مصر والصين.. شراكة اقتصادية شاملة تدعم التجارة والتعاون الاستثماري    محافظ قنا يتباع أعمال تنفيذ مشروع تطوير كورنيش النيل    أستاذ اقتصاد: العلاقات المصرية الصينية تقدم نموذجا للبناء والتنمية المشتركة    الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول الشاحنات المحملة بمواد البناء لقطاع غزة    الجامعة العربية تؤكد أهمية منتدى التعاون «العربي - الصيني» في تعزيز العلاقات بين الجانبين    مهاجم المغرب الفاسي معروض على الزمالك لضمه في الموسم المقبل    رفع 40 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    مواعيد وأماكن لجان قبول اعتذارات الثانوية العامة 2024 في المنوفية    المحكمة تستمع لمرافعة دفاع المضيفة التونسية المتهمة بقتل ابنتها في التجمع    إيرادات ضعيفة ل بنقدر ظروفك وتاني تاني في أسبوعهما الأول بالسينما    حج 2024| الأزهر للفتوى يوضح أنواع الإحرام    حمزة نمرة يدعم أهل فلسطين: «ارفع البلاء يارب»    محافظ الجيزة: فتح المجازر بالمجان طوال أيام عيد الأضحى المبارك    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    مزايا تأمينية وحوافز شهرية.. جهاز تشغيل الشباب بالجيزة يعلن فرص عمل جديدة    محافظ كفرالشيخ يترأس المجلس التنفيذي للمحافظة لمناقشة عدد موضوعات وقرارات خدمية وتنموية    حماس تحمل واشنطن مسئولية المجازر المروعة برفح وتدعوها إلى وقف شراكتها في قتل الفلسطينيين    رئيس جامعة سوهاج يهنئ الدكتور محمد هندي لحصوله على جائزة الدولة التشجيعية    كتائب الشهيد عمر القاسم تعلن استهداف جنود وآليات الاحتلال غربي رفح    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    فحص 2340 مواطنا بقافلة طبية مجانية في الدهتمون بالشرقية    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    كريم فؤاد: كورونا سبب انضمامي للنادي الأهلي.. وهذه نصيحة معلول لي    ضبط 291 قضية مخدرات و194 قطعة سلاح نارى خلال 24 ساعة    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد سير امتحانات كلية الهندسة    لصرف معاشات شهر يونيو| بنك ناصر الاجتماعي يفتح أبوابه "استثنائيًا" السبت المقبل    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    أردوغان: روح الأمم المتحدة ماتت في غزة    جيش مصر قادر    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    ورش تدريب على ضوابط ترخيص البيوت الصغيرة لرعاية الأطفال في الدقهلية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    «محمد صلاح أم زيزو؟».. مفاجأة في الأسماء المرشحة لقائمة منتخب مصر في أولمبياد باريس (تفاصيل)    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    نمو مبيعات التجزئة في بريطانيا خلال الشهر الحالي    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آثاري إسرائيلي يدحض علاقة داود وسليمان بالقدس

من أسعده الحظ في رؤية الحوار الذي أجراه الإعلامي حسين معوض مع يسرائيل فنكلشتاين رئيس المعهد الآثاري في جامعة‏(‏ تل أبيب‏)‏ في فضائية ال‏(B.B.C)‏ فإن أول ما يتبادر إلي ذهنه‏,‏ الواقع الكارثي الذي تعيشه مؤسساتنا العربية‏,‏ السياسية والثقافية والتعليمية والإعلامية‏.‏
و منذ حوالي عام‏1850‏ تم تأسيس الكثير من الجمعيات في أوروبا وأمريكا‏,‏ لا هم لها إلا اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني‏,‏ وهذا الاتجاه يوضحه الدستور الخاص بصندوق استكشاف فلسطين الذي انشئ عام‏1865,‏ ومفاده أن فلسطين لم تكن مهمة في ذاتها‏,‏ بل لاختلاق إسرائيل القديمة‏,‏ وكان ذلك من العوامل المساعدة لتحفيز اليهود‏,‏ ومن الأهم من الغرب المسيحي‏,‏ علي اسباغ فكرة العودة المألوفة إلي جبل صهيون في التراث المسيحي بطابع سياسي استعماري‏,‏ وهكذا تم وضع الزمان المطلق ضمن حغرافيا مهددة تمهيدا لاختلاق كيانهم الاغتصابي الاصطناعي‏,‏ ولأجل ذلك فكثيرا ما خربوا التتابع الأثري التاريخي في هجمة دراساتهم غير العلمية وبحثهم الفوضوي عن أسانيد تدعم حقهم التاريخي المزعوم في فلسطين‏,‏ أما موقف العرب إزاء هذا الاحتيال التاريخي الذي يجري علي المكشوف‏,‏ فقد كان حقا موقفا مخزيا‏,‏ فعن طريق أولئك المخربين تسربت المعلومات الزائفة علي علاتها إلي المؤرخين والآثاريين العرب عموما‏,‏ وبالنقل الحرفي أحيانا‏,‏ كحقائق تاريخية لاسبيل إلي إنكارها‏..‏ وهكذا اتكلوا علي غيرهم ليقرأوا تاريخهم‏.‏ ويعيدوا كتابته علي هواهم فيما تقتضيه مصالحهم‏.‏ وفي هذه المسألة بالذات يذكر البروفيسور بيشلر دريكسلر‏:‏ انه ما من دولة في الأرض رويت عنها الأساطير وكتمت حقيقتها بنشاط أكثر من دولة إسرائيل الفلسطينية‏,‏ وقد جاءت الأيام لتثبت صحة وجهة نظره‏,‏ إذ أتت الرياح بما لا تشتهي سفن الصهيونية‏,‏ وقد عبر عن ذلك عالم الآثار الاسرائيلي زئيف هرتسوج عام‏1999‏ بقوله‏:‏ إنه بعد مائة وخمسين سنة من الحفريات المكثفة‏,‏ توصل علماء الآثار إلي نتيجة مخيفة‏,‏ لم يكن هناك أي شيء علي الإطلاق‏,‏ حكايات الآباء مجرد أساطير‏,‏ لم ندخل إلي مصر‏,‏ ولم نخرج منها إلي فلسطين‏,‏ ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان‏,‏ الباحثون والمهتمون يعرفون هذه الحقائق منذ زمن‏,‏ أما المجتمع فلا‏.‏
وقد بدأ هذا الاتجاه يتعزز منذ ثلاثة عقود علي أيدي نخبة من الآثاريين الغربيين من نبلاء الضمير أمثال ماكليستر وكاثلين النيون‏,‏ وتلاهما بولاب الذي مهد عمله الطريق لتصديع الحق التاريخي لليهود في فلسطين أمام‏:‏ جلوك ووليم ديفر وتوماس ليفر وجوناثان تب وتوماس طومسون وكيث وايتلام وغيرهم‏,‏ وبفضل جهودهم أصبح بإمكاننا التفاؤل ببدء فك الحصار عن الحق التاريخي للفلسطينيين في فلسطين‏,‏ بعد تحريره من قبضة الخطاب التوراتي الذي احتفظ بالماضي لإسرائيل وحدها‏.‏
وأبلغ من ذلك في الدلالة‏,‏ أن يجد هذا الاتجاه من يؤيده من بين الآثاريين الإسرائيليين أنفسهم‏.‏ الذين ما انفكوا يزعزعون أركان الرواية الصهيونية‏,‏ وينفون العديد من رواياتها‏,‏ ويقوضون حججها الكثيرة فيما يتعلق باليهود وانتمائهم إلي ما يطلقون عليه أرض الميعاد‏,‏ ونستطيع أن نتجاوز عن تفاصيل هذه المسألة‏,‏ ونكتفي علي سبيل الاستشهاد بخلاصة وجهة نظر فنكلشتاين الذي شكك في وجود أي صلة لليهود بالقدس‏,‏ وأكد أن علماء الآثار الاسرائيليين‏,‏ لم يعثروا علي أي شواهد تاريخية أو آثارية‏,‏ تدعم بعض القصص الواردة‏,‏ وأكثر من ذلك‏,‏ شكك في قصة داود التوراتية‏,‏ الأكثر ارتباطا بالقدس حسب معتقدات اليهود‏,‏ ويقول‏:‏ لايوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي علي وجود هذا الملك المحارب الذي اتخذ القدس عاصمة له‏,‏ والذي سيأتي من صلبه من يقوم بالاشراف علي بناء الهيكل‏,‏ مؤكدا أن شخصية داود كزعيم يحظي بتكريم كبير‏,‏ لانه وحد مملكني يهودا وإسرائيل هو مجرد وهم وخيال‏,‏ وينتهي من ذلك إلي أن وجود باني الهيكل مشكوك فيه أيضا‏.‏ أما فيما يتعلق بهيكل سليمان‏,‏ فيؤكد أنه لايوجد أي شاهد أثري يدل علي أنه كان موجودا بالفعل‏..‏ ووجهة النظر هذه لم ينفرد بها فنكلشتاين وحده‏,‏ بل باتت ملمحا تتقاسمه نتائج أبحاث العديد من علماء الآثار الاسرائيليين العدول‏,‏ الذين يحترمون معطيات العلم وحقائق أبحاثه‏,‏ ومما قاله أحدهم وهو روني ريك‏:‏ آسف لأن السيد داود والسيد سليمان لم يظهرا في القدس‏..‏ وعلي ضوء هذه الظروف‏,‏ يجوز لنا بالتأكيد أن نعتنق الرأي المعقول القائل بانه قد ترسخ في أذهان الكثيرين ممن يوثق في أبحاثهم‏,‏ أن هذا الهيكل محض خيال‏,‏ ويفتقر إلي الدليل الأثري والأساس التاريخي‏,‏ مثل كل تواريخ اليهود الموجودة في التوراة‏,‏ الأمر الذي جعل بعض الباحثين العدول يعيدون النظر في كل ما جاء في التوراة‏,‏ مطالبين بأن يكون لعلم الآثار دور أكثر أهمية في رسم الخطوط الموضوعية لهذا التاريخ‏,‏ وأن كل ما في التوراة إن هو إلا محض أساطير اختلقها كتبة التوراة‏,‏ ليصنعوا من تلك الشراذم شيئا‏,‏ وليجدوا بين أيديهم رمزا ذا جاذبية خاصة متمثلا في الهيكل السليماني‏,‏ يلتقون حوله‏,‏ وفي نفس الوقت يكون قطب جذب لشراذمهم من شتي أنحاء المعمورة‏.‏ ومن هنا وعلي هذا الأساس‏,‏ تمس أبحاث هؤلاء عصبا أساسيا من أعصاب الحركة الصهيونية‏,‏ الذي تبذل منذ نشأتها جهودا خارقة للبرهنة علي أن كل شيء في هذه البلاد له أصل يهودي يردونه إلي التوراة ويحيطونه بالروايات المأخوذة منها‏,‏ وهكذا يكاد يكون من الطبيعي إذن‏,‏ بل من المتحقق أن يعمد اليمين الأيديولوجي في الحركة الصهيونية‏,‏ الذي تقض مثل هذه الأبحاث مضاجعه‏,‏ إلي شن حرب ضروس علي هؤلاء الذين يسميهم ب ناكري التوراة وهذا الاستخدام لكلمة ناكري جاء ليجري مقارنة بينهم وبين ناكري المحرقة اليهودية في زمن النازية‏,‏ أي أنهم يعتبرونهم أسوأ من كل أعداء اليهود‏,‏ لكن هذا التهجم اللاإنساني والمجافي للحقائق التاريخية وروح العلم‏,‏ لايرده علماء الآثار العدول‏,‏ فهم ماضون في مسيرتهم‏,‏ يناقشون ويواجهون ويتحدون‏,‏ وفي الوقت نفسه يحفرون ويبحثون ويطرحون أمام العالم كشوفاتهم العلمية‏,‏ وكل أثر يكتشف‏,‏ يعمق الهوة بين الاستخدام الذرائعي للروايات التوراتية‏,‏ التي تعتمد المقولات المبسطة‏,‏ ولا تبني علي حقائق علمية‏,‏ وحقائق التاريخ‏..‏ وهذا بدوره جدير بأن يفسر لنا مقولة عالم الآثار الاسرائيلي نيلز بيتر ليمكه‏:‏ انه لايوجد أي شيء في السجل الآثاري‏,‏ يدل علي كينونة اسمها اسرائيل‏..‏
ومثل هذه الاعتبارات قمينة بأن تقودنا إلي تقصيرنا في بحث ماضينا‏,‏ والبؤس العلمي الذي يحيط بنا‏,‏ وليس من باب المبالغة أن أقول‏,‏ إنني لم أشعر بخجل وأسي‏,‏ مثل الذي شعرت به حينما أشار فرنكلشتاين إلي ذلك التقصير‏..‏ فهل يعقل أن نحول أبصارنا عن مسألة كهذه‏,‏ وهي من أهم معطيات الصراع العربي الاسرائيلي‏,‏ أفلم يكفنا ما أضعناه من فرص‏,‏ لو أحسنا استغلالها‏,‏ لوفرنا علي أنفسنا كثيرا من الخسائر التي تكبدناها في الماضي ونتكبدها في الحاضر‏,‏ ومن الممكن أن نتكبدها في المستقبل‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.