باختيار الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرا للثقافة يكون هذا اختيارا موفقا من القيادة السياسية في مصر.. إذ إن الدكتورة كانت تدير أجمل مكان في مصر وهو دار الأوبرا المصرية.. أي أنها كانت تتعامل مع الجمال مكانا وصوتا وصورة.. وهذا ما يجعلنا نأمل فيها تغييرا وتطورا, إذ إن ما تحتاجه مصر حاليا مع يد البناء النشيطة هو الجمال. وكان قد قيل في يوم إن هناك ما سمي وقتها بإدارة التنسيق الحضاري والتي كانت اسما علي غير مسمي وما أكثر تلك الأسماء الجامدة.. لقد استبشرت خيرا مع تعيين الدكتورة إيناس وزير للثقافة وتذكرت علي الفور الدكتور ثروت عكاشة.. الاسم والفعل الأبرز والأبقي في تاريخ الوزارة فهو علاوة علي إحساسه العالي بالجمال كان يملك الوعي.. الوعي بالمستقبل استنادا إلي الماضي والحاضر. فقام بما لم يقم به غيره سواء بوعيه بالحضارة المصرية القديمة نقل آثار النوبة أو الحضارة المستقبلية انشاء أكاديمية الفنون علاوة علي الاهتمام بالكتاب والترجمات وهو إلي اليوم صاحب أجمل موسوعة ثقافية علي الإطلاق أخذت من كل حضارات وثقافات الدنيا.. اغريقية ولاتينية وشرقية وغربية.. وهذا هو الوعي الذي ينقص اليوم الكثير من المثقفين. ومن خلال تعاملي مع الكثير من المثقفين من خلال اتحاد الكتاب وأتيليه القاهرة والذي اسمه جمعية الفنانين التشكليين والكتاب وهيئة قصور الثقافة لاحظت أن المثقف المصري اليوم تجمد داخل زمن معين ومكان معين وأفكار معينة استراح إليها وبها وكفي.. فمثلا رغم أن الشيوعية كنظام أثبت فشله عمليا وانتهي فهناك من لايزال يتبني أفكارها وجمودها لا يريد أن يتزحزح إلي زمن الحاضر أو السير فيه.. فقط أصبح قدمين سائرتين وعقلا غائبا وكفي.. نحن في عصر سريع ومتسارع.. عصر اكتشاف الفيمتوثانية والجزئيات الدقيقة للمادة النانو وانتقل مفهوم المثقف إلي إدراك ذلك التغير ومحاولة ملاحقته وتحريك الثابت في ذهنه فهل مصر اليوم مثلا يصلح لها الحاكم المدني أم أنها تحتاج احتياجا ملحا وضروريا وحتميا إلي قائد عسكري يعي ما هو محبوك حولها من حصار بجميع أنواعه الإرهابية المسلحة والاقتصادية الكارهة ويحتاج كما هو حادث اليوم إلي بناء كبير يحمل في احدي يديه كما قال عبدالناصر السلاح وفي اليد الأخري أدوات البناء والتعمير.. يد تبني ويد تحمل السلاح. الجمال هو مختصر الثقافة والمثقفين.. فالجمال يحتوي الوعي والإحساس والنظام والنظافة.. إلخ كما أنه ينبع من الحب لا الكراهية ولا مجرد الفرجة.. ونحن نأمل من الوزيرة الجديدة ربيبة الوعي والجمال أن يكون اهتمامها عمليا بتنشيط الثقافة لا مجرد الجري وراء المهرجانات والأشكال الإعلامية كما كان يحدث.. فالمهم هو لب الثمرة لا قشرتها.. محتوياتها لا شكلها.. عصيرها المفيد لا مجرد تذوقها.. فمصر لمن يري ومن يحب أن يري: تنهض يوما عن يوم رغم معاناة الولادة.