إدارية وتحريرية فاجأتني أنا شخصيا‏,‏ وقامت بمبادرات شجاعة وغير متوقعة‏,‏ مثل بدء العهد الجديد باعتذار واضح ولا لبس فيه للقراء عن هذين العامين اللذين شهدا الترويج لمشروع التوريث‏,‏ كما شهدا للأسف إهانة الثورة والثوار‏,‏ ونشر الأكاذيب عما يجري في الميدان‏..‏ وكان للاعتذار مفعول السحر لدي القراء والمراقبين‏,‏ وانهالت التعليقات التي كانت تدور حول فكرة عبر عنها أحد القراء في تعليقه بموقعنا الإلكتروني قائلا ببلاغة‏:‏ الله الله علي التحضر والرقي‏.‏
وتواصلت المبادرات بانتخاب مجلس تحرير الصحيفة لأول مرة في تاريخ الأهرام المسائي وأول مرة في تاريخ الأهرام‏,‏ ولا أريد أن أقول‏:‏ الصحافة المصرية لأنني لا أعرف تاريخها كله‏..‏ وحدثت ثورة في التحرير الخاص بنا مواكبة لما حدث في التحرير الخاص بالشعب‏,‏ وتم تحديث الموقع الإلكتروني والعديد من الخدمات الأخري‏,‏ مما أعاد إلي الأهرام المسائي قارئه الذي كان قد غاب عنه لعامين فقط‏!‏
وأعود إلي السؤال‏:‏ هل بلغت اليوم رشدي؟
وأقول بلا مبالغة إن الأهرام المسائي تجاوز سن الرشد بكثير‏..‏ فسنوات السهر والشقاء والحلم والتعب والعرق والكفاح لاتعد أو تحصي مثل غيرها‏,‏ بل يعرف كل من خاض هذه التجربة الفريدة في تاريخ الصحافة المصرية والعربية أيضا أن كلا منها بعشر مما يعدون‏!‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.