بدأ مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض, ويعتقد أنه سيؤدي إلي تخفيض سقوفها, تحت ضغوط روسية وعربية, وليس مستبعدا أن ينتج عنه كيان معارض جديد يقبل ببقاء الأسد في السلطة. بعد تأجيل عدة مرات, بدأ مؤتمر للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض برعاية سعودية, واهتمام روسي بالغ, بهدف تشكيل هيئة معارضة جديدة بديلة عن الهيئة العليا للمفاوضات, تضم المعارضة السورية التقليدية المعترف بها دوليا, بالإضافة إلي مجموعات من المعارضة السورية يطلق عليها اسم منصة موسكو ومنصة القاهرة, فضلا عن عدد كبير من المستقلين. وجهت الدعوة لحضور المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام إلي نحو150 شخصية سورية, بعضهم من المعارضين المعروفين, وغالبيتهم من غير المعروفين, وأكثر من ربعهم من النساء, وتم تجاوز كل الهيئات والتكتلات السورية المعارضة خلال التحضير لهذا المؤتمر, وعلي رأسها ائتلاف قوي الثورة والمعارضة السورية المعترف بها دوليا كممثل للمعارضة والهيئة العليا للمفاوضات المعترف بها دوليا كوفد مفاوض في مؤتمر جنيف, ولم تستشر هذه الهيئات, ولم يقدم لها جدول أعمال ولا برنامج للمؤتمر, كما أنها أرغمت علي القبول بانضمام منصة موسكو التي تصفها كل قوي المعارضة السورية بأنها منصة قريبة من النظام وصنيعة روسية, وتوجه لها اتهامات بأنها تقبل طروحات النظام وتتماشي معها, خاصة لأنها تقبل ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم خلال المرحلة الانتقالية, ولا تريد تنحيه إلا بانتخابات. وفق نص الدعوة, فإنها تهدف لأمرين: الأول إيجاد إطار تمثيلي جديد للمعارضة السورية, يضم منصات وكتلا وشخصيات جديدة, والثاني إيجاد ثوابت جديدة للحل السياسي في سوريا, ثوابت مختلفة في الغالب عن بيان جنيف2 الذي تتمسك به كل المعارضات السورية عدا منصة موسكو. رحبت روسيا بمؤتمر الرياض2, وشجعت عليه, شرط عقده من أجل إدماج المنصات وشخصيات أخري مع الهيئة العليا للمفاوضات, ليتم تشكيل وفد موحد يمثل كل المعارضات السورية ليشارك في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف المرتقب انعقادها قبل نهاية الشهر الجاري. المعارضة السورية كانت رخوة في مواقفها بشكل عام, ولم يصدر عنها ما يفيد بأنها ترفض هذه الإجراءات, بل وصدر عن الهيئة العليا للمفاوضات بيان أشارت فيه إلي أنها مع التوسعة وضم المنصات للوفد المفاوض, وخلا البيان من المطالبة بتنحية الأسد من منصبه, ولم تشترط عدم مشاركته في المرحلة الانتقالية أو بعدها, كما كانت تشترط في كل وقت سابق. لا مشكلة بين كتل وتيارات المعارضة السورية ومنصة القاهرة, فإستراتيجياتها وسياساتها العامة متقاربة إلي حد بعيد مع سياسات ورؤي الهيئة العلي للمفاوضات, وهي تريد تغييرا سياسيا جذريا في سوريا بالاستناد إلي بيان جنيف1 لعام2012 والذي يقضي بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة, أي لا تمنح للرئيس وأركان نظامه أي صلاحيات قابضة, وهو البيان الذي لم ينفذ رغم مرور5 سنوات علي صدوره والموافقة عليه من الدول الخمس الكبري ومن الدول الأوروبية وأهم الدول العربية التي لها علاقة بالشأن السوري, بسبب رفض روسيا الضمني له وإدراكها أن تطبيقه سيؤدي عمليا إلي سقوط النظام السوري وتغيير بنظام آخر لا تعرف موسكو مدي قدرتها علي السيطرة عليه كما هو الحال مع النظام الحالي. كذلك, يمكن تجاوزا اعتبار أن ضم منصة موسكو ليس هو المشكلة الأساس, فعدد مقاعد هذه المنصة في مؤتمر الرياض2 هو7 مقاعد من إجمالي150 مقعدا, أي أنهم لم يصلوا إلي7% من الأصوات, بالتالي للمعارضة الأخري القدرة علي تعطيل أو فرض أي قرار إن تحالف جزء منها مع بعضه, وسيكون لمنصة موسكو نفس نسبة التمثيل في أي وفد مفاوض. المشكلة الأساسية في مؤتمر الرياض2 للمعارضة السورية هو أن أكثر من نصف المدعوين من المستقلين, غير المنسجمين, الغالبية العظمي منهم لا يعرفون بعضهم البعض, وليس بينهم أي تنسيق أو توافق, ولا أحد يعرف توجهات هذا العدد الكبير من المستقلين, ومن المؤكد, وفق تجارب سابقة مر بها السوريون في أكثر من مؤتمر توحيدي للتيارات, فإن هذا العدد الكبير من المستقلين سيصطدمون مع بعضهم ويختلفون ويتناوشون, ولن يكون لهم رأي واحد, ولن يمكن جمعهم علي تأييد رأي واحد, وهذا بدوره سيؤثر علي كل المؤتمر ويدفع رعاته لفرض الأمر الواقع علي جميع الحضور وتمرير القرارات التي لن تستطيع بأي حال الحصول علي نصف أصوات الحضور مهما كانت, ويمكن الجزم بأن النتائج ستكون محزنة بالنسبة للمتمسكين بأهداف الثورة السورية, ومعاكسة لرغبات المتمسكين بضرورة إجراء تغير سياسي شامل وجذري في سوريا. يأتي مؤتمر الرياض2 قبيل أيام من عقد الروس مؤتمر( سوتشي) الذي سيدعون له نحو1500 من السوريين, نصفهم موالي للنظام ونصفهم من كل أطيف الشعب السوري, معارضة ووسطيين, من كل الأديان والمذاهب والقوميات, ومن شيوخ العشائر والمثقفين والناشطين, وهو مؤتمر رفضته المعارضة السورية التقليدية, لكم في الغالب الأعم ستوافق عليه الهيئة الجديدة التي ستنتج عن مؤتمر الرياض2, وهذه ستكون بعض حسنات المؤتمر بالنسبة للروس, ولهذا يدعو عقده بقوة. يعول الكثير من السوريين المعارضين للنظام علي أن السعودية التي قدمت للمعارضة السورية طوال سبع سنوات الكثير من الدعم السياسي والمالي والعسكري, ويأملون أن رياح التغيير والتحديث التي تقودها السعودية لتقليم أظافر ومخالب إيران في المنطقة ستكون جادة, ولن تغير موقفها من النظام السوري, ولن تضغط علي المعارضة السورية المجتمعة في الرياض للتنازل إلي الدرجة التي تجبره علي التصالح مع النظام والروس والإيرانيين. لكن البعض يرون أن الأمر قد يكون عكسيا تماما بالنسبة للسعوديين, وفي هذا السياق, قال المعارض السوري سعيد مقبل: قد يكون السعوديون أكثر كرما مع الروس, ليس حبا بهم, وليس رغبة بالتحالف معهم علي حساب تقليص العلاقة مع الولاياتالمتحدة, كم فعلت تركيا, وإنما لوضع حد للتمدد الإيراني في سوريا والمنطقة من خلال إرضاء شبه نسبي للروس في مخرجات المؤتمر, خاصة علي صعيد شكل تمثيل المعارضة السورية سياسيا, بغية استمالة الروس لرفع الغطاء ولو نسبيا عن إيران وحزب الله وميليشيات الحشد الشعبي العراقية, لكنه أضاف هذا له حدان, الأول أن يصلح هذا التوقع مع الروس, والثاني أن يجعل الروس ومن خلفهم الإيرانيين يحكمون السيطرة علي الملف السوري تماما, سياسيا وعسكريا, بعدها ستعمل روسيا علي تحويل مؤتمر( سوتشي) المرتقب إلي بديل عن مؤتمر جنيف, وسيصدر عنه قرارات تطيح بكل قرارات مؤتمرات جنيف والقرارات الأممية المرتبطة بها, ما يعني حكما انتهاء الثورة السورية, وبدء إعادة تأهيل الأسد ونظامه بعد دمار سوريا. عقاب يحيي, القيادي في ائتلاف المعارضة السورية, والمدعو للمؤتمر, قال: يجري الحديث عن أن الجهات المنظمة ومن خلفهم القوي الدولية الفاعلة, والمحسوبين علي أنهم أصدقاء الشعب السوري, سيسعون لتبديل الفقرة الخاصة برفض أي دور للأسد وكبار رموز نظامه في المرحلة الانتقالية, بأخري ملتبسة, وقابلة لعدد من التفسيرات, لكن سقوف الأغلبية الساحقة من المشاركين مرتفعة, ولن يقبلوا التنازل عن التحديد الواضح لدور وموقع الأسد, وانتهاء وضعه تماما مع بدء المرحلة الانتقالية, والشروع الفوري في مفاوضات الحل السياسي الرامية إلي إنهاء نظام الفئوية والاستبداد وإقامة النظام التعددي, نظام الدولة المدنية الديمقراطية. المعارضة السورية ضعيفة, وأوشكت أن تخسر المعركة العسكرية بسبب الروس والإيرانيين, ويبدو أنه لم يبق أمامها سوي المعركة السياسية, وعليها أن تبلي بها, وتتخذ مواقف صلبة, خاصة أن موازين القوي الدولية متأرجحة, والأطراف كثر, وموقف المعارضة سيؤثر بنسبة أو أخري في ترجيح الكفة علي اعتبار أنها الممثل المعترف به للطرف الآخر المعارض للنظام, وإن فشلت وتقسمت وتدهورت أوضاعها أكثر مما هي عليه اليوم, فإن روسيا ستمضي في مشروع تأهيل الأسد ببطء, ما قد يقود لحرب كبري تغير كل موازين المنطقة وتوجهاتها الإستراتيجية وطرق إدارتها.