بعد سنوات نجحوا خلالها في فرض نفوذهم في شمال سوريا بعيدا عن سلطة دمشق, طالب الأكراد امس بضرورة تدخل قوات النظام السوري في عفرين للتصدي للهجوم التركي المتواصل منذ أكثر من أسبوع والذي يهدد وجودهم في منطقة حيوية. وفي الوقت نفسه, يرفض الأكراد بقوة عودة المؤسسات الحكومية الي المنطقة أو تسليم هذه المنطقة للجيش السوري, الأمر الذي تضعه دمشق شرطا للتدخل. وتشن تركيا منذ20 يناير الحالي هجوما علي وحدات حماية الشعب الكردية التي تصفها انقرة ب الارهابية في منطقة عفرين الحدودية مع تركيا, ورغم تأكيد المحللين أن انقرة لم تحقق اي تقدم يذكر, أعلنت قوات سوريا الديمقراطية, امس, إسقاط طائرة استطلاع تركية من دون طيار من نوع درون, من ناحية بلبلة, شمال عفرين. وأكدت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية, أن القوات الكردية مصممة أكثر من أي وقت مضي علي حماية المدن والقري الكردية, ودعت سوريا الديمقراطية المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلي القيام بواجبها, وفضح إرهاب الدولة التركية التي تستخدم سياسة الأرض المحروقة بالتعاون مع جبهة النصرة والفصائل الإرهابية. وأضافت أن الحرب في عفرين السورية أخذت بعدا جديدا, متمثلا بإصرار حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا علي ما وصفته بإبادة الشعب الكردي, والدفع بمشروع جبهة النصرة وداعش إلي واجهة الخيارات في سوريا. ويسعي الجيش التركي الذي يدعم فصائل من المعارضة السورية إلي إخراج المقاتلين الأكراد من عفرين بحجة أنهم مرتبطون بحزب العمال الكردستاني. ومن جانبه اعلن المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره لندن ارتفاع عدد المدنيين ضحايا الهجوم العسكري التركي علي عفرين الي51 شخصا اغلبهم من الرضع والنساء. وبعد أيام علي بدء الهجوم, دعت الإدارة الذاتية الكردية المعلنة منذ2013 في مناطق عدة من شمال سوريا, الحكومة السورية الي التدخل لمنع الطائرات التركية من قصف مناطقهم. ويقول مسئولون أكراد ان فريقهم تقدم باقتراحات ملموسة الي موسكو, حليفة النظام السوري وأحد الاطراف الاساسية الراعية للمحادثات حول النزاع بين الاطراف المختلفة, ابرزها أن ينتشر حرس الحدود السوري علي الحدود ليحمي منطقة عفرين مع بقاء قوات الدفاع والشرطة والأمن الكردي في المنطقة, والسماح برفع الأعلام السورية علي الحدود مع تركيا, اذا كان من شأن ذلك طمأنة الاتراك الذين يخشون حكما ذاتيا علي حدودهم قد تنتشر عدواه الي الأكراد في الجانب الآخر من الحدود. ويتصدي المقاتلون الأكراد الذين أثبتوا قدرة عسكرية كبيرة في مواجهة تنظيم داعش, للهجوم التركي, لكنها المرة الأولي التي يتعرضون فيها إلي عملية كبيرة بهذا الحجم تتضمن قصفا بالطائرات الحربية. ولم تستجب دمشق حتي الآن لدعوة الإدارة الذاتية للتدخل, في حين يري المحللون أن دمشق لن توافق علي مجرد نشر قوات عند الحدود فالاسد يعتبر تلك الحدود جزءا من الدولة السورية ويجب فرض السيادة مع عودة المؤسسات السورية والسلطة الشرعية ودخول الجيش. ويرفض الأكراد عودة الأمور إلي ما كانت عليه قبل عام2012, وهو ما أبلغوا به روسيا حين تلقوا عرضا منها بدخول الجيش السوري لعفرين لتفادي الهجوم التركي, وفق ما افادت مصادر عدة. ويؤكد المحللين أن تسليم عفرين للنظام السوري مستحيل وكذلك الامر بالنسبة لتسليمها الي الاتراك. وعمل الأكراد علي تمكين إدارتهم الذاتية في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق البلاد التي أطلقوا عليها تسمية روج أفا أي غرب كردستان. وأعلنوا النظام الفيدرالي في2016, وتجنبوا خلال سنوات الصراع الست الدخول في معارك مع قوات النظام باستثناء بعض المناوشات المحدودة, في حين شكل الدور المتصاعد للأكراد قلقا لدمشق التي تؤكد نيتها استعادة كامل أراضي البلاد, رافضة بشكل كامل النظام الفيدرالي. ومن ناحية اخري وصلت امس الوفود المشاركة في مؤتمر الحوار السوري الي منتجع سوتشي البحري في روسيا عشية اجتماع لا تعلق عليه آمالا كبيرة في ظل غياب أبرز الاطراف المعارضة التي قاطعت المؤتمر. لكن رفض هيئة التفاوض السورية التي تمثل أبرز مجموعات المعارضة, وكذلك الاكراد المشاركة في المؤتمر بسبب العدوان التركي علي عفرين, بدد الآمال بحدوث تقدم ملموس. وهذا يؤكد كما يبدو بعد ايام علي فشل محادثات فيينا التي جرت تحت اشراف الاممالمتحدة, المأزق الذي وصلت اليه التسوية السياسية لهذا الصراع. يأتي ذلك في وقت نقلت فيه شبكة سكاي نيوز عن وكالة آكي الإيطالية, مسودة البيان الختامي لمؤتمر الحوار السوري المنعقد في مدينة سوتشي, والتي لم تشر إلي تغيير بالنظام السياسي. وانطلق مؤتمر سوتشي في روسيا, أمس, للبحث عن حل للأزمة السورية, ووفقا للمسودة المسربة سيدعو البيان الشعب السوري لتقرير مصيره عبر تصويت شعبي, إلي جانب الالتزام بسيادة سوريا ووحدتها أرضا وشعبا. ويدعو البيان إلي عدم قبول أي تدخل خارجي في الشئون السورية, وضرورة أن يختار السوريون نظامهم السياسي والاقتصادي دون تدخل. ويشدد علي أهمية أن تكون سوريا دولة غير طائفية, قائمة علي المواطنة والتعددية السياسية وسيادة القانون والفصل بين السلطات وكذلك تأكيد استمرار مؤسسات الدولة وتحسين أدائها دون إشارة إلي إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية, ومهمة الجيش المقبلة هي حماية الشعب وحدود الدولة من التهديدات الخارجية والإرهاب.