كثيرة هي الصفحات التي سودتها أقلام المراقبين والمحللين, حول الحراك الراهن علي صعيد ما يسمي باالمصالحة الفلسطينية. حيث راحت معظم تلك التحليلات تؤكد أن الحراك الراهن هو وثيق الارتباط بالجهود الأميركية الرامية لإحياء عملية السلام. وأن تلك المحاولات التي تبذل الآن من أجل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني, إنما تأتي في سياق تعبيد الطريق أمام ما يسمي باصفقة القرن وما يقال بشأن مشروع ترامب والتي يعتقد أصحاب تلك الكتابات أن مسئولين أمريكيين طافوا مؤخرا عواصم المنطقة, لاستكمال عناصره وترويجه واستطلاع فرص نجاحة واحتمالات فشله. مثل هذه الكتابات وتلك المقاربات, تنقصها الدلائل والبراهين.. ويكفي الإشارة هنا إلي ما يلي: أولا: أنه ما يزال من المبكر, حتي هذه اللحظة, ورغم كل ما يقال, الحديث عن رفع الفيتو الأميركي الإسرائيلي عن المصالحة... فما توافقت عليه إسرائيل وأميركا هو عودة السلطة إلي غزة, وعزل حماس, وهذا شيء يختلف تماما عن المصالحة. وهنا علينا أن نلاحظ أن هناك فرقا كبيرا بين الإجماع الدولي علي منع انفجار غزة( وما يقتضيه ذلك من عودة السلطة إلي القطاع), وبين المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية, التي تعني وحدة الأرض والشعب والمؤسسة والبرنامج, وهو أمر ما تزال تختلف عليه( وعلي شروطه) ليست الأطراف الفلسطينية وفقط, بل العربية والإقليمية والدولية أيضا. ثانيا: أن السيناريوهات المفتوحة والمتعددة بشأن مآلات تلك الخطوة, أي المصالحة, علي الصعيد الفلسطيني, يصعب معها الجزم بطبيعة التأثير الذي ستحدثه علي صعيد الحراك بشأن التسوية!! بعبارة أخري, إتمام عودة السلطة إلي غزة, وتراجع حماس خطوة أو خطوتين إلي الخلف.. لا نعلم بشكل جازم إذا ما كانت ستخلق معادلة فلسطينية ستكون في مواجهة مشروع ترامب المفترض, أم معادلةب لتسهيل هذا المشروع وجعله ممكنا؟؟ المقصد إذن, أن الحراك الأمريكي بشأن التسوية, إذا كان يصلح أن يكون حافزا من الحوافز التي دفعت الفريقين إلي إعادة النظر في الحسابات الخاصة بكل منهما تجاه المصالحة, إلا أنه لا يكفي وحده لتفسير التقدم الحاصل علي هذا الطريق...وبناء عليه فإننا معنيون في هذا التحليل بالإجابة علي التساؤل المتعلق بحسابات الأطراف الفلسطينية إزاء ملف المصالحة, وما العراقيل التي تقف أمامه؟ كذلك السيناريوهات المحتملة في ظل هذه التطورات؟ وهنا تتعين الإشارة إلي أن المصالحة الفلسطينية, ما كانت لتقطع أولي خطواتها بنجاح, علي النحو الذي شهدناه في مباحثات القاهرة يومي11,10 أكتوبر الجاري, لولا توفر دوافع قوية لدي قطبي الانقسام, والوسيط المصري علي حد سواء... دوافع جعلت من الوساطة حاجة ملحة, ومكنت في ذات الوقت حركتي فتح وحماس من تذليل عقبات لطالما لم تنجح محاولات عديدة سابقة في تذليلها. بالطبع, تختلف حسابات طرفي الانقسام ودوافعهما إزاء الحراك بشأن المصالحة, فالفصيلان كانا قد وصلا إلي مرحلة الانسداد الكامل في يونيو2007 حول كيفية حكم الأراضي الفلسطيني. ومنذ ذلك الحين كثيرا ما التقيا في القاهرة( وأحيانا في عواصم أخري) للتعاطي مع الخلافات بينهما. ومع ذلك, نادرا ما توصلا إلي نتائج حاسمة ونهائية. وربما لهذا السبب يفضل البعض عدم المبالغة في تقدير نتائج الحراك التي تشهده القاهرة في هذه الآونة, انطلاقا من أن الهوة بين فتح وحماس ما تزال عميقة. لكن واقع الأمر أن المفاوضات هذه المرة تبدو مختلفة, وهنا تجدر الإشارة إلي أن مشهد الثالث من أكتوبر الجاري, الذي تضمن لقاء مجلس الوزراء الفلسطيني( الأول في غزة منذ3 سنوات) تطلب الإعداد له جهود تنظيمية كبيرة من كلا الجانبين. والأكثر من ذلك, أن زيارة مدير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي للقطاع, علي رأس وفد أمني رفيع, ولقاءه بقيادة حماس في مقر قيادة الحركة, يشير إلي رفع مستوي الإشراف المصري( في إطار الاتفاق الأمني الوليد) مقابل تنازلات لقيادة حماس, مثل عبور معبر رفح بشكل أكثر انتظاما. ومن ناحية أخري, هناك بالفعل مؤشرات علي أن الضغط الذي يدفع كلا الطرفين, أي فتح وحماس, إلي طاولة المفاوضات, أقوي اليوم مما كان في الماضي. فمن ناحية حماس, يبدو المحرك الرئيس لخطواتها باتجاه المصالحة, يتصل أساسا بمأزقها في قطاع غزة, ومأزق القطاع تحت قيادتها. أولا, حماس الآن واقعة تحت ضغط أكبر من ذي قبل كي تصمد داخليا, وتفي بمطالب رعاتها في الخارج. فداخليا, وصل التراجع الاقتصادي داخل القطاع إلي نقطة يخشي معها مسؤولو حماس فقدان السيطرة علي الشارع. وعلي الصعيد الإقليمي, تأتي مئات الملايين من الدولارات لإعادة الإعمار بعد الحروب المدمرة في2012,2008 و2014 من البلدان الأغني في الشرق الأوسط. وتواجه هذه البلدان ضغطا دوليا كي تجلب الأطراف الفلسطينية إلي مائدة المفاوضات. ولهذا تشعر حماس أنها مجبرة علي تعزيز علاقات صحية مع مانحيها. وثانيا: فقد صعد مؤخرا, في داخل حماس جيل جديد من القيادة يرغب في ضمان بقاء الحركة علي المدي الطويل, حتي ولو علي حساب طبيعة الدور الذي تلعبه حماس منذ عشر سنوات في قطاع غزة. هذه القيادة الجديدة ترغب في التفاوض مع فتح أكثر من ذي قبل. ومن ناحية فتح: أولا: تشعر الحركة التي تسيطر علي السلطة الفلسطينية بالضعف والانكشاف بسبب الدعم الكثيف الذي تتلقاه إسرائيل من قبل الإدارة الأمريكية. بعبارة أخري, يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس, في هذه الآونة, يدرك المآلات الصعبة التي انتهي إليها خيار التفاوض, وهو يعرف ما ينتظره من ترامب وإدارته. ومن ثم هو يتهيأ لتعزيز أوراقه; سواء لجهة تحسين شروط صفقة القرن, أو لجهة توزيع المسئولية عن نتائجها غير المرضية( كما هو متوقع) علي الفصائل الفلسطينية,وعلي الأطراف العربية أيضا.ثانيا: ثمة اضطرابات وصراعات في داخل حركة فتح ذاتها, إذ تدفع تيارات في داخل الحركة بخطط انتقال سياسي قد تكون علي حساب الحرس القديم الحاكم حاليا. ولهذا, وفي مواجهة خطر احتمال فقدان السلطة, ربما يرغب قادة الحركة( من الحرس القديم) حاليا في التقدم علي صعيد علاقات الحركة, كوسيلة للبرهنة علي أنها كيان حاكم وقادر. باختصار, يشير التواجد المصري, والاهتمام الدولي التالي, في غزة, علي النحو الذي شهدناه في الثالث من أكتوبر الجاري, إلي أن فتح وحماس ملتزمتان بشكل أعمق بالتقدم علي صعيد المصالحة أكثر من ذي قبل.وأنهما ربما تكونان علي شفا اتفاق تقاسم سلطة مؤقت ولكن فاعل.