السنوات الأخيرة وتحديدا من ثورة يناير وللآن وقعت حوادث كان الشهداء والقتلي بالعشرات وفي حوادث بالمئات, كثرة العدد ونشر صور الجثث والأشلاء والدماء في الصحف وعرضها علي الشاشات وتكرار ذلك أفقد البعض الإحساس باحترام حرمة الموتي ومراعاة مشاعر ذويهم, وأفقد بعض الإعلاميين صوابهم يعرضون مايصل إليهم من تسريبات وتسجيلات دون عرضها علي عقولهم أولا إن كان لديهم عقول تعي, وعرضها علي فنيين متخصصين قادرين علي تحديد مدي صحته, وحتي إن كان التسريب والتسجيل صحيحا فلابد من معرفة تأثيره علي الجمهور قبل عرضه وسط وصلة من الصراخ والهيستريا. في حادث الواحات صعدت أرواح الشهداء لبارئها ولن يعوض ذويهم إلا وعد الله للشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ووعده للصابرين بالوفاء بالأجر بغير حساب. صعدت أرواح الشهداء وسقط الكثيرون, والمؤكد أن الشهداءعرفوا كيف يموتون عرفوا أن في الشهادة حياة. ذهبت لأداء واجب العزاء لوفاة صديق في قاعة داخل مسجد شهير بمدينة نصر, لاحظت وجود كاميرات تصوير فوتغرافي وتصوير فيديو وحالة من الهرج لاتتسق وجلال الموت,ثم شاهدت نجوم سياسة وفن, قلت في نفسي كل هؤلاء جاءوا للعزاء في صديقنا السؤال نفسه نطقت به ابنة المتوفي قائلة ببراءة هو بابا كان يعرف كل دول, دقائق وأدركنا أن كل النجوم وكل الكاميرات لم تكن لعزاء صديقنا, وإنما للعزاء في والدة فنانة مشهورة في قاعة مجاورة, وتذكرت القصة الشهيرة الخاصة بوفاة كلب الوزير ثم وفاة الوزير نفسه,وتذكرت نجوما كبارا مشي في جنازتهم عدد لايتجاوز أصابع اليدين...جنازة الرائد المسرحي زكي طليمات بشهادة الكاتب الراحل سعد الدين وهبه في كتاب له-حضرها20 شخصا,وهو الذي تتلمذ علي يديه مئات الفنانين. ومن ملاحظاتي علي العزاءات التي أحضرها, إنها تحولت لمنتديات للحوار والنقاش, ومهرجان لاستعراض المجوهرات وشياكة الملابس السوداء بعضها يقترب من السواريه, وفرصة للقاء أقارب لم يلتقوا منذ سنوات, فقد العزاء الهدف والفكرة منه وهو التخفيف من أحزان أهل المتوفي ومواساتهم. للكاتب الراحل توفيق الحكيم مسرحية اسمها( عرف كيف يموت)تحكي المسرحية قصة زعيم سياسي شغلته جنازته بعد وفاته فجهز بنفسه طقوس جنازته كيف تكون ومن يسير أولا وخط السير وصيغة النعي, وكانت نهايته الموت غرقا ولم تحدث الجنازة التي حلم وخطط لها. بطل مسرحية عرف كيف يموتيوجد مثله كثيرون يهتمون بطقوس الجنازات ويعتبرونها جزءا من البرستيجوالمكانة الاجتماعية للمتوفي وعائلته, انعكس ذلك علي كل مايتصل بالموت من المقابر التي أصبح منها مايشبه الكمبوند بأسوار عالية, وحتي المقرئ ومستوي الفراشة, الاحتفاء بالموت تقليد ورثه المصريون عن الفراعنة الذين شيدوا المقابر وكانت فلسفتهم إنها لحفظ الموتي وليس لدفنهم. الأديب الراحل يحيي حقي اختار طريقة مختلفة وعرف كيف يموت أوصي أن يدفن بغير جنازة, وألا يدعي أحد للسير خلف جثمانه احترمت ابنته وصيته فلم يعرف أحد بموته إلا بعد تشييع جنازته. [email protected]