ما بين دموع الحزن التي سالت علي خدي ذلك الشاب الجالس مع آلاف المتفرجين في مدرجات استاد برج العرب وهي الدموع التي تفجرت من عينيه عندما احتضنت شبكة المنتخب هدف التعادل في مباراتنا المصيرية مع الكونغو, وما بين انكفاء محمد صلاح علي وجهه أسي ولوعة ثم وقفته الشامخة مستعيدا كبرياءه زاعقا بصوت جهوري يسترجع به همم زملائه باثا العزم في قلوبهم, وأنه لابد من التحلي بالقدرة علي الصمود والكفاح حتي آخر ثانية لاجتلاب الفوز, وما بين كلمات جاءت علي لسان المعلق القدير كابتن مدحت شلبي يرطب بها أعصاب الملايين الذين كانوا يتابعون المباراة عبر الشاشة مرددا أن الأمل لا يزال معقودا علي قدرة المنتخب بإذن الله علي الوصول إلي موسكو من خلال اللقاء الأخير أمام غانا طالما لا سمح الله هكذا قال إذا ما انتهت مباراتنا مع الكونغو بالتعادل ثم ختم كلامه بدعاء طالب من الجميع أن يرددوه وهو قولوا يارب ثم ما بين الكرة وأعاجيبها ومفاجآتها, والتي منها هذا العرض الذي قدمه فريق الكونغو, وكأنه يقاتل علي صدارة المجموعة في حين أن رصيده نقطة وحيدة من تعادل, وثلاث هزائم ثم مفاجآتها الكبري أن يمن الله علينا بضربة جزاء تحقق منها الفوز, وفي اعتقادي بل وإيماني بأن المولي عز وجل لن يخذلنا كانت عنايته سبحانه وتعالي صاحبة القول الفصل والكلمة العليا فكان النصر المبين الذي جعل الشاب المعاق الذي يمشي علي عكاز بسبب فقده لإحدي رجليه يقوم بحركة من حركات رياضية الجمباز لا يؤديها إلا أبطال هذه الرياضة المتفوقون في جهاز المتوازيين, ولم يكن هذا الشاب وحيدا في فرحته فقد تملكت الفرحة قلوب الملايين حيث طافت مواكبهم شوارع وميادين مدن وعواصم المحافظات كما انطلقت السيارات بأعداد ليس لها حصر تطلق أبواقها تعبيرا عن السعادة والفرحة, ولكن أحدا منا لم يشاهد عبر الشاشات الفرحة التي عمت القري والنجوع خاصة تلك التي تقع في الصعيد الجواني فما أن أعلن الحكم نهاية اللقاء حتي فاجأني التليفون يرن في إلحاح, وعلي الطرف الآخر جاءني صوت واحد من أبناء قريتي يقول أسمع كده. كانت طلقات البنادق تدوي كما هي عادة الصعايدة عندما يحتفلون بأفراحهم, ولم تكن قريتي هي الوحيدة في التعبير عن الفرحة بل كان رصاص البنادق يدوي في غدير القري والنجوع, وكما أثلج لاعبو المنتخب صدورنا بالفوز فإن مصر شعبا ورئيسا لم ينسوا لهم جهدهم وعرقهم الذي بذلوه لإسعادنا فكان الاستقبال الحافل والتكريم المستحق لهم الذي لقيه اللاعبون ممثلا في استقبال السيد الرئيس لهم صباح ليلة الفوز شاكرا لهم ومتمنيا لهم الفوز في المونديال, وهو ما يجب أن نؤكد عليه من الآن آملين أن يبدو المنتخب متألقا عندما تسلط عليه الأضواء العالمية وهو يلعب في روسيا, وفي الظن أن برنامج إعداد المنتخب للمونديال سيكون الشغل الشاغل للكابتن هاني أبو ريدة الذي حجز من الآن فترة رياسة ثانية ودون منافس جالسا علي مقعد الصدارة في الجبلاية لأنه من العيب أن يتقدم شخص ما لينافسه في الانتخابات بعد أن نجحت سياسته التي أوصلتنا إلي المونديال, ولقد صفقت له وهو يصرح ردا علي من يقولون برحيل كوبر قائلا نحن شعب أصيل لا يعرف الغدر, وكيف لمدرب أسعدنا وأهلنا لكأس العالم بعد غياب28 سنة أن نتخلي عنه, ونقول له كفاية كده, ولا شك أن الاتحاد سيوفر برنامج إعداد قوي للمنتخب مع أمل ألا يعود إلي سياسات قديمة كانت تقول بتوقف المسابقة المحلية الآن استعدادا للمونديال فالدوري هو المحك الذي يفرز أفضل اللاعبين. وأخيرا نقول إن ما حدث يوم الثامن من أكتوبر يعتبر يوما من أيام التاريخ سنحتفل به كرويا كما نحتفل بأيام أكتوبر عسكريا, وسيكون مثار ذكريات تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل, وسنسعد بها الأجيال التي هي الآن في سن الطفولة, والتي لم تولد بعد, وستكون هناك أهازيج تحكي قصة لاعب موهوب تجاوزت شهرته حدود مصر وقارته الإفريقية, وأصبح لاعبا يتحدث عنه العالم أجمع ثم لا ننسي الدرس المستفاد من المباراة وهو درس يقول بعدم اليأس وألا نفقد الأمل حتي آخر ثانية, وأن يكون العطاء والبذل إلي آخر رمق.