الجمعية نظام اقتصادي شعبي اخترعه المصريون كبديل للاستدانة بحثا عن وسيلة للتغلب علي ظروف المعيشة الصعبة ولمساندة بعضهم البعض, حيث يتقاسمها مجموعة من الأشخاص ويقوم كل منهم بدفع مبلغ مالي شهريا ويحصل أحدهم وفقا لترتيب محدد مسبقا علي إجمالي المبلغ المجمع وهكذا يحصل كل منهم عليه في موعده بالتتابع, اختارت المخرجة المصرية اللبنانية ريم صالح الجمعية لتروي من خلالها قصصا من حياة أهالي منطقة روض الفرج, والتي تنتمي إليها جزئيا بحكم علاقتها بوالدتها التي تربت في روض الفرج وأوصت ابنتها بدفنها في بلدها مصر وسط أهلها. قدمت ريم هذه الفكرة في فيلمها الوثائقي الأول الجمعية وحظي بعرضه العالمي الأول في قسم البانوراما في الدورة ال68 لمهرجان برلين السينمائي الدولي ونافس علي جائزة أفضل فيلم تسجيلي, وتشارك به حاليا في مهرجان سالونيكي الدولي للأفلام الوثائقية في اليونان, وفي هذا الحوار تتحدث ريم عن فيلمها وتجربتها مع أهالي روض الفرج. بدأت العمل علي الفيلم في البداية دون تمويل أو دعم إنتاجي كيف واجهت هذه الصعوبات؟ بالفعل بدأت التصوير في عام2010 واستمر العمل لأكثر من سبع سنوات, وكان التصوير علي مراحل, حيث كنت أذهب كل فترة إلي منطقة روض الفرج وأقوم بالتصوير هناك لمدة شهر تقريبا ثم أسافر مرة أخري وهكذا, حيث كنت أعيش في مكان وأصور في مكان آخر والمونتاج في مكان ثالث وأخيرا مرحلة ما بعد الإنتاج في مكان رابع وهو سلوفينيا, كل هذا تم بالصدفة لأني كنت أبحث عن التمويل والدعم حتي حصلت عليه من جهات ودول مختلفة, وأول دعم حصلت عليه كان بعد مرور عامين تقريبا من بداية التصوير في2012 أو2013 تقريبا, حيث كنت بدأت التصوير بشغف دون أن أخطط لفكرة التقدم لطلب الدعم والتمويل. لماذا اخترت روض الفرج بالذات؟ نعم والدتي أصولها من روض الفرج وقبل وفاتها طلبت مني أن أقوم بدفنها في القاهرة في مقابر أسرة والدتها بمدينة نصر, وأهلها مازالوا في روض الفرج لذلك خرجت جنازتها من هناك وكل أهل المنطقة يتذكرونها حتي الآن, فهذه المنطقة أشبه بالعائلة الواحدة الكبيرة, وجدت الجميع من حولي يروون لي عن ذكرياتهم معها, وشعرت باحتياج حقيقي للاستماع لهذه الحكايات لأنها كانت تحب هذا المكان وتذكرته في آخر أيامها وأثرت فيها الغربة بشكل كبير, وبعد قضاء وقت فكرت في فكرة الجمعية خاصة أنها ليست جديدة بالنسبة لي وأعرفها بحكم أن والدتي مصرية, واقترحتها علي أحد أصدقائي من المنتجين المصريين لكنه لم يتحمس لتنفيذها فقررت تنفيذها بنفسي, رغم أنه كان من الأسهل علي شخص مقيم في مصر أن يقوم بتنفيذها لأنه سيكون قريبا من المكان ومن السهل أن يذهب إلي هناك علي فترات متقاربة. وكيف كانت خطوة البداية؟ بدأنا التصوير مع الجمعية الجديدة عندما بدأ الأهالي في تنظيم جمعية تضم10 أشخاص, ثم سمعت بجمعية الأطفال أيضا ولم أكن أريد إظهار أطفال في الفيلم لكن الأمور سارت بشكل تدريجي واقتحم الأطفال الفيلم بسبب جمعيتهم الخاصة لأن الفكرة فرضت نفسها, وكانت الفكرة أن أسجل في كل شهر ما يفعله كل شخص منهم بالمال الذي يحصل عليه من الجمعية ولكن الأمور لا تكون مرتبة بهذا الشكل فالعمل علي تصوير فيلم أشبه بفوضي منظمة, وكان من الصعب أن يضم فيلم كل هذا العدد من الشخصيات, وكان لابد أن أركز علي عدد أقل من الشخصيات لهذا اخترت شخصية عادل الذي يتولي تنظيم الجمعية وزوجته أم غريب ليكونا شخصيات رئيسية في الفيلم وبنيت بقية العلاقات من خلالهما. وهل تقبل أهالي روض الفرج بسهولة وجودك بينهم وتصويرك لتفاصيل حياتهم؟ كنت أعرفهم من قبل وقضيت بينهم فترات طويلة حتي أصبح هناك تقارب بيننا, لهذا عندما بدأت التصوير فتحوا لي قلوبهم وبيوتهم, وكانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي تماما أمام الكاميرا لدرجة أنني كنت أذكرهم أحيانا بأني أقوم بالتصوير للتأكد من موافقتهم فكانوا يضحكون ويؤكدون ثقتهم في, لأن من وجهة نظرهم لا يوجد لديهم ما يخفونه أو يخشون منه لهذا لا ترهبهم الكاميرا, وهنا يكمن جمال أهالي روض الفرج فما تراه منهم هو الحقيقة لا يوجد شيء خفي. ولماذا تجاهلت الأحداث السياسية التي صاحبت هذه السنوات تماما؟ بشكل عام, هم لا يحبون التدخل كثيرا في السياسة, ربما يكون بينهم بعض الناشطين بشكل أكبر ممن ذهبوا لميدان التحرير في وقت الثورة, لكن أغلبهم لا يحب التحدث عن السياسة خاصة وأنها ليس لها تأثير مهم وكبير علي حياتهم, وتعتبر المرة الوحيدة التي شهدت فيها تأثيرا حقيقيا عليها هو يوم فتح السجون وهروب المساجين عندما شكل الأهالي لجانا شعبية لحماية أنفسهم, كما حدث في جميع أنحاء القاهرة, والسبب الثاني الذي جعلني أتجاهلها هو أنني لم أكن أريد استغلالها كوسيلة لدفع الناس للاهتمام بالفيلم, فالكثيرون نصحوني بذلك بحجة أني صورت في فترة مثيرة للاهتمام والتركيز علي السياسة من الممكن أن يساعدني في الحصول علي تمويلات ودعم أكبر للفيلم, لكني لم أحب هذه الفكرة لأني شعرت أنها نوع من الاستغلال, والسبب الثالث وهو الأهم أني كنت أريد التركيز علي الإنسان. ألم تؤثر الفترة الصعبة التي مرت بها مصر بأي شكل علي ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية؟ ظروفهم الاقتصادية دائما سيئة ولهذا لجأوا لفكرة الجمعيات والتي تستمر طوال العام وبعضهم يضطر لدخول جمعيتين أوثلاث و أربع, ولكن في بعض الأوقات مثلا انقطعت عنهم المعونات التي كانوا ينتظرونها وتساعدهم بعض الشيء وبالتحديد في فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي, وفي فترات أخري انخفضت هذه المعونات للنصف وبعض الأدوية التي كانوا يحصلون عليها شهريا أصبحت تأتيهم كل ثلاثة أشهر, بالإضافة إلي ارتفاع الأسعار باستمرار. كيف تفاعلت مع قصة الطفلة دنيا التي خدعت أبيها واستخدمت الجمعية للخضوع لعملية ختان بإرداتها؟ القصة بالضبط كما قدمتها في الفيلم, دنيا حصلت علي مبلغ مالي من الجمعية واستخدمته في عملية الختان والتي قامت بها بإرادتها وبناء علي رغبتها دون علم أبيها, وأقنعت والدتها بمساعدتها دون علمه, علمت بالصدفة من دنيا أنها ستخضع لعملية ختان وصدمت وقتها وذهبت إلي أبيها لأقنعه بالعدول عن هذه الفكرة واصطحبته لمقابلة شيخ في الأزهر أكد له أن هذه العملية ليس لها أدني علاقة بالدين الإسلامي وإنما هي عادات وتقاليد قديمة واقتنع الأب بالفعل وعدل عن الفكرة وسعدت جدا بذلك لأنه إثبات لفكرة أننا إذا بذلنا مجهودا في إقناع الناس بالعقل وقدمنا لهم أدلة علي صحيح الدين ورأيه في هذه القضايا سنحصل علي نتائج إيجابية, لكني فوجئت بعد ذلك بأن دنيا هي التي أصرت عليها وقامت بها دون علم أبيها, والأم ساعدتها لأنها تري أن هذا هو المتبع ومن العيب ألا تقوم بها. البعض يري أن مناقشة مثل هذه الموضوعات يسيء لصورة البلد والمجتمع فما رأيك في هذا؟ بالعكس, فالنقاد قالوا لي لقد جملتي المكان لأن تركيزي كان علي الأشخاص الذين أحبهم وأحترمهم وأردت تقديمهم علي طبيعتهم لا أريد المتلقي أن يكرههم أو يحبهم أريده أن يتعرف عليهم فقط, وإذا فكرنا في الأمر فنحن جميعا نعيش في الغربة والوحدة ونعاني من المشاكل, علي الأقل نحن هنا نتحدث عن أناس يساندون بعضهم البعض ويتكاتفون لتخطي هذه الضغوط وهو أجمل ما فيهم وهم أشخاص قريبون من القلب, ولم نفكر أبدا في البحث عن المشاكل والمساوئ رغم أننا جميعا نعرف ما حدث في روض الفرج خلال السنوات السبع. هل ارتباط المخرج عاطفيا بشخصياته يساعده علي تقديمهم في أفضل صورة؟ هم أشخاص يعيشون في ظروف سيئة جدا, وأحيانا الإنسان يضطر للقيام بأشياء لا يرضي عنها بسبب هذه الظروف, وأنا أحترمهم كثيرا وليس لي أي حق في أن أحكم عليهم أو علي تصرفاتهم, وحاولت في فيلمي أن أنقل هذا الإحساس للمشاهد لأني لا أريده أن يحكم عليهم أيضا أريده أن يتفهم موقفهم دون الحكم عليهم, ومازلت في انتظار رأي أهل روض الفرج في الفيلم. هل تعتبرين نفسك مصرية أو لبنانية؟ تربيت مع أمي المصرية, وتعلمت منها كل شيء صحيح أني تربيت في لبنان لكني أعتبر نفسي لبنانية يجري نيل مصر في دمها, ووفاة أمي هي التي قربتني من مصر وجعلتني أاراها من منظورها لأنها كانت مثلها مثل كل المصريين مغرمة ببلدها وعاشقة له بالرغم من الغربة والبعد.