من بين بؤر التوتر الساخنة في العالم, تبقي مأساة مسلمي الروهينجا في مملكة ميانمار المشكلة الأكثر خزيا وإدانة للعالم كله, شرقه وغربه, شماله وجنوبه, مسلميه ومسيحييه, وبوذييه, ففي الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بعيد الأضحي, ويتبادلوا التهاني بوقفة عرفات وأداء مناسك الحج, يستمر مسلسل معاناة مسلمي الروهينجا من بطش السلطات في هذه المملكة البوذية, ومن تجاهل كل المنظمات الدولية والحقوقية لمشكلتهم رغم تصنيفهم بأنهم الأقلية الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم. مسلمو الروهينجا فضلا عن حرمانهم من حقوقهم السياسية والدينية والإنسانية في بلدهم ميانمار, وتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب والقتل والسحل والحرق أحياء وفق برنامج ممنهج للإبادة الجماعية من جانب السلطات البوذية, وكذا الاضطهاد من جانب مواطنيهم البوذيين, مع حرمانهم من جنسية البلد الذي ولدوا به, ومجرد بقائهم فوق أراضي ميانمار يعني موتهم الحتمي, إلا أنهم عندما يهربون من بلدهم إلي الدول المجاورة تعيدهم تلك الدول مرة أخري إلي المملكة البوذية ليلقوا حتفهم! آخر تلك الأحداث المؤسفة اعتقال السلطات البنجلاديشية90 من مسلمي الروهينجا منذ أيام وإجبارهم علي العودة إلي بورما, بعد ساعات فقط علي إطلاق القوات البورمية المنتشرة علي الحدود النار عليهم خلال محاولتهم الفرار من البلاد وعبورهم خط الصفر في المنطقة الحدودية بين بورما ميانمار وبنجلاديش. وكانت القوات البورمية استخدمت مدافع الهاون والأسلحة الرشاشة ضد القرويين المسلمين أثناء محاولتهم الهروب من ولاية راخين في شمال بورما إلي بنجلاديش. وتم العثور عليهم بعد أن عبروا حوالي أربعة كيلومترات داخل أراضي بنجلاديش في طريقهم إلي مخيم للاجئين في كوتوبالونج التي تؤوي آلافا من الروهينجا يعيشون في ظروف بائسة. أحد أفراد شرطة بنجلاديش أفاد أن مسلمي الروهينجا كانوا يتوسلون إلينا لكي لا نعيدهم إلي بورما! المشهد يزداد قتامة وبؤسا وسط هجرة آلاف المسلمين الروهينجيين من الموت في بورما باللجوء إلي الجارة المسلمة بنجلاديش عندما تمنعهم السلطات هناك من عبور الحدود ليبقي عدد غير معروف منهم- معظمهم نساء وأطفال- عالقون علي الحدود, بحجة أن هجرتهم غير شرعية! ورغم استقبال بنجلاديش حوالي400 ألف لاجئ من الروهينجا, ورغم وصول ثلاثة آلاف لاجئ روهينجي آخر إليها والتحاقهم بمخيمات اللاجئين والقري القريبة خلال الأسبوع الأخير وحده, إلا أن روايات الرعب الذي ذاقه مسلمو الروهينجا علي الجانب الآخر من الحدود تتضاءل أمامها أية اعتبارات خاصة بشرعية هجرتهم إلي هذه الجارة المسلمة, الأمر الذي يستلزم وقفة دولية للتصدي لهذه الهجمة البورمية الشرسة علي المسلمين. فبين مطرقة الجيش البورمي وسندان المسلحين البوذيين يبقي عشرات آلاف المسلمين الروهينجا عالقين بين قراهم الأصلية وعلي الحدود البنجالية. الغريب أن الحكومة البورمية تعتبر مسلمي الروهينجا مهاجرين غير شرعيين, ما يحول حياتهم إلي مأساة حقيقية قوامها الخوف من الشرطة والجيش البورميين, بينما هم مواطنون بورميون بحكم المولد والنشأة والإقامة من مئات السنين, والأكثر غرابة أن ملف الروهينجا, سيكون في قلب زيارة غير مسبوقة للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان أواخر نوفمبر المقبل لهذ المملكة البوذية. مأساة نحو مليون من مسلمي الروهينجا خارج اهتمامات المسلمين, وبعيدة عن اهتمامات كل المنظمات الدولية, بما فيها الأممالمتحدة بكل هيئاتها ومجالسها, والعالم كله يتجاهل كافة أشكال الاضطهاد التي يتعرضون لها, من قتل وحرق وانتزاع أراضي وابتزاز وتضييق علي حرية التنقل, وتصفية جسدية جماعية بتحريض من رهبان بوذيين يزيدون النار اشتعالا حولهم, فيما العالم كله يقف صامتا عاجزا عن تقديم يد العون لهم, وإنقاذهم من موت محقق!