ليس هناك شيء أقوي من الحق, ولكن الشريعة في يد ظالم تجعل الباطل اقوي منه.. فالظالم يسخرها لأهوائه ويطبقها علي طريقته الخاصة ويبرع في ترجمتها إلي واقع يتجرأ ليستقوي علي الحق بالحجة والبراهين الباطلة, ولكن الجرم الأعظم من الباطل هو السكوت عليه, ولكن كيف يعرف الساكت عن الحق بالشيطان أخرس في مجتمع غارق في تيه الباطل, اعتاد أن يتجرع مرارة البغي في خنوع وتلذذ؟! يستحضرني موقف لأحد اساتذة القانون المخضرمين, دخل فجأة إلي قاعة المحاضرات ليلقي محاضرته..وكانت آخر محاضرة له حيث سيتخرج الطلاب بعد شهر ويصبحوا محامين,وقد كان غاضبا جدا حينما دخل القاعة..ثم أخذ يصرخ ويشتم افضل الطلاب لديه..ثم أمره بأن يخرج من القاعة فخرج الطالب..! ومن ثم اكمل البروفسور محاضرته ثم أخبر جميع من في القاعة انهم راسبون وان عليهم ان يعيدوا دراسة المادة من جديد..! احتج الطلاب و سألته إدارة الجامعة عن السبب فقال:- لقد رأوا ظلما وجورا وقع علي زميلهم فلم يقولوا شيئا ولم يفعلوا شيئا..بل وحتي الطالب المتميز في القانون لم يسأل لماذا أخرجته..! وبالتالي فهؤلاء ليسوا اكفاء كي نمنحهم الثقة ونجعلهم يعملون خارجا ليعتمد عليهم المظلومون امام الدولة والقانون..! فإن السكوت علي الظلم ظلم..وإن جميعهم سكتوا فجميعهم ظالمون..! أراد هذا الرجل تحطيم القواعد الخاطئة التي تربينا عليها, فهناك دائما تلك الشعرة التي تفصل بين الاحترام أو حتي التغافل من أجل بقاء الود وبين ذلك الخنوع المتبلد الذي تشوبه رهبة السلطة وتغرقة خشية السلطان, وكأنه يقول إن الموت في سبيل مواجهة الظالم مهما يكن سلطانه وسلطته ومكانته أكرم وأعز من العيش في جوف الذل والمهانة. جعلني هذا الرجل أستنكر إنتماؤه لعالمنا اليوم أو لواقعنا البغيض الذي تجسده القصة حرفيا في بلادة وخنوع المتلقين للصفعة.. وأجزم أن كل كيان في مجتمعنا يحوي من ذوي السلطان من يتحكم أو يتكبر أو يظلم أو يطغي أو يسرق او يجامل أو يقصر أو يغش, وخلفه قطيع من الخانعين الصامتين, أو المتضررين الخائفين, او المنافقين والأفاقين,او حشود المحاسيب المقربين ممن يفضلون التصفيق للظالم خشية وخضوعا أو تجنبا لبطشه,دون مناصفة الحق, الا من رحم ربي,وكأن الجميع يتواطأضد من يبادر بالمواجهة ويطلق عنانه في سماء النضال ضد طغيان الفاسد وفساد الطغاة,هؤلاء من لديهم القدرة دائما علي صعق أحلامك واحدا تلو الآخر ثم يحاولون إقناعك بأن هذا لمصلحتك. من اهم صفات القيادة والإدارة الناجحة تأمين بيئة عمل عنوانها العدالة والانصاف,ومن اهم متطلبات ذلك رفع الظلم عن المظلوم مهما يكن ضعيفا..! فإن(الظلم يحيا بالسكوت). ومن أصعب ما قرأت من رسائل كان لعمقها بالغ الأثر علي ذاكرتي فعلقت بها, عندما سجن الحجاج رجلا ظلما فكتب إليه من السجن: ياحجاج..مضي من بؤسي في سجنك أيام, ومضي من نعيمك في قصرك أيام..والموعد يوم القيامة.. وعند الله تجتمع الخصوم. فإن أكثر ما قد يدفع للجنون أن تري كل شخض سييء أو ظالم أو سارق أو طاغية يعيش حياة سعيدة, وينعم بها علي حساب الباقين ولكني أري أن لسكوتهم وخنوعهم اسهامات في وقع الظلم وغياب العدل..ولولا رحمة الله التي تتغمد الضعفاء وحكمته في مناصفة المظلوم لغاب مفهوم العدل وتلاشت حروفه وسط غيابات الظلم والطغيان, ولكن أكثر ما يحفز علي التمسك بأمل الانتصار للحق أن الله يقذف به علي الباطل فيدمغه وأن القاسطين أو الظالمين كانوا لجهنم حطبا.