هيئة بحرية بريطانية: غرق سفينة بعد استهدافها بزورق مفخخ يوم 12 يونيو    قائمة بيراميدز في مواجهة بلدية المحلة    انتشال جثة شاب غرق بمياه نهر النيل بالعياط    الجيش الإسرائيلى: تمت المصادقة على خطط الهجوم على لبنان    أكثر من 28 ألف زائر للأهرامات و3700 للقلعة فى عيد الأضحى حتى اليوم    بطريرك السريان يزور الكردينال جان مارك رئيس أساقفة أبرشية مرسيليا    المبعوث الأمريكي إلى لبنان: وقف الحرب بغزة ينهي التصعيد بين لبنان وإسرائيل    نتنياهو: بلينكن أكد سعي أمريكا لإلغاء قيود تقديم السلاح لإسرائيل    مقتل وإصابة 23 شخصا وفقدان 20 جراء انهيارات أرضية في الإكوادور    سرب نحل يغزو ملعب ألمانيا ضد المجر قبل مباراة غد فى يورو 2024.. صور    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    كولر: أرفض "التلقيح" حول علاقتي بموديست.. وترتيب المهاجمين مُتغير    أبرز تصريحات وزير المالية بشأن تخفيف الأعباء الضريبية| إنفوجراف    إنقاذ 61 حالة من الغرق وتسليم 87 طفلا تائها إلى ذويهم برأس البر    مساعد وزير الداخلية الأسبق: الجرائم تكتمل بمجني عليه «جاهل طماع» ومتهم «ذكي محتال»    البحيرة: وصول 103 آلاف شجرة بالمرحلة الثانية ل "المبادرة الرئاسية"    «المنشاوي» يشيد بالعمل المتواصل بجامعة أسيوط من أجل بيئة أفضل    أحلام تطمئن الجمهور على حالتها الصحية قبل حفلها في الكويت (فيديو)    تفاصيل أكبر حفل جماهيري لتامر حسني في عيد الأضحى 2024 (صور)    تناولها من النهارده، أطعمة تخلصك من وزنك بعد الفتة والرقاق    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    عاجل.. إيقاف قيد الزمالك رسميا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    13 ذو الحجة.. جدول المصحف المرتل بإذاعة القرآن الكريم غدا    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    الجارديان: حل مجلس الحرب سيدفع نتنياهو لمواجهة الفشل وحده    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    البحيرة تنظم رحلات نيلية وكرنفالات وعروض فنية احتفالا بعيد الأضحى    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    بعثة الحج: إعادة 142 حاجًا تائهًا وحالة مفقودة    الاتحاد الأوروبي والصين يعقدان الحوار ال39 بشأن حقوق الإنسان والعلاقات المشتركة    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على الأرض كانت أو فى السماوات
«الأهرام المسائ» تحتفى بها فى عيدها فى حضر ة «ست الحبايب»
نشر في الأهرام المسائي يوم 21 - 03 - 2019

لعلها مناسبة للتذْكِرة فقط، للتنبيه بأن شيئًا ما يتوارى خلف تفاصيل الروتين اليومي ودوامة الحياة ولكنه موجود، فيأتي هذا اليوم حاملًاً الكثير من المشاعر الطيبة والأحاسيس الدافئة والكلمات العذبة التي تجد نفسها تتدفق تلقائيًا تحت تأثير غريزة الأمومة التي ننعم فيها وبها طوال الوقت دون أن نختلق أي فرصة لكلمة تقدير أو فرصة تكريم لم تنتظرها أي أم أبدًا، ولكنها واجبة فى حق كل أم وهبها الله ينبوعًا ربَّانيًا لا يتوقف من العطاء والمنح والحب والتضحية.
ولكنها المناسبة نفسها التي تُجدد بعض الأحزان والأشواق التي يظنها البعض هدأت بفعل الأيام ونعمة النسيان، يشفقون على أنفسهم من الذكرى التي لا يغفلونها أبدًا ولكن ربما تكون أكثر صعوبة على النفس وسط أجواء احتفالية بأمهات تمنَّوا لو ظلت أمهاتهم من بينهم.
ولأننا نُقدِّر تمامًا أحاسيس الطرفين تحتفي «الأهرام المسائي» هذا العام بمناسبة عيد الأم بشكل يمنح الطرف الأول فرصته التى ربما لم يستغلها معظمنا فى إبراز مشاعر الوِّد وتوصيل كل الرسائل والكلمات التي لا نمنحها الفرصة لإعلان نفسها فى حضرة «ست الحبايب»، وهي الفرصة نفسها التي نمنحها للفريق الثاني الذي قدَّر الله له فقدان السند الجميل الذي يُكرِمه من أجلها ولكن وهبه الصبر والسلوان فى بقاء ذكراها الطيبة والحديث عنها وامتداد سيرتها للأحفاد.
ورغمًا عنا نحتفي بعدد بسيط جدًا من الأمهات اللاتي قدمن ولا يزال عطاؤهن مستمرًا، وأمهات فارقتنا أجسادهن ولكن بقيت سيرتهن العطرة الطيبة بيننا لا تُفسدها أبدًا مشاعر الحزن على الفراق بقدر ما نغلبها نحن بوجود أرواحهن حية بيننا ولنجعل من عيد الأمهات فرصة لإرسال الكثير من كلمات الحب ومشاعر الفخر والتقدير دون غيرها، لتبقى الرسالة الأهم أن كل أم فى عيون أولادها هي الأم المثالية هي البطلة صاحبة الفضل الكبير مهما يكن مكانها الآن.
«عبير»و«سيد»
مسارجديدللحياة لتحارب «توحد» ابنها
تشعر أثناء حديثها أنها تتكلم عن شخص واحد رغم أن قصتها تجمع شخصين «هي» وابنها «سيد»، ولكن يبدو أن امتزاجهما سويًا طوال عشرين عامًا جعل منهما شخصًا واحدًًا فى جسدين، لا تجد نفسها بطلة ولكن تراه هو البطل الذي ساعدها بإرادته على اجتياز كل الاختبارات الصعبة التي مرت بها.
بدأت حديثها عنه بوصف تراه ملخصًا لكل شيء فقالت: «سيد ده شقا عمري»، لتبتسم وتستطرد قائلة: «دول عشرين سنة»، لتصمت لحظات وتبدأ سرد قصتهما مع التوحد «مكناش نعرف إنه توحد لأن الموضوع مبدأش كده».
وأوضحت أن البداية كانت طبيعية للغاية حتى أصيب أثناء التغيير على الحبل السُري بعد أسبوع من ولادته بسبب استخدام أدوات ملوثة تسببت له بارتفاع فى درجة الحرارة ثم تطور الأمر لضمور بمراكز الحركة والكلام بالمخ، اكتشفت أن ابنها يعاني شيئًا ما بسبب عدم إصداره لأي رد فعل أو استجابة لأي شيء يحدث بجانبه أو له فتوجهت به إلى طبيب مخ وأعصاب والذي شخَّص حالة الضمور وأوضح حدوث مشكلات فى الحركة والكلام وطلب منها تحديد نقطة البداية فجاء اختيارها للحركة أولاً لأنها الأهم والأولى قبل كل شيء، وبدأت رحلة علاج الحركة تفاديًا لفكرة الإصابة بالشلل واستمر العلاج 4 سنوات حتى انتهت مشكلة الحركة لتبدأ رحلة الكلام.
رحلة جديدة لا تقل صعوبة أبدًا عما سبقتها خاصة بعد أن أصبح البكاء الوسيلة الوحيدة للتعبير عن نفسه، فلا تستطيع تشخيص سبب البكاء، هو فقط يبكي لكل شيء، وهنا قررت «عبير» أن تبدأ رحلتها هي رحلة للقراءة والدراسة والتعليم لتحاول الوصول إلى تشخيص تلك الأعراض وعلاجها قائلة: «كل اللي كنت عايزاه ابني عايز إيه، إيه اللي يخليه يبطل عياط، وليه مش قادر يعبر عن أبسط احتياجاته، ليه مبيلعبش مع أطفال ولا بيلعب بلعب؟!» هذه الأسئلة وغيرها تحتاج لإجابات قررت أن تساعد نفسها وابنها بإيجاد جواب لها.
وأضافت: «أنا خريجة تربية نوعية تخصص تكنولوجيا تعليم، قررت أخد كورسات تخاطب وعملت كذا دبلومة فى اضطرابات النطق وكنت بطبق عليه أي برنامج علاجي أوصله».
ومع التحسن الطفيف الذي لاحظته على استجابة «سيد» فى الكلام والتعبير قررت «عبير» أن تبدأ رحلة جديدة مع التوحد وهو مرض غير مألوف آنذاك لا يعلم عنه الكثير ولا تتوافر بشأنه العديد من المعلومات ولم تكن مراكز التخاطب تمنحها كأم طرق أو برامج للعلاج مكتفين بدورهم مع الطفل فقط لذلك رأت «عبير» على حسب وصفها أن دورها كأم فقط غير كاف فى هذه المرحلة وأن الدخول فى عالم التوحد يجب أن يأتي من دورها كباحثة حتى تتمكن من الحصول على كل المعلومات التي تريد لتستفيد منها وتقوم بتطبيقها على ابنها، لأن دور الباحثة يمنحها حق التواجد فى مثل هذه المراكز لاستكمال أبحاثها.
لتبدأ من بعدها رحلة الدكتوراه فى التوحد لخمس سنوات قررت أن تقضيها بدلاً من اختصار الوقت حتى تكون لديها فرصة أكبر فى الحصول على كم أكبر من البرامج والخبرات التي تؤهلها للتعامل مع ابنها، لتجد ثمار تعبها فى تنمية مهاراته والكلام وطرق التواصل والتفاعل الاجتماعي لديه.
وكأنها اختصرت سنوات طويلة فى لحظات تحكي عنها وترصدها بسهولة رغم عناء كل مرحلة ولكن النتائج التي وصل إليها «سيد» جعل سنوات التعب هي مصدر فخرها وفرحتها بما وصلا إليه سويًا.
لتصمت لحظات ثم تستكمل حديثها بحماس لافت قائلة: «هو حرفيًا بقى كل حياتي، كنت 24 ساعة معاه فى المدرسة والتمارين ومع فريق الكورال، طول اليوم عندنا حاجات بنعملها بره البيت»، لتنتقل إلى جدوله المزدحم الآن بعدة أنشطة موضحة إياها أنه بخلاف تمارين السباحة وكونه بطلاً للجمهورية فيها أكثر من مرة، فإنه الآن طالب فى المعهد العالي للسينما قسم الرسوم المتحركة وقام بإخراج قصة بالرسوم المتحركة تحت عنوان «جسمك ملكك» لتوعية ذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد ضد التحرش الجنسي،
وهو الفيلم الذي شارك فى المهرجان السينمائي الدولي الأول لفنون ذوي القدرات الخاصة وكان ممثلاً لمصر وحصل على ميدالية فضية وشهادة تقديركما قام بإحياء عدة حفلات بملتقى أولادنا وفي العديد من الاحتفالات الرسمية كمشاركته فى كورال أوركسترا وزارة الشباب والرياضة فى حفل قادرون باختلاف بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة.
دعوة «تبارك»..من قلبها ل«باب السما»
«تبارك كانت أغلب خلق الله»، «كانت تتحط على الجرح يطيب»، «كانت بشوشة حتى فى عز مرضها والدعوة منها لباب السما».. هذه العبارات لم تكن مجرد مدح ساقه بعض المحيطين بها ومن بينهم أولادها بحكم صلة القرابة أو الجيرة أو من باب ذِكر محاسن الموتى ولكنها سيرة طيبة امتدت وبقيت ليس فقط بعد رحيلها ولكن لسنوات طويلة لازمت فيها الفراش.
ورغم بعض التفاصيل المؤلمة التي روتها «هدى» إحدى بناتها عنها بخصوص سنوات مرضها فإن ابتسامتها الراضية التي لم تفارقها حتى الرحيل وفترات إفاقتها ومشاركتها فى حديث من حولها بين الحين والآخر كانت التعويض الوحيد المنتظر عن أوقات الألم.
ولأن أولادها الثمانية كانوا يعلمون جيدًا كيف كانت «تبارك» قبل المرض وملازمة الفراش، يتذكرون الأم التي تسهر على راحة 4 فتيات و4 أولاد ووالدهم فى شقة صغيرة يقتسمون غرفتيها، يعلمون أن سنوات المرض قد سبقها عُمر من التعب والمعاناة والألم الذي ربما يفوق ألم مرض ألزمها الفراش لذا لم يكن احتمال سنوات المرض من فراغ بل مجرد تسديد لجزء بسيط من ديون متراكمة متعلقة فى عنق كل منهم.
وبابتسامة راضية التقطت «هالة» أطراف الحديث من شقيقتها قائلة: «فراقها كان صعبا لكن أكيد كان فيه راحة ليها، أنا عايشة ببركة دعواتها لحد دلوقتي، وفاكرة دموعها وضحكتها لما كانت تقولي ربنا يعوضك خير فى ولادك».
وتقول: إن قضاء عيد الأم فى حضرتها ومعها كان يكفيها فلم تكن تنتظر شيئًا أبدًا وبعد رحيلها أصبحت مناسبة تثير الشجن بداخلها بعض الشيء ولكنها تتذكر كلماتها دائمًا خاصة إحدى العبارات التي كانت تكررها دائمًا على أولادها وأي ضيف أو زائر يأتي لبيتها، فلا تنسى فرحة عينيها التي تشبه الأطفال وهي تقول: «اسمي تبارك ربنا قايل اسمي فى القرآن».
«فاطمة» و«هالة»
اختصارمعنى الوطن فى حضن ماما
الغربة أصدق اختبار للمشاعر، وأصعب امتحان لها خاصة لو كانت سببًا فى الابتعاد عن الجذور والأصول، حين تجد نفسك وحيدًا بعيدًا عن كل الوجوه المعتادة التي تألفها وكل الأماكن التي تتنقل بينها حتى لو أصبح لديك رفيق جديد تحبه وتألف الحياة معه.
كان هذا هو حال «هالة» التي وجدت نفسها فجأة بحكم الظروف ومشيئة القدر تستعد للسفر بعد الزواج لارتباط زوجها بالعمل فى إحدى الدول العربية لتجد نفسها بين يوم وليلة مع شريك العمر ولكن فى الغربة بعيدًا عن ونس الأهل والأماكن والأصدقاء والأهم من كل ذلك «حضن ماما»،
هذا الاختبار الذي بدأته دون أي استعداد، فهي لم تختبر معنى الابتعاد عنها من قبل ليتحول وطنها فى لحظة إلى مجرد ذراعين ويتجلى معنى الانتماء إليه فى ارتواء الروح بينهما. بدأت حديثها بتأثر شديد خاصة أن مناسبة كعيد الأم باتت تحمل معنى مختلفًا بالنسبة لها بسبب عدم وجودها فى المكان المعتاد رغم إصرارها وزوجها على التمسك بإرسال الهدايا وإجراء حديث مطوَّل معها، لتصمت لحظات ثم تستكمل حديثها بصورة أشبه بالبكاء: «بس رغم كل ده بيبقى ناقصني أشوفها، بحس بالغيرة من كل اللي حواليها فى اليوم ده لأنهم قادرين يعبروا عن حبهم واهتمامهم، قادرين يشاركوها كل التفاصيل الحلوة والسعيدة اللي فى يوم زي ده، بيبقى عندي إحساس إن أنا اللي محتاجه أعبر عن الحب اللي جوايا ناحيتها، أنا اللي محتاجة أقولها بحبك وإن فى حاجة كبيرة نقصاني».
وتحدثت عن وسائل الاتصال والتواصل الحديثة التي قد يجد فيها البعض عزاءً وتعويضًا وتخفيفًا لوجع الفراق فتقول: «مفيش أي وسائل اتصال حديثة ولا نت ولا فيديو كول ولا أي حاجة تقدر تعوضني عن مشاعر وجودي جنبها خصوصًا فى يوم زي ده، ولا تقدر تحسسني بمشاعرها وإحساسها اللي كنت بحسه لما بقدم لها هدية وأشوف عينيها فرحانة وأنا بديهالها، وكتير بحاول تأجيل الزيارة لمصر للوقت ده لكن أوقات كتير مبينفعش، ولو ده حصل بلاقيها هي أكرم مني وبتفاجئني بمشاعرها وهباتها وقدام هديتي ألاقيها جيبالي هدايا أنا وبنتي عشان تعوضنا عن الوقت اللي مكناش فيه جنبها».
وترى أنه لو كانت هي وأخواتها ينتظرن عيد الأم للتعبير عن مشاعرهن تجاه والدتهم فإن «فاطمة» أو «بطة» -كما تسميها وتحب أن تناديها- تنتظر أي يوم لتعبر هي عن اهتمامها وكرمها وعطائها وحبها لأولادهم وكأنه عيدهم، مؤكدة أن هذا هو عهدها بوالدتها لسنوات طويلة فى كل المناسبات وليس فقط عيد الأم. وتطرقت «هالة» للحديث عن تفاصيل سنة أولى زواج التي تعلم كل فتاة مدى صعوبتها واحتياجها لوجود أمها بجوارها فى الكثير من الأوقات العصيبة التي تمر بأي زوجة جديدة،
لتتذكر اللحظة التي اكتشفت فيها حملها وأول عيد أم مضى عليها بعد وصول ابنتها «سلمى»، وابتسمت قائلة: «أول عيد أم وأنا أم زعلت إن جوزي مجابليش هدية، لكن مبقاش ينسى بعد كده وتاني سنة جابلي ورد». وتحدثت عن مشاعر الخجل التي تصيب معظمنا بالحرج وتمنعنا من التعبير عن أي مشاعر تجاه أمهاتنا على وجه التحديد قائلة: «بنتكسف نقول كلام حلو مع إن جوانا كتير»، مشيرة إلى أنها كانت كذلك ولكن الغربة والسفر والبُعد عن والدتها جعلها تنطق بكل ما تحمله داخلها دون ترتيب قائلة: «الموقف اللي ببقى فيه بيخليني أقول الكلام لوحدي ومشاعري بتخليني أعبر عن كل حاجة مع إني عارفة بتبقى متضايقة إزاى وهي مش جنبي خصوصا لو أنا فى حالة صعبة»،
لتعود الابتسامة لملامح وجهها من جديد قائلة: «أنا بقيت أقولها كلام عمري ما قولتهولها قبل كده خالص». ولأن كل ابن يجد فى أمه السيدة المثالية التي تستحق كل شيء فإن «هالة» ترى فى تحمل والدتها للكثير من الظروف الصعبة وإعلاء حاجة أولادها ومصلحتهم فوق حاجتها وتضحيتها فى سبيل ضمان حياة مستقرة هي أهم الصور والذكريات التي لم ولن تنساها لوالدتها، لتنهي حديثها قائلة: «لمست قيمة كل حاجة عملتها وقدمتها لينا لما اتجوزت وعرفت تمن حاجات كتير عملتها لما بقيت أم»، سألتها قبل الختام «كل بنت تصبح صورة طبق الأصل من والدتها بعد زواجها فهل باتت كذلك؟»، أجابت وابتسامة عينيها تسبق ابتسامة الشفاه قائلة: يا رب أكون زيها فى صبرها ومشاعرها وحبها وتضحياتها ، ياريت أقدر أبقى نسخة منها».
.. و«هانم» تتحمل اختبارات «شقاء» الدنيا فى سبيل «نعيم» الآخرة
لم يكن لها من اسمها نصيب بحكم الظروف الصعبة التي وجدت نفسها فجأة مضطرة لتقبلها والتعامل وفقًا لها، ليس فقط ظروف تربية 8 أبناء ورعايتهم وتدبير كل متطلباتهم لأنها كانت تجد فى أولادها وبناتها الملاذ الآمن لها، ولكن ربما كانت صدمة الزواج الثاني لزوجها هي أولى الصدمات التي جعلتها تدرك أن نصيبها من اسمها القليل؛ حيث أصبحت مسئولة بشكل كبير عن 8 أبناء فى مراحل عُمرية مختلفة لكل منهم احتياجاته.
ورغم أنها لم تكن بالقوة الكافية لتحمل هذا الوضع الجديد كأي امرأة تقع فى نفس الاختبار إلا أنها حافظت على مكان الزوج ومكانته حرصًا على أولادها وتناست أنها امرأة حتى تمكنت من رؤية 4 رجال و4 بنات فى الصورة التي تمنت أن يصبحوا عليها قبل أن يبدأ كل منهم حياته الجديدة.حتى حان موعد الصدمة الثانية وهي وفاة الزوج فلم تقبل أن تُفرق بين أولادها وإخوتهم من أبيهم ولم تفكر أبدًا أنه حان وقت الفصل بينهما طالما غاب الأب بل زرعت فى كل ابن أن هؤلاء أيضًا إخوتهم وأن زوجة أبيهم هي أم ثانية لهم ولها عليهم حق صلة الرحم بل وكانت حريصة أن يحضر أبناء زوجها للمبيت مع أشقائهم والتواجد معهم ومشاركتهم طفولتهم حتى لا يشعر أي منهم بأن هناك أي فارق بينهم.
يعلم كل أولادها كما هو حال أي ابن تجاه أمه أن ما من أحد منهم استطاع أن يُقدَّم شيئًا يُذكر فى مقابل كل ما دفعته هذه السيدة التي رأت فى المعاناة والشقاء سبيلاً ليصل كل فرد منهم إلى بر الأمان، لتختار دائمًا ترجيح كفتهم على نفسها فتفعل من أجلهم كل ما لم تفعله من أجلها.لم تكن «هانم» مجرد «ست شقيانة» تتحاكي بما قدمته بل كانت قليلة الحديث عن سنوات الألم والتحمل، لا تشكو حالها أبدًا مكتفية فى يومها بأداء كل الفروض والعبادات التي لا تغفل عنها فتؤدي الصلوات الخمس فى مواقيتها بمجرد الاستماع إلى صوت الأذان، لتمد الصلاة بالدعاء الذي لا تمله أبدًا، كما ظلت متمسكة بعادة الاستماع إلى خطبة كل جمعة وحديث الشعراوي،
ورفضت تمامًا دعوات إفطار رمضان بحكم السن وأصرت على موقفها حتى رحيلها، لتُنهي حياتها فى معيِّة الله مُحاطة ببعض كلمات الحب والتقدير والمداعبة من آن لآخر والتي تخرج من أحفادها الذين أقامت بينهم طامحة وطامعة فى التعويض الإلهي الكبير فى استبدال شقاء الدنيا بنعيم الآخرة حتى رحلت لسلام الله وأمانه.
شبح الحموات اختفى.. وحلم ب «مقابلة خاطفة»
وكأنها باتت من الموروثات التي لا تتغير حتى أصبحت عادة متعارف عليها بين الأجيال المختلفة، هي علاقة الزوجات بأمهات أزواجهن التي يراها معظمنا علاقة معقدة وصعبة إلا نادرًا لدرجة أصابت عددًا لا يُستهان به من الفتيات بالخوف من الزواج خوفًا من شبح الحموات.
كانت «رشا» واحدة من هؤلاء، تخشى الزواج بل وتتجنبه تمامًا لتتفادى لقاء واحدة من الحموات اللاتي تُربِكن حياة أي فتاة واعتقدت أن الارتباط برجل يتيم الأم أفضل من أن تدخل معها فى حرب كما يتصورها بعض الفتيات.
تزوجت ولكن اكتشفت أن ما تمنته لا يمت بصلة للسيدة «سعاد» صاحبة الوجه الملائكي الذي يفرض نفسه بقوة على مجموعة من الصور تظهر فيها ابتسامتها الهادئة السمِحَة، لتنقلب أمنيتها إلى حلم ب«لقاء» لم يكتبه الله فى الدنيا.
قالت: إن حديث زوجها وشقيقته كان السبب الرئيسي فى تلك الأمنية، مؤكدة أن معاملتهم لها جعلها تتمنى لو قابلت صاحبة الفضل فيما رأت عليه حال أولادها، تمنت لو قضت معها وقتًا بعد زواجها من ابنها بل تمنت لو قابلت أحفادها، مؤكدة أن وجودها معهم كان كفيلاً بإحداث الكثير من التغييرات الإيجابية فى أولادها.
ترى فيها أيقونة السعادة التي كانت تتولى مسئولية تلبية كل الاحتياجات لأولادها مهما تكن الظروف، فمتطلبات الحياة الخاصة بها تعتبرها رفاهية ولكن لأولادها هي ضرورية وفى غاية الأهمية فلا تترك أمنية أو طلبًا دون تحقيقه.
كانت ربة منزل بمعني الكلمة تعمل كل شيء بأيديها، تقوم بالأعمال المنزلية من الألف إلى الياء ولا تعتمد على المساعدات الخارجية لذلك كانت هي عمود البيت الذي يستند عليه المنزل بأكمله وسقط بوفاتها.
وعلى سبيل التعويض ورغبة فى تثبيت الجذور لديهم لا تترك «رشا» ليلة واحدة تمر دون أن تقرأ وأولادها الفاتحة لها ولوالدها المتوفى والدعاء لهما، مؤكدة أن أولادها اعتادوا ذلك لدرجة لم يعد أحدهما ينسى تلك العادة المسائية بخلاف الحكايات التي اعتادت هي على روايتها لهم عنها حتى عندما كانوا بسن أصغر ولا يستوعبان كل القصص كانت حريصة على دوام الحكايات حتى يألفوها على حد قولها.
ولأن «رشا» فى النهاية زوجة ابن السيدة سعاد طلبت من ابنتها أن تتحدث هي الأخرى عن والدتها لأنها الأوفر حظًا بالحياة معها والأكثر قدرة على الحديث عنها، وقد استجابت لطلبها وبدأت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوصى فيه بالأم ثلاثًا وبالأب مرة، وقالت: «أمي لم تكن امرأة عاملة خارج المنزل ولكنها كانت كادحة داخله، كانت تستحق نوبل فى الاقتصاد والتدبير لأن دخلنا لم يكن كبيرًا ورغم ذلك لا أتذكر يومًا اشتهينا فيه شيئًا إلا وجدناه، عشنا إلى أن رحلت فى رفاهية وسعادة فقط لأنها كانت بارعة فى إيجاد حلول لكل شيء، كانت أمي طيبة الأصل وعلى قدر كبير من التعليم والثقافة والتدين تعلمنا أن الدين ليس فقط فى العبادات بل أيضًا فى المعاملات».
لتنهي حديثها بتأثر شديد قائلة: «رحلت قبل أن يرسم الزمن علي وجهها علاماته لذلك تبقى ابتسامتها الجميلة حاضرة لا تستطيع الأيام محوها، ويكفى أن توفاها الله بعد قضاء مناسك العمرة فى رمضان تاركة أثرها الطيب فى أولادها، فكل خير هو من أمي وإن كنت أفعل الخير فهو لأمي».
تيتا رجاء.. شمس لا تغيب
يحفظها القلب قبل الذاكرة، وتتحدى سيرتها كل عوامل الزمن والنسيان ومرور الوقت، روحها حاضرة فى كل مكان ليس فقط بمنزلها ولكن أيضًا فى كل منزل من منازل أولادها، السيدة «رجاء» التي كان لها من اسمها نصيب فكانت وظلت رجاءً لكل من حولها.
لذلك لم يكن غريبًا أن تترسخ فى أذهان أحفادها حتى من كان منهم فى سن صغيرة وقت رحيلها، فهي تحيط بهم من كل جانب كما أن «لمة العيلة» لا تخلو أبدًا من سيرتها ولأنها استطاعت تثبيت الجذور مع زوجها خرجت الفروع والثمرات قوية لا تتأثر برياح تغير العادات أو تباين الأجيال واختلاف قناعاتهم أو حتى فروق التوقيت والأنظمة الحياتية التي قد يصعب معها ترتيب موعد للقاء، ليبقى تجمع العائلة أمرًا مقدسًا لا يجوز المساس به لأنه التقليد الذي أقرته «رجاء» لحفظ العائلة.
لذلك لم يكن الحديث يخص فردًا واحدًا بل عائلة كبيرة يتمنى كل شخص فيها أن يتحدث قليلاً عنها حتى لو استدعى الحديث جزءًا من آلام الفراق ولكن فى الوقت نفسه سيغلبه إحساس الراحة والأمان بمجرد الرجوع بالذاكرة إلى الوراء والحديث عن ذكرى واحدة جمعتهم بها.
ورغم أن صدمة وفاتها كانت كالصاعقة التي شطرت كل منهم إلى نصفين إلا أن ما تركته فيهم وبينهم جعل سيرتها بمثابة حضور كامل لها إلى جانب وجود الزوج والأب الذي حمى وصية زوجته وسيرتها وبقاءها الدائم بينهم، سيرة تُلهمهم الصبر والسلوان وشيء من الأمان، بخلاف وجود «رجاء» جديدة بينهم، حفيدة تحمل نفس الاسم، فيردده الجميع حبًا ودلالًا ل «رجاء» الصغيرة وتقديرًا وفخرًا ب«رجاء» الجدة.
ولم يعد الأمر مقتصرًا على الصور التي تحمل ملامحها وتمتلئ بها جدران البيت ولا تقاليدها التي حملها ورثتها بأمانة لتبقى حية بينهم، ولكن فى مكان محفور داخل قلب كل منهم تحتله «رجاء» لتبقى شمسًا لا تغيب أبدًا ليس فقط فى كل بيت ولكن فى عدة صور منها سواء أولادها وبناتها أو أحفادها أو حتى زوجها تنتمي كلها لنفس الأصل.
«ماجدة» و«كيفن»
كانت له «الأب» و«الإخوة» و«الأصدقاء»
لا أدري لماذا استقر صوت الجميلة شادية وكلمات أغنيتها «سيد الحبايب يا ضنايا انت» بلحنها المميز طوال حديثي مع السيدة «ماجدة» أو بالأحرى طوال حديثها هي عن ابنها «كيفن»، وجدت كلمات الأغنية وأوصافها بين كل عبارة تقولها فى وصف علاقتها بابنها «كل أملها ومُناها فى الدنيا».
ورغم أن علاقة كل أم بابنها أو ابنتها تحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس المتشابهة فى درجة العطاء والحب والتضحية فإن علاقة «كيفن» بوالدته شديدة الخصوصية، خاصة أنها أصبحت كل ما له فى الدنيا بعد وفاة والده وأصبح هو كل ما لديها بعد فقدان شريك العمر وكونه ابنها الوحيد.
طفل لايزال يتحسس خُطاه فى أول سنة دراسية يدخل فيها إلى عالم جديد يتسع لمزيد من الأشخاص مع والده ووالدته يجد نفسه فجأة فى مواجهة الحقيقة المُرَّة بالنسبة له ومشيئة القدر بالنسبة لكل من حوله، فقد أبيه الذي يعتبره أقرب أصدقائه وأهمهم، ولكن الصدمة بالنسبة للسيدة ماجدة لم تكن فقط فى فقدان السند بل كانت فى الرعب الذي تملكها منذ اللحظة الأولى على ابنها المتعلق بشدة بوالده وعلى مستقبل لا يزال يبدأ سنواته الأولى، ابن جاء بعد انتظارها وزوجها 8 سنوات فعلا فيهما كل شيء فى سبيل وجود «كيفن» فى حياتهما. ابن انتظره الوالدان بفارغ الصبر وكانا على يقين بوصوله فى وقت ما لا يعلمه أحد رغم عدم وجود سبب واضح لتأخر وصوله، سنوات صمت أذنيها عن حديث القريب قبل الغريب ليقينها التام بأن شيئًا ما سيحدث.
بابتسامة عريضة واثقة قالت: «والحمد لله ربنا بعتلي كيفن»، ولكن شاء القدر ألا تَدُم سنوات جمع الأسرة وسعادتها بالضيف الجديد الذي انضم إليها طويلاً وجاء خبر الصدمة للأم التي لم تجد مفرًا من محاولة امتصاص الحزن والاحتفاظ به داخل روحها لتأخذ على عاتقها استكمال مسيرة الأب ورحلة الأسرة وكانت أولى خطوات الرحلة مصارحة الابن بوفاة والده منذ اللحظة التي سأل فيها عنه رغم تعلقه الشديد به.
كانت تتركه يروي الحكايات عنه مؤكدة عدم استيعابها لتذكُّر «كيفن» للكثير من التفاصيل الخاصة بوالده رغم صغر سنه وقت رحيله، واستكملت حديثها قائلة: «كان كل شوية يجيب سيرته ويحكي وكنت بسيبه يحكي ويتكلم براحته وأشاركه الكلام والذكريات وحاولت أخلي كل حاجة فى عاداتنا وحياتنا زي ما هي عشان حبيت كل حاجة تمشي زي ما كان باباه موجود بالظبط».
ترى «ماجدة» أن الأزمة الكبيرة كانت فى تحقيق المعادلة الصعبة بين أن تكون أمًا حنونة وفى الوقت نفسه حازمة وصارمة فى بعض الأمور، الوضع الذي كان يتكرر كثيرًا فى العديد من القرارات التي كان يلزم فيها اتخاذ رأي نهائي وواضح، وتقول: «كنت باخد رأيه دايمًا وفجأة ملقتش جنبي اللي يفهمني عشان نقرر سوا خصوصًا إنه كان بينصحني كتير أوي».
وفى محاولة للتغلب على الأشجان التي استحضرها الحديث عن فقدان الأب تطرقنا للحديث عن عيد الأم وما يقوم به «كيفن» من أجل الاحتفال بتلك المناسبة، تقول: إن والده كان يصطحبه دائمًا لإحضار هدايا لي ولو كانت رمزيةً، الأمر الذي لم يغفله «كيفن» وأخذه عن والده وبات متمسكًا بعادة شراء أي هدية والأهم من ذلك كتابة «جواب» مؤكدة أنه لا يتنازل أبدًا عن الاحتفال بها، وقد استعرضنا سويًا مجموعة من خطاباته التي تحتفظ بها وتحفظها بالتصوير توثيقًا لأصدق المشاعر والكلمات التي تخرج من قلبه على أوراقه.
وتتذكر حديثه معها فى إحدى المرات وسؤاله عن إمكان زواجها، الأمر الذي أصابها بالصدمة والذهول مؤكدة أنه كان يسأل ويطلب إجابة مرارًا وتكرارًا «طالما ينفع» على حد وصفه، مشيرة إلى أن الصدمة الوحيدة لم تكن بسؤاله ولكن أيضًا بتناوله للفكرة؛ حيث قال لها: «إحنا نشوف حد كويس زي بابا»، و«عشان يبقى فى حد معانا لو أنا تعبت أو حصل حاجة» لتنتهي محاولاته وتساؤلاته بعبارة حاسمة قالتها له «إحنا ربنا معانا مش لوحدنا»، وترى أن سؤاله كان منطقيًا ونابعًا منه وليس من غيره لأنه وجد أن بعد وفاة والده كان هناك الكثير من الأقارب والأصدقاء حولنا وبمرور الوقت لم يعد هناك غيرنا.
«ماجدة» التي أصبحت لابنها صاحب العشرة أعوام الأم والأب والصديق والأخت أدركت أنه لم يكن عليها اجتياز اختبار فقدان السند فقط بل كان عليها أن تصبح هذا السند نفسه لنفسها وابنها، وبدوره يسعى «كيفن» ليكون كل شيء فى حياة والدته.
«وفاء» و«الست بنات»
جمعت الأم والأب فى جسد واحد.. وسر طاقتها فى كلمتين: «الصبر مفتاح الحياة»
«على قدر طاقة الإنسان يكون حِمله» هذه هي القاعدة الحياتية التي آمنت بها طوال حياتها وعلمتها لبناتها، تلك القاعدة التي جعلتها تتحمل عناء ومشقة حمل وتربية 6 بنات كانت ترى فى كل منهن نسخة جديدة منها فتبدأ معها الرحلة من جديد دون كلل أو تعب، لم ينفد صبرها يومًا لأنها تدرك تمامًا أن الله يعطي كل إنسان على قدر قوة تحمله، وقد منحها الله ذلك القدر الذي تحملت به حِملها الثقيل، فلم تطلب يومًا شيئًا لنفسها بل كان مكانها دائمًا فى ذيل القائمة وربما لا تضع لنفسها مكانًا على الإطلاق.
لم تتحدث عنها واحدة ولكن 6 بنات كن ثمرة حياتها وإنجازها الكبير فى الحياة كما ترى فيهن خاصة بعد وفاة والدهم وفقدانها لسندها فى الحياة، لتُذكِّر نفسها بقاعدتها الحياتية المعهودة فتقرر أن ترفع حملها وحدها لتبث القوة فى بناتها وتمنحهم الأب والأم فى جسد واحد.
تحدثت عنها «رشا» إحدى بناتها قائلة: «أمي دي أحلى حاجة فى الدنيا، مكنتش اعرف بتعمل إيه عشان تستحملنا كلنا ومكنتش بشغل بالي ومعرفتش قيمة اللي عملته وبتعمله غير لما بقيت أم»، وتواصل حديثها عن الدور الخارق الذي قامت به والدتها لسنوات طويلة قائلة: «إذا كان أنا عندي اتنين ومش عارفة اتصرف معاهم أومال هي كانت بتربينا إزاي»، مشيرة إلى التغيرات التي يمر بها الطفل الواحد فى مراحل عمرية مختلفة، لتصمت لحظات ثم تستكمل حديثها والدهشة والإعجاب يشعان من عينيها قائلة: «معرفش استحملت تقلبات 6 بنات وكمان زوج إزاي دي جبل غير اللي زادوا بعد كده» موضحة أنها كانت تشعر أحيانًا أن من تزوجت منهن أصبحت عبئًا أكبر عليها لأنها باتت أكثر حاجة لها.
وتحدثت عن وفاة والدها «أكتر حاجة قطمت ضهر أمها» على حد وصفها مشيرة إلى أنها تداركت الموقف بشكل غريب وكأنها حبست الحزن بداخلها واستبدلته بالصبر والقوة حتى تتماسك من جديد وتتمكن من استكمال مسيرة شريك عمرها سواء «مع اللي تجوزوا أو اللي لسه معاها»، وترى أنها فى كثير من المواقف تتحول إلى نسخة منها حتى فى بعض الأمور التي كانت تنتقدها فيها قبل أن تصبح أمًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.