خلال شهر واحد, عقد من أجل سوريا مؤتمران, الأول النسخة الخامسة من مؤتمر أستانة, والثاني النسخة السابعة من مؤتمر جنيف, لم ينتج عنهما أي تقدم علي أي مستوي, ما يدفع للشك بجدوي هذه المؤتمرات. أستانة الخامس في أستانة, أخفقت الدول الثلاث, روسيا وتركيا وإيران, في تحديد مناطق وقف إطلاق النار, وقاطعت هذا الاجتماع, الذي عقد في أستانة في الرابع من الشهر الجاري, جميع فصائل المعارضة السورية المسلحة العاملة في جنوبسوريا, وحاول الروس الضغط علي المعارضة السورية علي أمل تمرير اتفاق يعرقل المخطط الأمريكي الذي بدأت تتضح معالمه شيئا فشيئا خلال الشهرين الأخيرين. حاول الروس ترسيم حدود مناطق تطبق عليها وحدها هدنة طويلة الأمد في سوريا, هدنة تكون مقدمة لحلول سياسية وسطية يفرضها الروس وفق رؤيتهم, لكن خمس جولات في العاصمة الكازاخية لم توصل الروس لغايتهم, ولم يستطع الروس جمع المعارضة والنظام بقاعة واحدة. في أستانة, عجزت روسيا عن جعل مسار أستانة بديلا لمسار جنيف, وأخفقت في تفعيل ما أسمته مناطق منخفضة التوتر, وعجزت عن إرغام المعارضة السورية المسلحة علي الحضور, ولم تستطع أن تقنع المعارضة السورية بأن تقبل بإيران كراعية لأي هدنة أو وقف لإطلاق النار. الفائدة الوحيدة, ربما, لمؤتمر آستانة, هو أنه ظهر الإيراني ضعيفا, لا يتمتع بالسطوة التي يظهر بها الروسي والتركي, فالأول قادر علي التحكم بالنظام السوري وقواته المسلحة, والثاني قادر علي التحكم بالعديد من فصائل المعارضة المسلحة السورية, بينما لا تتحكم إيران إلا بميليشيات غير سورية, لبنانية وعراقية وأفغانية, تملأ الأرض السورية, وتؤيد روسياوإيران خروجها من سوريا في أي اتفاق مرتقب. قد يبدو أن إشراك إيران في مؤتمرات أستانة كضامن للنتائج, هو مجرد تعويض معنوي لإيران, ووسيلة لإخراجها من المعادلة دون أن تظهر ضعيفة منبوذة, لكن في واقع الأمر, إيران ليست من النوع الذي يستسلم, وهي مستعدة لأن تعمل بالخفاء عبر أياد أخطبوطية تمتلكها في المنطقة, وفي العراق ولينان وسوريا علي وجه الخصوص, ومن المشكوك فيه أن تكون الصورة الضعيفة لإيران في أستانة هي الصورة الحقيقية للقدرة الإيرانية, خاصة وأن إيران ماهرة في اللعب في المناطق القلقة في العالم. جنيف السابع لم تحدث مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية, بحلتها السابعة, أي خرق ملفت, ولم تستطع كسر الاستعصاء الذي تعيشه المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام, بل كانت برأي المعارضة السورية غير ذات معني إطلاقا. واتهمت المعارضة السورية النظام بأنه يرفض نهائيا الانخراط في العملية السياسية في جنيف, وما يزال يستخدم ذريعة الإرهاب من أجل التهرب من استحقاقات العملية السياسية, وأيدها نسبيا المبعوث الأممي لسوريا, الذي قال: إن النظام لا يريد أن ييسر المفاوضات. وفيما كان النظام يرفض مناقشة الانتقال السياسي, ناقشت المعارضة السورية مع المبعوث الأممي في المؤتمر مواضيع عدة علي رأسها الانتقال السياسي, القضايا الدستورية, القضايا الانتخابية, ملف الأمن, وإجراءات بناء الثقة, إضافة إلي المبادئ التي ترسم شكل سوريا المستقبل, وقدمت وثائق تؤكد أنها هي التي تحارب الإرهاب وليس النظام من يقوم بذلك, بل هو الذي يدعمه أحيانا بشكل مباشر أو غير مباشر. وقال عضو في الهيئة العليا للمفاوضات, حضر مؤتمر جنيف: كان المبعوث الأممي إلي سوريا ستيفان دي ميستورا يعلم منذ البداية أن هذه الجولة من مؤتمر جنيف لن تفضي إلي أي تقدم في المسار السياسي, لأنه علي دراية تامة بتعنت نظام الأسد الذي لا يريد نقاش أي موضوع يتعلق بالانتقال السياسي, وقد رفض وفد النظام, منذ وصوله إلي جنيف إلي أن غادرها, أن يتحدث بأي موضوع آخر سوي الإرهاب, وكأن الجولة هي جولة بحث في ملف الإرهاب فقط, وقد قدمت المعارضة مئات الوثائق التي تؤكد أن النظام هو رأس الإرهاب في هذا البلد, وبزواله ستزول( داعش) وكل ذيول الإرهاب في سوريا. وتابع: لم تحمل الجولة السابعة في طياتها جدوي أو تقدما, والشيء الإيجابي الوحيد من هذه الجولة هو أن نظام الأسد أكد للعالم أجمع أنه هو الذي يعرقل المفاوضات, وهو الذي يسعي إلي المماطلة, لكن الارتكاز علي إمكان أن يؤثر ذلك علي القضية السورية ضعيف, لأن المجتمع الدولي ليس جادا حتي الآن بمعاقبة من يعرقل المفاوضات, وغير مكترث كثيرا بإنهاء مأساة الشعب السوري. لم ينف وفد النظام هذه الحقيقة, وقال إياد الجعفري رئيس الوفد تحدثنا عن مكافحة الإرهاب في ثلاث جلسات مع المبعوث الأممي, وفي الجلسة الختامية, وشرحنا ضرورة مكافحة الإرهاب, وحثثناه علي نقل مخاوفنا حول الإرهاب إلي مجلس الأمن, مؤكدا أنه لم يتناقش مع المعارضة السورية في جنيف لأنها عميلة لأجندات خارجية وفق قوله. المحصلة النهائية لمفاوضات جنيف, عبر عنها المبعوث الأممي دي مستورا, الذي قال: إن مجمل ما نفعله في جنيف ما هو إلا إجراء مقاربات ممكنة بين وفد النظام ووفد المعارضة, وإعداد الوثائق اللازمة لسوريا المستقبل, تحضيرا لحل محتمل قد يأتي بشكل مفاجئ, وينجم عن توافق دولي لإنهاء المأساة في سوريا. إذا, كان جنيف مجرد لعبة بيد الأطراف للمماطلة وتمرير الوقت, فلا أحد من الدول الفاعلة, وتحديدا روسياوالولاياتالمتحدة, جاد بفرض شروط علي السوريين, سواء المعارضة أو النظام, أو فرض حلول بالقوة, أو حتي إقحام الفصل السادس في أي نقاشات, وبدا عدم اكتراث هذه الدول من مستوي تواجدها في جنيف وضعف تواصلها مع طرفي الصراع السوريين الحاضرين لهذا المؤتمر. بدائل علي هامش فشل أستانة وجنيف, وترجيح فشل نسخهما المقبلة, المفترض عقدها الشهر المقبل, ربما, ظهرت بدائل, يبدو أنها عملية وأكثر جدية, لكنها لا تستند نهائيا إلي البادئ التي يعمل عليها مؤتمر جنيف, أو أستانة, أي بدائل جديدة تقلب الموازين والخطط, وتقترح حلولا تبدأ من الصفر, يعتقد أنها محاولات لتقويض مبادئ جنيف التي وضعت قبل خمس سنوات عام2012, والتي تقضي بتشكيل حكومة سورية انتقالية جديدة ذات صلاحيات كاملة, وهو المبدأ الذي وضع قبل أن تتدخل روسيا عسكريا في سوريا, وقبل أن تتدهور أوضاع المعارضة السورية المسلحة وتنقسم وتخسر الكثير من المناطق. البديل الأول ظهر عندما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في8 من الشهر الجاري من مدينة هامبورغ الألمانية, بعد لقاء بين الرئيسين الأمريكي والروسي علي هامش قمة مجموعة العشرين, عن توصل الرئيسين إلي اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوبسوريا, دخل حيز التنفيذ بعد الإعلان بأيام. البديل الثاني ظهر عندما أعلن الفرنسيون أن لديهم مبادرة يتشاورون فيها مع الأمريكيين تتمثل بإنشاء مجموعة اتصال دولية لصياغة خارطة طريق حول مستقبل سوريا, يشارك فيها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي, وممثلون عن النظام السوري والمعارضة والأطراف الإقليمية, ويبدو أن هذه المبادرة تحظي- علي ما يبدو- بموافقة أولية روسية. علي هامش أستانة, وجنيف, مازالت المحاولات جارية لتوحيد المعارضة السورية, وتشكيل فريق مفاوض واحد, مؤلف من الهيئة العليا للمفاوضات, كمكون أساس ورئيس, وكل من منصتي القاهرةوموسكو, ويبدو أن إشراك منصة القاهرة بات مقبولا من المعارضة السورية, أما إشراك منصة موسكو فهو أمر عسير, لأن إشراكها سيقوض المعارضة ويؤدي إلي خلخلة تركيبتها, وتغيير مطالبها, بسبب قرب هذه المنصة من موسكو ومن النظام السوري, ويبدو أن موسكو والأمم المتحدة تسعيان بجدية لتحقيق هذا الأمر لإحداث خرق في المعارضة السورية, ودفعها لتخفيف مطالبها وقبولها بالتالي أي حلول وسطية يمكن أن تطرح تبقي النظام السوري موجودا وقائما. تعول الأطراف الإقليمية والدولية الآن, وبعض الأطراف السورية, علي اجتماع زعماء العالم المزمع عقده في أكتوبر المقبل لمناقشة مكافحة الإرهاب, ويأملون أن يكون هذا المؤتمر حاملا لحلول عملية للإرهاب المنطلق من الشرق الأوسط, ما يعني أنه سيحمل حلولا للأزمة السورية المولدة للإرهاب. حتي الآن, لم تستطع مؤتمرات أستانة, ولا مؤتمرات جنيف, تقريب السلام المنشود في سوريا سنتيمترا واحدا, بل أصبحت وسيلة ضغط مستمر علي المعارضة السورية, من قبل الأطراف الدولية والإقليمية, وخاصة تلك التي بدأت المعارضة السورية تشهد تراجعا حادا في مواقفها, وتضييقا علي المعارضة مقابل تقارب مع النظام وسكوت عن أفعاله العنيفة, وهذا يخلق حالة من التشاؤم لدي المعارضين للنظام السوري. يقول يحيي عقاب, عضو ائتلاف قوي الثورة والمعارضة علي الرغم من توجه غالبية المحللين السياسيين في الولاياتالمتحدة وأوروبا, خلال الأعوام الستة الماضية, إلي تحميل نظام الأسد مسئولية الجرائم وحرب الإبادة المنتهجة, وتحميل البعض الآخر إدارة الرئيس الأسبق أوباما مسئولية التقصير, وترك الهامش الأكبر لنظام الأسد وموسكو وطهران للمضي قدما بالمجازر والدمار, فإن مسيرة المفاوضات والحديث عن عملية سلام في سوريا, لا تقطع يد إرهاب النظام أولا, ولا تأخذ تطلعات السوريين وحقوقهم بالحرية والعدالة والديمقراطية ثانيا, ستبقي كلها المناورات الغربية غير مجدية. ويخشي السوريون أن يحضروا في وقت لاحق مؤتمر أستانة العائر, ومؤتمر جنيف العشرين, فيما يستمر تدمير الدولة والجغرافيا والديموغرافيا السورية, وأن تستمر المؤتمرات الدولية التي يتم الحديث عنها كثيرا ومنحها اهتماما إعلاميا كبيرا, وفي نفس الوقت لا تقدم أي شيء.