من يريد أن يعرف حجم الكارثة التي وصل اليها التعليم ومدي تخلفه في مصر, أن يري حال الأسر والتلاميذ والمدارس والجامعات خلال الأسبوع المنقضي من عمر العام الدرسي ومر كأنه دهر بدءا من البحث عن الزي المدرسي المغالي في ثمنه, والوقوف في طوابير لسداد المصروفات التي تم تجميعها بقروض وسلف ودين توجع القلوب كلما حان وقت سدادها,ومرورا علي الأقدام لشراء الكتب الخارجية من مكتبات مكتظة بآباء بدت علي وجوههم حالات العجز والحيرة من ارتفاع أسعارها وعدم وفرتها, والخوف من عقاب مدرس الفصل الذي لا يسمح بدخول الطالب إلا بها,متجاهلا كتاب المدرسة الذي لم يصل بعد!! أما عن المغالاة من جانب المعلمين في المستلزمات من كراسات, وكشاكيل سلك وبدون, وجلادات بكل الألوان,وأدوات الهندسة والرسم والأنشطة.. إلخ, في محاولات مفضوحة ليرضخ التلاميذ واولياء أمورهم للدروس الخصوصية, وإلا تضيع درجات أعمال السنة.. فحدث لا حرج في ظل غياب رقابة من الوزارة التي يجب تغيير اسمها من التربية والتعليم إلي المعاقبة والتنويم!! ولن ننسي ظاهرة منتشرة انتشار النار في الهشيم ضمن منظومة الخراب التعليمي وهيالمجموعات أوالمحاضراتالتي اصبحت الأخت المرضي عنها حكوميا للدروس الخصوصية, وليبدأ معها نزف الأهالي ماديا والتلاميذ معنويا, بتوقيع من الوزير و بختم نسرالحكومة!! ولم تقتصر حالة الوهن علي التعليم الحكومي الذي هو خارج السباق أصلا رغم ميزانيته التي تتجاوز ال70مليار جنيه, وانما امتد للتعليم الخاص الذي بدأ كنوع من الرفاهية و التباهي للقادرين, وهروبا من جحيم التعليم البالي ليصبح تجارة من لا تجارة له..فكل من يملك أرضا ومالا يستطيع أن يبني مدرسة, وربحها مضمون, وكلما غالت في مصروفاتها كلما زاد الإقبال, حتي وصل الأمر إلي أن بعض المدارس تحت الإنشاء بدأت باستلام الطلبات و تحديد مصروفات عالية, رغم أنه من المفترض أن يتم تحديد المصروفات وفقا لتقييم شامل للمدرسة ومنشآتها, وما تقدمه من تعليم و أنشطة, إلا أن الواقع شيء آخر!!. صحيح هناك بوادر إصلاح للمنظومة التعليمية الخربة علي يد الوزير الحالي, لكن التركة ثقيلة, وطريق الإصلاح واعر وشاق بدءا من المرتب المتدني للمعلم والحشو القاتل في المناهج وانتهاء بسوء الأبنية وكثافة الفصول. وعلينا أن نعترف اننا أمة في خطر ولسنا أقل من أمريكا التي اعترفت بذلك وأصدرت تقريرا منذ32 عاما حمل الإسم نفسه أمة في خطروكان بمثابة بوق الإنذار والتحذير من كارثة تردي وتأخر الأجهزة التعليمية والتربوية وتراجع المستوي التحصيلي للطلاب الذين قال عنهم التقرير: انه لأول مرة في مسيرة التعليم العام بأمريكا سيتخرج جيل لا يتفوق علي آبائه, أوحتي يساويهم في المهارات والمعارف والقدرات,لتبدأ مرحلة الإصلاح الفوري. ويكفي أن شيمون بيريز رئيس إسرائيل السابق قال: إذا كانت الدول العربية تملك الثروات الطبيعية والبترولية, فإننا نستطيع أن نحسم الصراع لصالحنا عن طريق التعليم والتكنولوجيا. وهناك الكثير من رؤساء الدول يعلنون صراحة أن التعليم الأساسي فيها هو التعليم العالي, باعتباره الركيزة الأساسية في بناء الإنسان العقلية والوجدانية, وتأهيله للتعامل مع العلم والمعرفة واستيعاب آليات التقدم وتفهم لغة العصر. ومن أسف ألا يجد المصري حظه في مؤسسات تعليم بلده تمكنه من مجاراة نظرائه في الخارج علي التطور والتزود بأدوات صناعة عقله حتي يكون شريكا أصيلا في تقدم نفسه وبلاده, وليس مجرد مستوردا له من الخارج. ولم يستغرب كثيرون قدر حسرتنا علي خلو آخر تصنيف للجامعات من جامعة واحدة تقول إن مصر والعرب شركاء أصيلون في مسيرة المعرفة, فيما يلقي جل المراقبين بالمسئولية علي عدم الإنفاق علي البحث العملي وغياب ثقافة التخطيط وهجرة الأدمغة المصرية نحو الغرب!!. أخيرا.. علينا ألا ندفن رءوسنا في الرمل, ونجد المبرر لمهزلة التعليم في مصر, وأن نجيب علي سؤال محدد.. هل مشكلة التعليم في مصر إمكانيات فقط ؟أم سياسات تعليمية وخطة مقصودة وممنهجة لتجهيل الأجيال, وتقليل فرص نبوغ شعب وتقليص مهاراته.. فهل من إجابة ؟