الحكومة تكشف تفاصيل زيادة سعر الخبز المدعم: القرار خلال أيام    انطلاق حملة صكوك الأضاحي 2024 بالتقسيط في مطروح    البيت الأبيض: فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل لن يكون صائبًا    مايكل أوين يمدح بيلينجهام ويؤكد: لديه فرصة الفوز بالكرة الذهبية    «بعد الفوز بالكأس».. أفراح في الإسكندرية لصعود الاتحاد لنهائي دوري السوبر المصري للسلة 2024    بمشاركة الأهلي.. فيفا يكشف نظام بطولة إنتركونتيننتال 2025    أنسي أبو سيف عن جائزة الدولة: شعرت أنها نتيجة رحلة طويلة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفلا لأغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مجانًا    هل يجوز الجمع بين صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان؟    برنامج تدريبي للأطباء والصيادلة والتمريض والمثقفين الصحيين في مطروح    «المصري اليوم» تنفرد بنشر تفاصيل جناية جديدة ارتكبها عصام صاصا خلال مغادرته مصر    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    القبض على «ٌقمر الوراق» بحوزتها 2.5 كيلو «حشيش» (التفاصيل الكاملة)    محافظ أسوان يترأس اجتماع مجلس الصحة الإقليمي (تفاصيل)    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    بعد قليل.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مشروع رقمنة ذكريات الفنانين بالذكاء الاصطناعي    تعرف علي الحكاية الكاملة لفيلم ولاد رزق    ختام المؤتمر العربي ال22 لرؤساء المؤسسات العقابية والإصلاحية    رسميًا.. طرح شيري تيجو 4 برو بشعار "صنع في مصر" (أسعار ومواصفات)    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    "هيئة الدواء" توقع مذكرة تفاهم مع "مركز مراقبة الدولة للأدوية" بكوبا لتبادل الخبرات    بسبب نادي نيس.. مانشستر يونايتد قد يشارك في دوري المؤتمر الأوروبي    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    برلمان جورجيا يمرر قانون التمويل الخارجى للمنظمات غير الحكومية المثير للجدل رغم الاحتجاجات    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    من أفضل 10 فرق.. جامعة الجلالة تصل لتصفيات «الابتكار وريادة الأعمال» إفريقيا (تفاصيل)    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    رئيس الوزراء يتابع جاهزية المتحف المصري الكبير وتطوير المناطق المحيطة    طريقة عمل شاورما الفراخ بأقل التكاليف    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    عمرو الفقي يهنئ «أون تايم سبورت» بفوز «ملعب أون» بجائزة أفضل برنامج رياضي عربي    "الإنجازات تلاحقني".. تعليق مثير من رونالدو بعد خطف لقب الهداف التاريخي لروشن    وزيرة الهجرة تلتقي أحد رموز الجالية المصرية في سويسرا للاستماع لأفكاره    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    «حياة كريمة» تطلق مبادرة «تقدر في 10 أيام» لدعم طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ    معهد صحة الحيوان يعلن تجديد اعتماد مركز تدريبه دوليا    مصرع شخص صعقا بالكهرباء داخل منزله بقرية شنبارة فى الشرقية    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نص الرسالة الإسبوعية للمرشد العام للإخوان المسلمين
نشر في الموجز يوم 16 - 05 - 2013

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن فلسطين أرض إسلامية مقدسة مباركة، فهي أرض الأنبياء ومهبط الرسالات، وإليها كان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1).
والمسجد الأقصى هو القبلة الأولى، وهو المسجد الذي بني بعد المسجد الحرام على الأرض المبارك فيها للعالمين، وهي أرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة".
ومن أجل ذلك فإن فلسطين روح الأمة الإسلامية، وتحريرها والحفاظ عليها مسئولية كل مسلم، وإن العالم الإسلامي والعالم العربي ومصر ليفتدون وطنهم "فلسطين" بأموالهم وأبنائهم وأرواحهم وكل ما يملكون..
الجود بالمال جود فيه مكرمة ** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فأما افتداء مصر لها؛ فلأنها حدها الشرقي المتاخم، واستقرارها وأمنها وأمانها، وسلمها وسلامها، لن يتحقق ما لم تأمن فلسطين وتسلم وتستقر، وقد مضى عليها قرن من الزمان لا يعرف أهلها الأمان، ولم يتحقق لجيرانها استقرار، وذلك منذ أن داعب الصهاينة حلمهم بأن يحتلوا فلسطين ويجعلوا منها وطنًا..
وأما العالم العربي؛ فلأن فلسطين قلبه الخافق، وواسطة عقده، ومركز وحدته، وحلقة الوصل بين المغرب العربي الإسلامي في أفريقيا، والمشرق العربي الإسلامي في آسيا، والأمة العربية حريصة كل الحرص على هذه الوحدة كي لا تتمزق، وهذا العقد كي لا ينفرط، مهما كانت الظروف، ومهما كلفها ذلك من تضحيات.
وأما العالم الإسلامي؛ فلأن فلسطين أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها المسجد الأقصى ثالث الحرمين والذي تشد إليه الرحال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى".
وهذه الحقيقة يجب أن يضعها العالم كله والأمم المتحدة نصب أعينهم، فالسلم والأمن العالمي، ووقف نزيف الدماء في المنطقة مرهون بإدراك هذه الحقيقة، وبعبارة أخرى إن لم يرجع الحق إلى أصحابه، وتعود المقدسات إلى أهلها، ويكف الصهاينة عن اللعب بالنار بالتطاول على الأقصى وتدنيسه بالدخول إلى المسجد واللعب والغناء في فنائه .. إن ذلك يؤجج في قلوب المسلمين نارًا لا يطفئها إلا أن تكون لهم السيادة الكاملة على الأرض، والمسلمون هم الأمناء على هذه الأرض بكل مقدساتها، وهم الذين يحافظون على المساجد والبيع والكنائس ليس في فلسطين فقط، بل في كل أرض أظلها الإسلام برحمته وعدله، ذلك بتكليف مباشر من الله عز وجل الذي قال (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40)
وفلسطين منذ أن فتحها الإسلام لم يعرف أهلها إلا السلم والسلام، وكانت العهدة العمرية دستورًا لأهلها، ونجتزئ منه هذه الفقرة التي تدل على حمايته لمن يعيشون في كنفه: "بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان -وإيلياء هي القدس- أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارّ أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود... "..
وبخصوص سكنى اليهود لفلسطين فقد كان السلطان عبد الحميد، حاسما في رده على "تيودور هيرتزيل" حين قُدم له التماسًا بأن يتنازل لليهود عن فلسطين، لكي يؤسسوا فيها جمهورية يهودية، وله في نظير ذلك ما يطلب من مساعدات مالية، كانت الدولة التركية في أشد الحاجة إليها، ولكن السلطان عبد الحميد أخرسه، بهذا الرد الحاسم؛ إذ أرسل إليه يقول:
(أنصح للدكتور هيرتزيل، بألا يتخذ خطوات أخرى في هذا الطريق، فإني لا أستطيع أن أتنازل عن قدم مربعة من هذه الأرض - أرض فلسطين -؛ لأنها ليست أرضي، وإنما أرض شعبي - شعبي الذي حارب في سبيل هذه الأرض، وروّاها بدمه - دع اليهود يحتفظون بملايينهم، فهم لن يصلوا إلى فلسطين إلا على أشلاء أجسامنا، بعد تمزيق أوصالها، إنني لا أستطيع أن أوافق على إجراء التجارب الجراحية، على أجسام أبناء شعبي الأحياء).
وقد وضع شروطا حاسمة فيما يتعلق بهجرة اليهود إلى تركيا، أهمها:
. أن يوزعوا على جميع الولايات عدا فلسطين.
. ألا يزيد عدد المهاجرين إلى أية ولاية على خمسة أسر.
وقد حاول "هيرتزيل" بالرغم من هذا كله أن يستعين بإنجلترا التي كانت قد احتلت مصر، على أن تساعده لدى الحكومة المصرية، على استعمار الأراضي الواقعة بين العريش وحدود فلسطين، ولكن "لورد كرومر" رفض باسم الحكومة المصرية، أن يسمح بهذا الاستعمار ؛ خوفا من ثورة الشعب المصري.
الصهيونية عقيدة كاذبة خاطئة
أيها المسلمون في كل مكان:
إذا كانت هذه عقيدتكم فلن يضيع حقكم، ولقد ظن الصهاينة أنهم يستطيعون أن يقفوا في مواجهتكم بعقيدة يصنعونها من بنات أفكارهم، وينشرونها مع بطلانها، فلربما تمكنوا من الوقوف ولو بعد قرن أو قرنين أمام العقيدة الإسلامية، وهذا ما نشره أحد منظريهم "كادي كوهين في كتابه (دولة إسرائيل)" قبل أن تقوم دولتهم: إن مطالبة الشعب اليهودي القديمة والنبيلة في البحث عن وطن، لا يمكن أن ترتكز على قصاصة ورق - يقصد وعد بلفور - تكون موضوع تأويلات وتعديلات وإلغاءات، وإنما يجب أن ترتكز على حقائق خالدة، إن تلك الحقائق الخالدة التي تبيح خلق عقيدة صهيونية حقة تحتاج لتحقيقها عملا ليس لبضعة أعوام، وإنما يتطلب قرنا أو قرنين كي يبلغ نتائجه النهائية، ثم يقرر حقيقة طبيعة الصهاينة فيقول: "اليهودي لا يقول: يجب أن نحمي أنفسنا، بل يقول: «يجب على الآخرين أن يحمونا».. ومن قبله قال هيرتزل: "إن غرض الصهيونية هو تأسيس وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"، ولكن يبقى قانون السماء الذي قضى ربنا وحذر فيه (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) (الإسراء:51)، وخاطب ربنا عز وجل في سورة الإسراء، وهذا شهر رجب الحرام يذكرنا بها وبقوله تعالى (فَإذَا جَاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء :7) .
الصهيونية شجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار:
والصهاينة على يقين من أنهم لن يقدروا على مواجهة الأمة العربية الإسلامية العريقة؛ ولذلك كانوا يضمنون مواثيقهم ضرورة أن يحميهم الآخرون، وأن يحميهم القانون العام العالمي؛ حتى يستطيعوا البقاء في تلك المنطقة، ولسان حالهم في ذلك يقرر ما حكاه القرآن الكريم حين طلب منهم سيدنا موسى دخول الأرض المقدسة فقالوا: (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: 24).
وغاب عنهم أن حملات صليبية متوالية حاولت أن تثبت لها موضع قدم على تلك الأرض فباءت كلها بالفشل، وأن من يستعينون بهم فشلوا أن يمكثوا في الأرض التي أرادوا أن يلحقوها بأوطانهم، ففرنسا لم تفلح في فرنسة الجزائر، وإيطاليا عجزت أن تجعل من ليبيا امتدادا لها على الطرف المقابل لها من ساحل الأبيض، وكذلك إنجلترا وأسبانيا، وكل محتل غاصب رحل وبقيت البلاد لأهلها، وكذلك سيكون مصير الصهاينة ولو بعد حين (ويَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء:51)، (واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21)).
النكبة:
إن النكبة التي حلت بفلسطين وبشعب فلسطين، ليست نكبة فلسطين وأهلها، ولكنها نكبة العروبة والإسلام، والعرب والمسلمين، في فلسطين! إنها ذكرى تشريد الملايين من ديارهم في فلسطين، إنها ذكرى هدم البيوت وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وذكرى مصادرة الأراضي والممتلكات، وإهانة مقدسات المسلمين والمسيحيين في المدينة المقدسة زهرة المدائن، إنها باختصار ذكرى الغزو والاغتصاب والاحتلال لِبقعة مقدسة مباركة من ديار العرب والمسلمين، وستبقى ثلمة في عقيدة كل مسلم يرضى بالهوان، ولا يعمل على استرداد الحق المغتصب، وتحرير الوطن من رجس الاحتلال الصهيوني الغاشم، المدعوم من القوى الغربية التي تدعي الحريات وحقوق الإنسان.
إن ذكرى هذه النكبة تذكير بتباطؤ النظام العالمي وفضيحة كبرى للمجتمع الدولي، وانهيار الواجب الإنساني والأخلاقي الذي كان يحتم على العقلاء ودعاة القيم والأخلاق إنصاف اللاجئين الفلسطينيين وإعادة كامل حقوقهم ودعم حقوقهم السياسية، وعدم تفويض أي جهة للتفاوض على حقوقهم أو التفريط بها، وأن يرفعوا الغطاء عن وجه الصهيونية القبيح الذي ذاقوا مرارته منهم في أوروبا، ولعلهم أرادوا أن يتخلصوا من شرهم وفسادهم في أوطانهم، وأن يجعلوا منهم الخط الأمامي؛ ليكفوهم الحرب مع المسلمين ويجعلوا منهم الوقود ليكملوا ما كانوا يريدون بحروبهم الصليبية..
أيها العالم أجمع:
حقيقة نعلنها مدوية في جميع الآفاق، ألا وهي: إن فلسطين تعيش في قلوب المسلمين أجمعين، بل إن فلسطين والقدس جزء من عقيدة أمة.. أمة لن تموت رغم كل الضربات التي نزلت بها ولا زالت تتوالى عليها من العدو والصديق، من الداخل والخارج، بل إن تلك الضربات تزيدنا قوة وتمنحنا شدة التماسك والتلاصق، وأعظم القوة في الوحدة والترابط وعودة اللحمة بين أبناء الأمة الواحدة التي يجمعها رب واحد ورسول واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة في الصلاة خمس مرات كل يوم، ووعد حق في القرآن المبين (وإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ) (الصافات:173)
الإيمان طريق النصر والنجاح:
يقول الإمام البنا رحمه الله: "إذا وجد الإيمان وجدت عوامل النجاح"
إن حجر الزاوية في تحقيق النصر يكمن في الارتكاز على العقيدة الإسلامية والصدور عنها، وبذلك نحقق شرط النصر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وقوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
إن الإيمان يزود أصحابه بالتوكل على الله تعالى، والارتكان إلى قوته، والاستناد إلى خزائنه، كما أنه يمنحه الإيمان بالحق، والاعتداد بالنفس، والحفاظ على الكرامة، والتقديس للشرف، والإباء للضيم، والإصرار على التضحية والفداء، والاستخفاف بالظلم والظالمين، والمسلمون وإن نَزُر حظهم من القوى المادية، إلا أن الله عز وجل أمرهم بإحسان الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأسباب (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ومَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (الأنفال:60)، بالإضافة إلى أن حظهم موفور من القوى الروحية التي لا يستهين بها إلا مغرور.
قوة الترابط ووحدة البنيان:
والإيمان يصهر أبناءه في بوتقة واحدة، ويجعل من الجنسيات المتعددة، والألوان المختلفة، والطبقات المتفاوتة، والأقطار المتباعدة، جسداً واحداً، وبناءً مرصوصاً، وأمة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم..
وإن هذا الاتحاد وتلك الوحدة، لهي من أعظم القوى في مواجهة الأعداء، ومن ثمَّ يدرك سر حرص الأعداء على تفريقنا وإشعال الخصومة بيننا وشعاره الذي يرفعه وهو يحل في ديارنا مستعمراً "فرق تسد" ؛ ولهذا كان حقاً على المسلمين أن يرفعوا شعار: "تعالوا لنتحد"، فبذلك ننهض بأمتنا، ونسترد المقدسات والديار المسلوبة، ونأخذ المكان اللائق بنا كخير أمة أخرجت للناس.
وألفة القلوب وترابطها من النعم التي امتن الله عز وجل بها على أهل بدر قال الله سبحانه (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) (الأنفال: 63).
ونحن نهيب بأهل فلسطين أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وأن يتحدوا فيما بينهم على الهدف الأعظم ألا وهو تحرير الوطن وعودة اللاجئين وتطهير المقدسات من دنس الصهاينة ورجسهم، وأن يتفقوا على أن كل طريق لا يؤدي بهم إلى هذا الهدف ينبذوه خلف ظهرهم ولا يتبعوا سبل الشيطان.
وإن المسلمين اليوم في حاجة إلى العود الحميد والسريع إلى الإيمان الصادق، كما أنهم في حاجة ماسة إلى نبذ الخلاف والشقاق، والتآلف فيما بينهم والتمسك بكتاب ربهم، والتعرف على أعدائهم من خلاله، ورسم خطط المواجهة مع عدوهم انطلاقاً من ثوابت الإيمان التي لا تتغير ولا تتبدل ولو فعلوا ذلك لمكن الله لهم في الأرض (ولَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105) وما ذلك على الله بعزيز.
وإذا كانت فلسطين مصدرًا للألم في الأمس، فإنها معقد الأمل غدًا، وإن سيطرة الصهاينة على فلسطين والقدس يمثل أقسى آلام أمتنا العربية والإسلامية، ويمثل منتهى الهوان والضعف، ولكنه في الوقت نفسه أهم حوافز التحدي وشحذ الهمم وهو طريق للأمل الواعد بتوحيد جهود الأمة، على طريق الإيمان بالله والجهاد في سبيله، ليكتب لها النصر المبين، وصدق الله العظيم حين قال (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: 47).
وصلى اللهم على سيدنا ومحمد وعلى آله وصحبه وسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.