اتشحت الدنيا بالسواد وارتدت الأرض ثوب الحداد وتجمع أفراد العائلة حوله وكان الرجال يتوعدون ويهددون بالانتقام المر من عائلة حماد وكانت النساء تحرض وتنفخ في النيران المستعرة في الصدور بالكلمات المريرة. بينما هو ينتظر المصير المجهول ما بين الانتقام ومن ثم القتل والسجن أو التراجع وارتداء ثوب الخزي والعار إلي الأبد. نشأ رامي بمنطقة حلوان, حيث ورث العادات والتقاليد الحسنة وكذلك السيئة التي تشبعت بها عائلته جمعة والتي تعود جذورها إلي قبائل صعيد مصر, حيث الأخذ بالثأر خط أحمر لا يمكن غض البصر عنه. وكان رامي دائم الانصات إلي جدته التي مازالت تتحلي بروح الراوي والذي مازال ينتشر في قري الصعيد ورضع من جدته لبن العشق والحب الشديد لأفراد عائلته والتعصب لها ولهم مهما كانت الظروف دون أن يجد غضاضة في ذلك. توقف الزمن في تلك اللحظة التي سقط فيها ثلاثة قتلي من عائلة رامي وشعر ولأول مرة بالعجز والقهر بعد أن كان دائم التباهي بأبناء عمومته وعزوته في منطقة حلوان وكان الجميع يخافهم ويهابهم وردد بينه وبين نفسه, كيف سأتعامل مع الناس وأنظر في وجوههم بعدما حدث. انتظر الجميع حتي صدور الأحكام علي المتهمين من العائلة الأخري لمعرفة مدي مناسبة العقوبة لارتكاب الجرم من وجهة نظرهم ولكن رغم الهدوء والترقب الحذر بعد الامتثال إلي نصائح الكبار, بدأت عائلة رامي في إعداد العدة والعتاد من أسلحة وذخيرة وخطط للأخذ بالثأر لكي تسترد العائلة كرامتها وسطوتها التي أوشكت أن تفقدها بين الناس. كانت البداية بمشادة كلامية تطورت إلي مشاجرة بسبب النزاع علي أولوية شراء الخبز أمام أحد المخابز مما تسبب في مقتل3 أشخاص من عائلة جمعة محجوب وقضت محكمة الجنايات بالسجن علي ثلاثة متهمين من عائلة حماد الأول بالسجن المؤبد25 عاما, والثاني بالسجن المشدد لمدة15 عاما, وكان الثالث الأكثر حظا, حيث قضت المحكمة بمعاقبته بالسجن لمدة3 سنوات فقط. جن جنون أفراد عائلة جمعة بعد الأحكام التي صدرت ضد أفراد العائلة الأخري والتي اعتبروها مخففة وبدأوا في اعداد العدة للانتقام في أقرب فرصة والأخذ بالثأر. ووقع الاختيار علي رامي وعلي وهما من أقوي وأشجع شباب العائلة, وعلي الفور امتثلا إلي الأمر ولم لا فالأول فقد شقيقه, والثاني فقد ابن عمه, حيث توجها إلي اثنين من أقارب المتهمين الثلاثة من العائلة الأخري وهما: محمود حماد 55 سنة صاحب محل أدوات منزلية ونجله عمرو 25 سنة صاحب سايبر نت ومقيم بحلوان وأطلقا عليهما وابلا من الأعيرة النارية من أسلحة آلية كانت بحوزتهما وسط ذهول وهلع المارة فأصاباهما في الصدر والبطن مما أدي إلي مصرعهما في الحال. وعلي الفور أطلقا عددا من الأعيرة النارية في الهواء لإرهاب المارة ولاذا بالفرار ولكن تمكنت قوة من مباحث حلوان من ضبطهما وبحوزتهما الأسلحة المستخدمة في الحادث بعد قيام الأهالي بإبلاغ اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة الذي أمر بتشكيل فريق بحث بإشراف اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة للمباحث وبقيادة اللواء حسن السوهاجي نائب المدير حيث تمكنت قوة من مباحث قسم شرطة حلوان من ضبطهما. وأمام المقدم حازم سعيد رئيس مباحث حلوان اعترفا بإرتكابهما الواقعة, وأقرا بأن الظروف كانت أقوي منهما, حيث أن الأخذ بالثأر هو منهج لا مناص منه في العائلة خاصة أن حلوان من المناطق التي تتميز بوجود كبير لعائلات لها جذور في الصعيد وكثيرا ما تتباري فيما بينها لإقتناء السلاح الحديث وكثيرا ما تحدث معايرة لمن لم يأخذ بثأره من قاتل أحد أقاربه وهو ما يجعله منكس الرأس يطارده الخزي والعار أينما ذهب, وعلي العكس لمن يأخذ بالثأر فيعتبرونه رجلا جسورا شجاعا ودمه حامي ولا يعيرون النتائج التي ستترتب علي ذلك أي اهتمام رغم أنها غالبا ما تكون كارثية علي الفرد القاتل وعائلته والمجتمع بأسره.