كيف لشعب خرج منذ الصباح الباكر في صفوف متراصة ليدلي بصوته ألا يكون لديه الوعي ليعرف طريقه؟ خرجت جماهير تسع محافظات لتدلي بأصواتها في أول انتخابات لمجلس شعب حقيقي. لقد خرج الشعب في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مارس الماضي في ظاهرة لم نعرفها من قبل ليقول كلمته وها هو ينتخب ممثليه اليوم ليستكمل تلك المسيرة, خرج الشعب ليعلن للجميع أنه لا التفاف علي إرادة الشعب بمواد فوق أو خلف دستورية لافظا كل محاولات تأجيل أو إلغاء الانتخابات التي تخرج بين الحين والحين ممن وضعوا أنفسهم في مواجهة مع الشعب, محاولات دون مستوي فكرنا كشعب له جذور وله مستقبل تغافلنا عنه حينا وها نحن ننفض الغبار عنه لنستكمل مسيرة تشاغلنا عنها لعقود. خرج الشعب اليوم في عرس جميل بأعداد فاقت كل التوقعات, فلقد نجح الشعب باقتدار ورسب من راهن علي إلغاء الانتخبات أو تأجيلها التفافا علي إرادة الشعب. كم استوقفني مشهد النساء في القوائم الفردية وقوائم الأحزاب وفي صفوف الناخبين وتذكرت في هذا المشهد أن كندا لم تعط حق الانتخاب للنساء إلا بعدنا عام1960, وتلتها سويسرا عام1971, فالبرتغال عام1976, لم أتوقف عند هذا المشهد الذي ذكرني بمكانة المرأة عندنا والتي تستحق أن تكون أم المجتمع بالاحتكام لصحيح عقائدنا مسلمين ومسيحيين لنضع المرأة في وضعها الذي تستحقه. ورغم جمال الصورة, فلقد تم رصد بعض الحوادث المؤسفة قبيل الانتخابات بممارسة أفعال يأثمها القانون بإصدار أوامر من جهات دينية لتوجيه الناخبين للتصويت في اتجاه معين في الانتخابات البرلمانية الحالية, كما قام البعض برشوة الناخبين عينيا وهو ما يعتبر نوعا من الألاعيب السياسية المجرمة قانونا والتي يتعين علي النيابة العامة تحريك الدعاوي بخصوصها مهما كان الحزب أو الشخص المتسبب! وإضافة إلي ذلك هناك أخطاء في وضع البعض ذوي أكثر من جنسية ولمن تنازل عن جنسيته المصرية وسمح له بالترشح, فالمفترض أن المرشحين والناخبين مصريون فقط! ورغم ما في مشهد اليوم من بعض الهفوات التي أمكن تداركها مثل تأخر فتح بعض اللجان عن موعدها, كما أن تلقائية البعض في التعامل مع الحدث وما لحق به من انتظار غير مسبوق حول اللجان الانتخابية لا يمكن أن يشوه جمال المنظر, فكم كان رائعا منظر اللجان الشعبية التي تقوم بتوعية الناخبين ببياناتهم وبلجانهم في بعض المحافظات. لقد بتنا لعدة أيام أسري مشهد ميدان التحرير واحتمالات تصعيد العنف وتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة موازية وجاء رد الشارع المصري أبلغ ما يكون: لا للفوضي, لا لجر البلد للمجهول, لا للبلطجة السياسية والإجرامية, لا لمؤامرات من يريدون نصيبهم من الكعكة, ونعم لإرادة الشعب في الاستفتاء, وهو ما يعني نعم للعدل وللتنمية وللحرية, وهو ما آراه دعما لخطوة لاحت في الأفق وهو حكومة الانقاذ الوطني. ورغم ذلك لابد من أن نتوقع ألا تسير الأمور بنفس النقاء الذي سارت عليه اليوم ففي جانب مهم من الصورة نجد من يتوعد حينما تأتي النتائج علي خلاف هواه حسب ما ورد وللأسف علي لسان أحد رؤساء الأحزاب, والآن وقد لاحت ثانية بوادر دوران العجلة فلنتكاتف جميعا لندير دفتها في اتجاه رفعة الوطن. أستاذ هندسة الحاسبات جامعة الأزهر