بنت عمرها12 سنة, نحملها مسئولية زواج وبيت.. إحنا قاسيين أوي علي بناتنا توقفت كثيرا أمام هذه العبارة الصادمة للرئيس السيسي خلال احتفال مصر بتعداد2017, وتبادر إلي ذهني هذا التساؤل: لماذا عجزنا طوال العقود الطويلة الماضية عن مواجهة غول الانفجار السكاني الذي يلتهم ثمار التنمية ؟ وكان سببا رئيسيا في انتشار سرطان العشوائيات بما يخلفه من بؤر صديدية يصعب علاجها, ومن ضغط غير مسبوق علي المرافق والخدمات, ومن عادات غريبة علي المجتمع, منها علي سبيل المثال, زواج القاصرات تحت وطأة الفقر والجهل والتخلف, ناهيك عما أفرزه الزحام بالشوارع والمواصلات العامة من سلوكيات شاذة أبرزها سرعة الانفعال والغضب والعنف والعدوان اللفظي والبدني واعتلال الحالة المزاجية لدي الكثير من المصريين. وبصراحة أقول: لقد فشلنا فشلا ذريعا في مواجهة غول الزيادة السكانية لعدة أسباب, أولها: التخبط وعدم وضوح الرؤية, وكان من نتيجة ذلك حدوث بلبلة بين المصريين, بسبب ما يشاهدونه ويرونه من فتاوي السلفيين, التي تقول إن تحديد النسل حرام شرعا, وبين الخطاب الديني المعتدل الذي يجيز تنظيم النسل, وثانيها: المقارنة الظالمة التي يقوم بها البعض بين مصر والدول ذات التعداد السكاني الكبير, كالصين والهند, متناسين أن هذه الدول قامت بإجراءات في منتهي القسوة للسيطرة علي الزيادة السكانية, ومنها الطفل الأوحد في الصين, إلي أن حققت معدلات تنمية مرتفعة جدا, وثالثها: يجب أن تكون هناك قناعة لدي الجميع من حكومة وأفراد ومثقفين ودعاة ومعلمين وإعلام ومؤسسات مجتمع مدني, أن الزيادة السكانية هي أم المشكلات, وإنه لا أمل في المستقبل في ظل هذه الزيادة الرهيبة. وبالرغم من وجاهة المطالبة باستغلال الثروة البشرية وتوظيفها بطريقة علمية لتحقيق التنمية المنشودة, إلا إننا يجب أن نعرف مكونات هذه الثروة البشرية, فهناك في مصر وفقا للتعداد الأخير8,28 مليون غير ملتحقين بالتعليم, وبلغ عدد المتزوجين أقل من18 عاما3,18 مليون نسمة, فالحل العاجل الآن هو السيطرة علي فيضان الزيادة السكانية بتنظيمه, إلي أن نصل إلي مرحلة متقدمة يتم خلالها تخريج أجيال جديدة من المصريين مؤهلة علميا وتدريبيا وفقا لحاجة سوق العمل, وليس كما هو حادث الآن من إخراج طوفان من البشر غير مؤهل أو مسلح بالعلم أو بالخبرة, والنتيجة كما نراها الآن عمالة زائدة ومقنعة وعمال تراحيل ينتشرون علي المقاهي والميادين بشكل غير آدمي. نعم مصر تتخذ خطوات جادة ومتلاحقة, لخلخلة الكثافة السكانية التي تتركز في نحو8% من مساحتها, وتعمل علي وقف سيل الهجرة من الريف إلي القاهرة, بإقامة عاصمة إدارية جديدة, وبناء العشرات من المدن الجديدة, كالعلمين وهضبة الجلالة والإسماعيلية الجديدة, واستصلاح5,1 مليون فدان, وغيرها من المشروعات القومية العملاقة, التي تحاول نشر العمران والتنمية في كل ربوع مصر, إلا أن هذه الجهود ستذهب سدي, طالما أن هناك زيادة سكانية ضخمة. ويمكن السيطرة علي الزيادة السكانية, من خلال إصدار قوانين صارمة لتنظيم الأسرة, والتوسع في البرامج التي تستهدف الفئات الأكثر فقرا وجهلا وأمية, لكونها الفئات الأكثر إنجابا, و توجيه الرائدات الريفيات لتوعيتها, كما يجب أن يكون هناك دور أكثر فعالية للمجلس القومي للمرأة في التوعية بخطورة المشكلة, بالإضافة إلي ضرورة إنتاج برامج توعية وإرشاد رسالتها بسيطة وواضحة, تتماشي مع التطور التكنولوجي الذي نعيشه, ويجب أن يعي الجميع أن الزيادة السكانية معركة مصر كلها, وليست معركة الرئيس أو الحكومة فقط.