وبالرغم من معاناتهم المستمرة وفقرهم الشديد فإن كل أحلامهم تتلخص في ترميم مساكنهم وتطوير شوارعهم, وأن تنظر اليهم الحكومة بعين الرحمة مثل غيرهم. لينفضوا عن أكتافهم غبار فساد النظام السابق الذي دفعهم للعيش بهذه الطريقة. ولكي يتخلص النظام السابق من صداع العشوائيات, قام ببناء عدد من المساكن غير الصالحة للسكن في مدينة6 أكتوبر والواحات ومدينة السلام دون رقابة عليها. ما أن وطئت اقدامنا منطقة الدويقة, حتي رأينا اثارا لمساكن تمت إزالتها وقام أصحابها بالبناء عليها مرة أخري فحاولنا العبور فوق الأحجار الملقاة في الشوارع الخاوية, وأثناء سيرنا وجدنا انفسنا امام غرفة خرجت منها فتاة لا يتعدي عمرها العشر سنوات اصطحبتني إلي الداخل لتتعثر قدماي في اجساد اشقائها الاربعة ومن يشاركونهم بالغرفة. الام صاحبة الغرفة والتي تدعي سيدة عباس عكاشة كل حلمها في الحياة ان تتمكن من شراء حجرة علي الارض تعيش فيها وحدها هي واسرتها بعيدة عن تلال الدويقة, ولكنها تري ان حلمها بعيد المنال, حيث انها مطلقة وتعاني من شلل الأطفال يجعلها قعيدة في المنزل لتكتفي بتبرعات اهل الخير لدفع ايجار الغرفة, وتوفير نفقات القليل من الطعام الذي تتناوله هي وابناؤها الخمسة, فلم تفكر سيدة في إلحاق ابنائها بالتعليم, بل قامت بدفع احدهم للعمل في احدي الورش رغم صغر سنه وتقول انها تقيم بالغرفة منذ15 سنة مقابل60 جنيها شهريا رغم انها تشاركها فيها اسرة اخري مكونة من سبعة افراد وآيلة للسقوط ومليئة بالشروخ وسقفها من الاخشاب والصفيح, وفي فصل الشتاء عند سقوط الأمطار تمتلئ الغرفة بالماء ويضطرون لاستخدام الاواني لطرد المياه خارجها حتي يستطيعوا النوم ولو وسط الطين بالاضافة إلي انه ينتابهم الرعب نظرا لارتفاع ضغط الهواء فوق الجبل والمياه فلا يوجد سوي صنبور مياه واحد يتكدس عليه اهالي الدويقة حتي يستطيعوا قضاء حاجتهم منه. اما الأمراض فتلاصق اجساد هذه الأسرة البائسة طوال فصلي الشتاء والصيف سواء من شدة البرد أو ارتفاع درجة الشمس بخلاف القمامة ومياه الصرف الصحي التي تملأ المكان والعقارب والثعابين التي وصل الامر بها إلي الوجود علي سرير الغرفة ولا يجدون سبيلا امامهم سوي التعايش معها لعدم قدرتهم علي ترك المكان أو حتي توفير نفقات العلاج لاطفالهم منهم من هو مصاب بالالتهاب الرئوي واخر يعاني من الحساسية في الجلد نتيجة الملابس البالية والذي يزداد في فصل الشتاء نتيجة ازدحام الغرفة, وتشير سيدة وهي ينتابها البكاء إلي انها اثناء حادث الصخرة الاخير عندما جاء موظف المحافظة لحصر من يحتاجون لشقق سكنية قامت بالزحف علي ساقيها ويديها نظرا لإعاقتها حتي وصلت اليه لتتوسل اليه بأن يعطيها شقة فما كان رد الموظف سوي لما ييجي دورك. ياريت نموت احسن لان احنا عايشين في قبر زي الأموات هكذا وصفت نورة محمود عبدالعال25 عاما ربة منزل حياتها وحياة اسرتها ومئات الأسر التي تعيش بمساكن التلاتات فعندما وطئت قدماي هذه المنطقة غاصت في برك الطين ومستنقعات الصرف الصحي ومخلفات الحيوانات التي تزاحم سكان المنطقة في عشوائيتهم مني متزوجة وتعيش مع زوجها الذي يعمل باليومية وأبنائها الاربعة وتعيش معها أيضا أم زوجها وابوها كل ذلك بين أربعة جدران, وسقف من الصفيح والخشب بدون كهرباء أو مياه شرب نظيفة وبالطبع بلا صرف صحي فهي تعيش علي لمبة الجاز وتشتري المياه في جالونات من المناطق المجاورة أما الشوارع فقد تحولت إلي بيارات صرف صحي مكشوف. أما عائلة الحاج أحمد عبد العزيز سالم المكونة من7 أسر تقطن بأكملها في طابق بالدور الأرضي في بيت صغير من الطوب اللبن المليء بالشروخ والآيل للسقوط منذ35 عاما, فيعاني الحاج أحمد من جلطة في ساقه اليمني جعلت ساقه مصابة بتورم شديد بالاضافة إلي انه مصاب بمرض الفلاريا ويعاني أيضا من شرخ في الشريان التاجي جعله عاجزا عن الحركة وكل ذلك بسبب حياة القهر والاوبئة التي تملأ المكان فبسبب عجزه عن الحركة وانه فقير لم يستطع دخول المستشفيات الحكومية مثل الحسين والسيد جلال حيث يجبرونه علي شراء العلاج من الصيدليات الخارجية فلا يوجد بها علاج بالمجان! فمنذ أربع سنوات وهو تحت تأثير المرض دون أي تحسن في حالته الصحية وكل ذلك ليس بسبب الاهمال فقط بل لأنهم فقراء, فكل حلم ذلك الرجل الضعيف قليل الحيلة هو ان يعالج من الجلطة وان يسكن هو وأولاده حتي ولو في شقة صغيرة من شقق مساكن سوزان التي كان من المفترض أن تكون من حق كل أهالي الدويقة خاصة بعدما انشأوها لهم بعد الحادث الأخير ولكن الحقيقة ان الغلابة لم يحصلوا ولو علي شقة واحدة كما أكد الحاج محمد وكل أهالي الدويقة وعشوائيات منشية ناصر من المحتاجين وان الضقق حصل عليها من يسكنون علي حافة الجبل من ملاك المحلات والمنازل وان رئيس الحي السابق كان يقوم بتأجير الشقق أو اعطائها لأقاربه وأصدقائه! ويقاطعه حسين أحمد عبد المقصود عامل باليومية( استرجي) قائلا اعتدنا علي كلام المسئولين المعسول فكل وزير جديد حينما يسأل عن خطة لتطوير العشوائيات يقول كلاما يريح به الناس وخلاص مطالبا حكومة الثورة بأن تنظر إليهم بعين الشفقة وتعلن عن ماتنوي فعله في ملف الدويقة, مضيفا ان رئيس الحي السابق كان يقوم بسرقة الأثاث الموجودة بالوحدات السكنية بالاضافة إلي سرقة المعونات التي كانت تأتي من الخارج وان من قاموا بتسلم شقق بالوحدات السكنية من غير المحتاجين جعلوهم يوقعون علي عقود مفروش رغم انها خاوية علي عروشها, بالاضافة إلي أن سكان هذه الوحدات75 بالمئة من غير سكان الدويقة ومن ضواحي القاهرة الاخري أو حتي محافظاتها وعلي بعد عدة امتار من بيت عائلة الحاج أحمد تجد مأساة جديدة لأهالي الدويقة, أسرة مكونة من خمسة أفراد تنام في شارع ضيق جدا فمنذ شهرين تنام أسرة محمد يوسف في هذا المكان بعدما طلب منه الحي ان يخرج من عشته لأنها ستنهار فاضطر إلي أن يفترش امامه هو وأولاده والذي يعاني أحدهم من شلل الاطفال ليعيشوا في ظلمة الليل بسبب عدم وجود كهرباء, بينما تصرخ خديجة محسن البالغة من العمر46 عاما من خوفها علي بناتها الاربع المراهقات حيث تعيش في غرفة يشاركها فيها رجل وزوجته بأولادهم الكبار بحمام مشترك قائلة في شجن أنا مش عارفة استر بناتي واحميهم انا لو محكوم عليا بمؤبد كان زمانهم افرجوا عني انا تعبت. أما تحت الجبل ووسط صخوره الآيلة للسقوط تعيش مآس اخري واسر في تعداد الأموات خاصة وانه في أي لحظة يمكن ان تسقط عليهم صخرة لترديهم قتلي الاهمال وفساد النظام السابق فتعيش داليا هي وأمها واشقاؤها الاربعة داخل غرفة متر في متر لا يوجد بها سوي سرير صغير فتقول ان والدتها تتسول علي باب مسجد الحسين حيث لا يوجد لهم عائل بعد وفاة والدها حتي تستطيع دفع إيجار الغرفة25 جنيها شهريا بالاضافة إلي قوت يومهم. وتضيف انهم لم يتم الاعتراف بهم رغم وجودهم بالمكان( شارع الطيار) حتي لا يتم حصرهم لكي يتسلموا شققا بالوحدات السكنية! مشيرة إلي ان قيام البولدوزر بهد الجبل يسبب لهم الكثير من الأزمات فيجعلهم يموتون من شدة الصوت بالاضافة الي إحداث تصدع بالعشش وكأنه زلزال شديد يرتعبون منه في عز الليل متسائلة هي والمحيطون بها قائلين:( هما مستنيين ايه لحد ما يشيلونا ميتين علشان يرتاحوا من همنا؟!) ووسط كل ذلك ورغم معاناتهم لم يسلم حتي قاطني العشوائيات من سطوة البلطجية فيقول احمد محمود سائق انه يقوم بإغلاق باب الغرفة علي زوجته واخواته واولاده حتي وان كان ذاهبا لشراء الافطار وذلك بسبب تعرضه لمرات عديدة للسرقة تحت تهديد السلاح, مشيرا الي ان سوق المنشية مليء بالبطجية حاملي الأسلحة البيضاء والنارية لترويع الاهالي وسرقتهم اضافة الي وجود العديد من الهاربين من السجون والمسجلين خطر مما جعل تلك المنطقة بمثابة( المحظورة). ومن جانبها تقول منال الطيبي رئيسة جمعية حقي في السكن ان خطة الحكومة الجديدة في القضاء علي العشوائيات بتخصيص صندوق للعشوائيات بخمسين مليون جنيه وحدها لاتكفي حيث انه بعد دراسة تبين ان منطقة الدويقة وحدها تحتاج الي مليار جنيه للنهوض بها, لافتة الي ان منطقة الدويقة حولها مناطق وعشوائيات تسمي بالمناطق الخطرة والتي من المتوقع جدا ازالتها وللاسف فإنه ليست هناك رقابة علي الوحدات السكنية التي تخصص لهم حيث تتم سرقتها وتأجيرها ويظل الحال كما هو عليه, مسترسلة في الحديث بأنه يجب استغلال المدن الجديدة لحل مشاكل هؤلاء الفقراء بدلا من كونها خاوية حتي اصبحت مأوي للأشباح!.. وتضيف ان العشوائية بمثابة عرض له أسباب ولكي نقضي علي تلك الظاهرة أو العرض تجب معالجة الاسباب ولكن السياسات التي تتبع في التعامل معها جميعها خاطئة ولاتجدي بشيء حيث يتم استخدام الليبرالية الاقتصادية في التعامل مع الظاهرة وهو ما يجعلها تتصاعد والتي تنحاز للمال والملاك ضد الفقراء, مشيرة الي ان مقابل الحصول علي شقة في هذه الوحدات السكنية المخصصة لاهالي الايواء شروطها تعجيزية وتناسب الطبقة المتوسطة وليست الفقيرة مثلهم وذلك تبعا لحالتهم المادية المتدنية وان غالبيتهم العظمي عمال باليومية وليس لهم دخل ثابت يلزمهم بدفع إيجار شهري يتعدي الثلاثمائة جنيه ومنهم من لا يكون دخله يتعدي المئتين جنيه شهريا اضافة الي المناطق النائية الي تنشأبها الوحدات وعدم وجود خدمات مما يجبرهم علي تركها.