أخطأ الغرب حين أراد أن يقتلنا ونحن نيام, فأشعل ثورات ظن أنها قادرة علي القضاء علي ما تبقي فينا من حياة, فلم ينتج عنها إلا إيقاظ المارد النائم في أعماقنا, فبقدر قوة الصفعة كانت الصحوة, وبقدر قوة النيران ظهر المعدن الأصلي للشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب المصري الذي كان ولا يزال علي مر التاريخ بمثابة الصخرة التي تحطمت أمامها موجات الدمار الزاحفة علينا, ذلك الشعب الذي طالما شبهته بطائر الفينيق الذي ينبعث من تحت الرماد كلما ظن عدوه أنه احترق وانتهي. وفي ظل هذه الأسطورة التي لم يدركها المتآمرون, يمكننا أن نفسر ما يحدث, لقد أراد المستعمر أن يكسرنا ويقتلنا, فلم يكن منه إلا أن أيقظنا لنستعيد رشدنا ونصحح المسار مرة تلو الأخري, وفي كل مرة نعود أقوي من سابقتها, ومع كل موجة استعمار تصحو فينا قيم كادت أن تندثر. وفي الوقت الذي حاول فيه المستعمر بكل ما أوتي من قوة ومن أدوات وعملاء جندهم لتشويه رموزنا التاريخية والدينية والإنسانية, ظهر من بين أبناء الشعب البسيط رموزا أخري قادرة علي بعث الأمل في نفوس البسطاء وقيادة دفة سفينة الأمة نحو شاطئ النجاة, وكلما هدموا جدارا, ظهر من يبني بدلا منه ألف بناء, وكما حرقوا وثائقنا, ظهر من يسطر للأمة وثائق جديدة, وكما حاولوا هدم بعض القيم, نجد من يظهر ليجدد هذه القيم ويعيدها للنور ويسلط الضوء علي ما فينا من قيم كدنا ننسي وجودها. لنجد أن كل محاولاتهم لم تمنحهم الثمار التي تطلعوا لها, ليجنوا بدلا منها علقما مرا يتذوقون مرارته مع كل محاولة جديدة لقتلنا. لقد حاولوا هدم مصر, فظهر من يعيد بناءها من جديد, وحاولوا فك لحمة شعب مصر, فلم يزيدونا إلا ترابطا وتلاحما, وحاولوا تجويعنا, فانتبهنا لنزرع قوتنا بأيدينا وفي أراضينا, وحاولوا سلب سيناء, فامتدت بينها وبين الوادي شرايين الوصال, وحاولوا سرقة تاريخنا, فزادونا اعتزازا به وتلهفا علي قراءته, وحاولوا تشويه ديننا, فزادوا شغفنا للبحث في قيمه السمحة ونبذ التطرف والسطحية, وحاولوا تفكيك الوحدة العربية, فزاد ترابط دولها ويقينهم بأنه لا نجاة إلا بالوحدة والتكامل رغم شرود الخارجين عن السرب, وحاولوا تشكيكنا في قدراتنا علي بناء حضارة جديدة, فخلقوا داخلنا ألف إرادة للتحدي والبناء, وحاولوا حصارنا, فاتسعت علاقاتنا وامتدت شرقا وغربا, وحاولوا قتل أبنائنا, فزاد التعداد بالملايين خلال بضع سنوات, وحاولوا حرماننا من التعليم, فقمنا بثورة لتحسينه, وحاولوا قتلنا بمنع الدواء, فزاد إصرارنا علي تصنيعه, وحاولوا إرهابنا باسم الدين, فقتلنا ونقتل كل يوم من جنودهم المسومين المزيد, وحاولوا منع الأسلحة لندافع بها عن أنفسنا, فزدنا من صناعتها بأيدينا, وحاولوا تغييب شبابنا في الظلام, فدعونا شبابهم في العلن لنلقنهم دروسا في الإنسانية والسلام والقدرة علي الحلم والعطاء, وأخيرا حاولوا سلب القدس منا, فكانت هزيمتهم منكرة علي رءوس الأشهاد والعباد. حاولوا ومازالوا وسيظلون يحاولون, وليس لي إلا أن أحمد الله علي هذه المحاولات التي تزداد يوما بعد يوم وتزداد معها صحوتنا ويقيننا بأن النجاة لن تكون إلا بوحدتنا وقوتنا واعتمادنا علي أنفسنا, وهذا ما يسمي بالوعي الذي استيقظ فينا حين أرادوا تغييبه, ولا عزاء لعملاء باعوا ضمائرهم ومصائرهم واستباحوا دماء أخوتهم مقابل المال والمناصب والوعود الزائفة, لينتهي بهم الحال مشردين في بلاد ستلفظهم في أي وقت لأنهم في نظرهم سيظلون خونة لأوطانهم ولدينهم ولن يجدوا مأوي لهم وهم أحياء ولا مدفن لهم بعد الموت. فهنيئا لمن حمل مشعلا ليقودنا نحو النور حين حل الظلام, وهنيئا لمن قبض علي وطنه ومبادئه حين تزعزع الإيمان, وطوبي لمن لقي ربه دفاعا عن الأوطان.