تعتمد السياسة الخارجية الأمريكية منذ زمن علي نظرية استخدام تكتيك العصا والجزرة. وعصا الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكن أن تكون هجوما صاروخيا مباشرا ينطلق من إحدي قطعها البحرية المنتشرة في طول وعرض بحار ومحيطات العالم, أو هجوما صاروخيا أيضا بطائرات من دون طيار, لضمان عدم وقوع خسائر بشرية في جانبها, أو اجتياح بقوات برية كما في كثير من الأزمات, وأقل الأمور التهديد بتوجيه ضربات استباقية واحترازية إلي آخر هذه المسميات التي تصدرها واشنطن لكل الحكام والرؤساء لضمان طاعتهم واحترامهم لتعليماتها. والملاحظ أن كل هذه القدرات العسكرية لا يتم تفعيلها إلا ضد دول عربية وإسلامية في الأساس بذريعة توجيه ضربات لتنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش التي هي في الأصل كما لا يخفي علي أحد تنظيمات تحظي برعاية وإشراف وتمويل وتدريب أمريكي من أول جهود التأسيس مرورا بتنفيذ أهداف تخدم السياسة الأمريكية وصولا إلي ما تراه الولاياتالمتحدة منفردة موقفا عادلا يحفظ الأمن والاستقرار الدوليين, والمصالح الأمريكية. أما الجزرة فتتمثل في مساعدات مالية وعسكرية تمنحها لحلفائها الدائمين وتحظي إسرائيل( ابن واشنطن المدلل) بالنصيب الأكبر والأكثر سخاء منها دائما ومن دون انقطاع, بينما تقدم مساعدات أخري لبعض الدول بشكل اضطراري غير ثابتة من حيث القيمة والانتظام, منها الجمهورية الإسلامية الباكستانية. واشنطن أعلنت منذ أيام تجميد وتعليق مساعداتها الأمنية لحليفتها النووية المسلمة( باكستان), فيما نددت إسلام آباد بالقرار الأمريكي, وقالت أنه قد يأتي بنتائج عكسية, وذلك في رد مدروس من جانبها علي حملة الإدارة الأمريكية العلنية ضدها. الإدارة الأمريكية عبرت عن استيائها لما وصفته بفشل حليفتها باكستان في ضرب قواعد حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني, مع اتهامها بالتغاضي عن قمع نشاطات من وصفتهم واشنطن بالإسلاميين المتشددين. باكستان ردت بحزم علي نبرة الرئيس ترامب الحادة خلال إعلان قراره بشأن تجميد المساعدات الأمريكيةلباكستان ما أثار مخاوف من أن يقوض هذا الخلاف الدعم الذي تقدمه باكستان للعمليات الأمريكية في أفغانستان. الرد الباكستاني الحازم أوضح للأمريكيين أن مساعداتهم ليست منحة إنسانية لوجه الله, ولكنها ثمن تدفعه أمريكا مقابل خدمات باكستانية جليلة ومهمة تقدمها إسلام آباد لواشنطن لتأمين وجودها في أفغانستان, ومثلما علقت الإدارة الأمريكية مساعداتها الأمنية لباكستان تستطيع الثانية أن توقف خدماتها لواشنطن, وهو الأمر الذي لم تتصور أمريكا أن تتلقي تهديدا باكستانيا بمنعه. الخارجية الأمريكية أعلنت الخميس الماضي تجميد إرسال شحنات المعدات العسكرية, ووقف التمويل الأمني حتي قمع باكستان للمسلحين الإسلاميين. الإعلان الأمريكي أثار احتجاجات شعبية محدودة في باكستان, شملت معبر شامان, أحد المعبرين الحدوديين مع أفغانستان. المتظاهرون الباكستانيون أعلنوا عدم احتياج بلادهم لأي نوع من المساعدات الأمريكية, وقال أحدهم موجها كلامه لترامب: لا تهددنا, أما الخارجية الباكستانية فأصدرت بيانا أكدت فيه أنها تتحاور مع المسئولين الأمريكيين وتنتظر مزيدا من التفاصيل, وحذرت في الوقت نفسه مما وصفته ب االآجال الاعتباطية والإعلانات الأحادية الجانب وتحوير الأهداف, مهددة بنتائج عكسية في التعامل مع التهديدات الشائعة, من دون أن تذكر تحديدا القرار الأمريكي. وأضافت ان التهديدات الناشئة كالوجود المتنامي لتنظيم الدولة في المنطقة يضاعف من أهمية التعاون اليوم أكثر من أي وقت. كما أكدت أنها تكبدت خسائر في الأرواح تجاوزت ال62 ألف قتيل وأضرارا مادية تخطت ال123 مليار دولار منذ.2003 لكن المسئولين الأمريكيين يتهمون المسئولين الباكستانيين بتجاهل الجماعات المسلحة التي تشن عمليات في أفغانستان انطلاقا من ملاذات آمنة علي طول الحدود بين البلدين, او بالتعاون معها. علي أن الأمر الذي زاد من حدة غضب الباكستانيين تغريدة الرئيس الأمريكي ترامب التي وصف فيها بلادهم بالكذب بشأن علاقتها بحركة طالبان الأفغانية رغم نفي إسلام آباد المتكرر لتقديم أية مساعدات لها, وإصرار واشنطن وكابول معا علي اتهام باكستان بإيواء جماعات متشددة مسئولة عن ارتكاب فظائع علي غرار حركة طالبان الأفغانية وحلفائها في شبكة حقاني. ورغم القرار الأمريكي بتجميد المساعدات الأمنية عن حليفتها باكستان إلا أن الولاياتالمتحدة ليس لديها رغبة حقيقية في قطع الجسور بالكامل معها, حيث العداء للأمريكيين شديد, وهي بحاجة لمجالها الجوي وطرقات تموينها إلي أفغانستان, البلد الحبيس الذي تحتفظ فيه واشنطن بوجود عسكري له وزنه رغم تخفيضه بشكل كبير عما كان عليه قبل سنوات. كذلك يعتبر تأثير باكستان علي حركة طالبان ورقة حيوية في حال فتح مفاوضات سلام. ووفقا للمحلل الباكستاني حسن عسكري: الولاياتالمتحدة تريد ممارسة ضغط متزايد علي باكستان كي تعدل سياستها, عوضا عن التخلي عنها بالكامل, بينما يري خبراء أن الوسائل الفعلية للضغط علي باكستان معدومة, نظرا إلي انشغال إسلام آباد بمنع الهند من توسيع نفوذها في أفغانستان أكثر من مواجهة المتمردين علي حدودها.