بعيدا عن جو المظاهرات والاعتصامات والمطالب الفئوية يعيش سكان منطقة الإمام الشافعي عيشة كما يردد الكثيرون تصعب علي الكافر, ورغم هذا فانهم أوجدوا علاقة حميمة مع هذا البؤس وعاشوا في هدوء ينتظرون الفرج الذي طال انتظارهم له هو جانب وصفحة من صفحات الحياة الأخري في مصر والحياة الأخري تعني هذا الهامش البعيد تماما عن الضوء والذي يعاني معاناة أقل ما توصف به أنها لا تصدق انتقلت الأهرام المسائي لترصد هذا الواقع المرير وتلتقي هؤلاء الذين يعيشون خارج نطاق الحياة, وفي الإطار تساؤلات عدة منها كيف استطاع هؤلاء أن يتواءموا مع هذا اللا وجود وكيف استمروا في العيش في هذا الكم الكبير من الإهمال الذين يعانون منه. لفت انتباهنا واحدة من الأهالي تجاوزت ال70 عاما تركن بأحد الأسوار بجوار المقابر بكلمات تدمي القلب تحدثت جواهر عثمان فقالت جئنا من سوهاج منذ أكثر من40 عاما وتزوجت وأنجبت4 أولاد عشنا علي الحلوة والمرة يوم فيه قرش ويوم مافيش ويوم دفن الميت هو يوم الفرج بنشوف الأكل, وتابعت زوجي توفي منذ20 سنة وأخذ بواقي الحلو معه والآن عايشين علي الذي يجود به الزمان كل زيارة أو قراءة علي ميت وتضيف لا أعرف شيئا عن السنة أو الشهر أو التاريخ في انتظار شهر رمضان بفارغ الصبر من أجل الزكاة والصدقات. الصورة تكررت في عدة مواقف وجواهر مثلها مثل الكثير في مقابر الإمام الشافعي نادية إبراهيم تحكي مأساتها قائلة عشنا عمرنا كله في الإمام شفنا الهوانم والبهوات مع كل دفنة كبير وعزيز وليس لدينا مكان آخر نذهب اليه, لكن معاشرة الموتي جعلتنا نشعر كأننا أموات في كل ثانية, ومع ذلك أكثر حاجة بنخاف منها الموت لأن المدفون هنا معه ثمن الأرض والتربة ولهم بيوت أخري لكننا لا نمتلك غير أن نشاركهم تربتهم ولا أعتقد انهم يسمحون لنا بمشاركتهم بعد الموت. الحياة داخل المقابر يصعب وصفها مجرد غرف صغيرة مشتركة لجميع أفراد الأسرة التي قد يصل عددهم إلي6 أو7 أفراد والحمام واحد لكل6 غرف تقريبا, أما عن مكوناتها فهي سرير واحد وربما كنبة مهترئة وسخان بدائي ووعاء متهالك أو غسالة قديمة بهت لونها وتكسرت أجزاؤها ووسائل المواصلات عربات الكارو والحمير هذا ما أكدته سعيدة إبراهيم حيث تقول إن زوجها متوفي ولديها4 أولاد وليس لديها أي مصدر للعيش منه موضحة ان الثورة التي قامت من أجل تحقيق العدل الإجتماعي لم تصل إليهم حتي الآن لكنهم سئموا من كثرة الشكوي دون جدوي وتقول خيرية ابراهيم إحدي ساكنات المقابر إنها تعاني من السكر وانفصال في الشبكية وزوجها رجل مسن لا يعمل ولديه3 أولاد موضحة انها لا تملك أجرة الطبيب لمتابعة حالتها الصحية, وتابعت أنها تعيش علي الصدقات من اقارب الميت ولا تتذوق طعم الفراخ أو اللحمة لكنهم يتناولون الأكل العادي مثل الفول والطعمية. وتقول كاملة كامل إن لديها6 أولاد من بينهم ابن معاق يحتاج الي نفقات علاج باهظة لكنها لا تستطيع تحمل هذه التكاليف خاصة وأن زوجها متوفي وليس لديها أي مصدر للرزق وتطالب بتوفير غرفتين لها ولأولادها بعيدا عن حياة المقابر نظرا لظروفها الصحية. محمد زكريا قدم إلي القاهرة في منتصف الثلاثينيات واستقر به الحال في ترب الإمام الشافعي حيث يقول إنه يعمل حارسا لأحواش كثيرة ثم تعلم مهنة الدفن لكي تكون مصدر رزقه هو وأولاده, ويوضح ان أهالي المقابر ليسوا في دائرة اهتمام دائرة الحكومة حيث يعيشون في قلق علي أولادهم ونسائهم بسبب انتشار البلطجية ومدمني المخدرات بالمقابر ولا يوجد من يحميهم من هؤلاء المجرمين. ويقول فتوح فراج جوهر أحد الأهالي إنه سئم من العيش في الأحواش فضلا عن ظروفهم المادية موضحا انه يعمل يوما ويمكث20 يوما في المنزل ولا يستطيع ان ينفق علي أولاده بسبب ضيق الأحوال, ويضيف قائلا إحنا مش بلطجية لكن عايزين حقنا تعبنا وصبرنا كثير ومافيش حد بيسأل عنا حتي الثورة التي حدثت لم نعرف عنها شيئا ولم تحقق لنا أي هدف من أهدافها. وفي أحد الأحواش شاهدنا كريمة حسين جمعة أحدي ساكنات المقابر تجلس في حوش صغير اقتربنا منها وسألناها عن حياتها في هذا المكان فقالت لم أجد مأوي سوي هذا المكان ونعيش علي الصدقات حتي المسئولون لا نراهم إلا في وقت الانتخابات لكن بيأتي أناس آخرون من أصل الخير والجمعيات الخيرية هم الذين يعطفون علينا. وخلال جولتنا قابلنا سيد زكي ميكانيكي ويحكي قصته قائلا أعيش هنا منذ20 سنة واضطررت إلي السكن هنا بعد أن فشلت في الحصول علي شقة حيث قمت بتقديم أوراقي أكثر من مرة والمسئولون دائما يطمئنوننا بالوعود الزائفة, وتمني اليوم الذي يترك فيه هذا المكان والانتقال إلي شقة حتي لو كانت مكونة من غرفة واحدة نظرا لفقد ان الأمان. وتؤيده في الرأي مني عبده حيث تقول إنها لديها4 بنات وتضطر إلي النوم من الساعة الثامنة بسبب إنتشار البلطجية وخوفها علي بناتها, وأردفت قائلة تصدقوا أن الحياة هنا مريحة فالبنت لا تستطيع الخروج من الحوش بمفردها ولذلك عندما تصل البنت إلي ال18 سنة أقوم بتزويجها خوفا عليها, وتضيف ان المستوي الذي يعيشون فيه لا يؤهلهم لتعليم أولادهم نظرا لأنه يتطلب نفقات باهظة لا يتحملونها. وفي لقائنا مع فرج عبدالعزيز أحد سكان المقابر أكد ان المياه الجوفية الناتجة من تسرب مياه عين الصيرة إليهم قد تفاقمت للدرجة التي وصلت بها إلي المقابر وجعلت عظام الموتي تعوم علي السطح, ويخشي ان يسقط أطفاله في هذه الحفر التي امتلأت بالماء, ويتعجب فرج أشد العجب ويقول أنهم ارتضوا بالعيش في سابقة لم تحدث في العالم مع الأموات, موضحا ان الدولة تعلم بهذا ورغم صبرهم علي هذه المأساة أضيفت لهم مأساة أخري هي ما يعانون الآن.