يوما ما كانت ملء السمع والأبصار موضع اعجاب وحسد مثيلاتها وجيرانها, العروس المدللة للسلطان منحها اسمه وشيد لها من الفيلات الباريسية والحدائق الغناء ما يضاهي تلك البلاد البعيدة التي تداعب خيال الناس صاحبة جزيرة الفرسان وبحيرة التمساح وضفاف القناة والفدادين الخضراء أصبحت مقصد الزعماء والملوك والأمراء ابتسم انت في الاسماعيلية عروس القناة او كما يفضلها البعض باريس الصغري والاسماعيلية ليست مجرد محافظة عادية فإن لم يكن من موقعها الجغرافي فليكن من تاريخ خمسة آلاف عام تحمله في جنباتها من آثار فرعونية لعصر ماقبل الاسرات الي اليوم.. الإسماعيلية التي ترك فرديناند ديليسبس صاحب امتياز حفر قناة السويس الشريان الملاحي الاهم في العالم باريس وأقام مايقرب من خمسة وعشرين في احدي فيلاتها التي مازالت تحمل اسمه واسعدني الحظ منذ سنوات بعيدة لدخولها كمرافقة لرئيس منظمة السيوف وفرقة فرنسا المشاركة في احد مهرجانات الاسماعيلية للفنون الشعبية ومازالت مغلقة علي مافيها من مقتنياته الشخصية والعملية ووثائق تاريخية احد اجزاء كتاب وصف مصر الذي كتب في أثناء الحملة الفرنسية والزيارات ومقصورة علي للوفود الرسمية ولم يستفد منها احد علي اي مستوي دولي او سياحي بل إن سكان المدينة أنفسهم لا يعلمون عنها إلا اسمها. وعن اسم الإسماعيلية نسبة إلي الخديو اسماعيل يمكن ان يضاف اليه كلمة سابقا فهي منذ سنوات بعيدة أصبحت تحمل من الباطن اسم من يتولي محافظا عليها وياغرابة هذا التوصيف حتي فكم محافظ تعاقب علي تلك المدينة الشديدة الخصوصية بين مدن مصر القلائل المميزة ولم يحافظ عليها, ولم يحفظ هذا الإرث الحضاري والجمالي الثري لتخطيط مدينة مصرية عالمية وكيف تحولت الاسماعيلية الخضراء الي مدينة جرداء تتخبطها العشوائية في التخطيط والتنفيذ ولا تجد من يدافع عنها, كيف تركت الاسماعيلية الي كل الايادي غير الأمينة لتعبث بها كيفما شاءت دون رقابة أو محاسبة ؟ أين وزارة الآثار من هدم الفيلات الأثرية وتحويلها الي ابراج سكنية ؟ أين وزارة البيئة التي كل اهتمامها أصبح محصورا في مراقبة احجار الشيشة من مذابح الأشجار التي اقتلعت كل الأشجار المعمرة في المدينة والقضاء علي كل المسطحات الخضراء من اجل تنفيذ اي مخطط يتضح فيما بعد أنه كان يمكن إيجاد البديل له او أنهم جانبهم الصواب بعد أن ظهرت عيوبه أو أنه لم يحقق الهدف المرجو منه ونظل طوال الوقت معمل تجارب فئران. من يحاسب أصحاب تلك القرارات التي تعتقد ان مسئوليتها عن مكان يجعلها في عداد العزب الخاصة بهم, من يحاسب هؤلاء الذين يفتقدون الإحساس بالجمال ولا يرضون إلا بالقبح ؟ لم تعد الاسماعيلية سابقا مدينة السحر والجمال ولن تعود بعد أكبر جريمة تشويه أصابتها في مقتل ولن تجدي اي استغاثة فقد سبق السيف العزل وفي ساعات تقتلع الآلة الصماء اجمل ماكان منذ اكثر من مائة عام بلا رحمة ولا تفكير ودون اعتراض وكان جميعنا زكي قدرة نفعل ما نؤمر دون فكر او تمييزو نبحث عن التشوه بسرعة وننفذه باحترافية شديدة وسرعة في الاداء. الاسماعيلية سابقا قضي الأمر فيها وأصبحت المدينة الحزينة وحتي البلاغ إلي وزارة البيئة لن يعيد شجرة ولا خضرة وسيتفرق دم تلك المدينة المذبوحة بين اللجان والهيئات ولن يعوض جزاء إداري دمارا حضاريا ولن يعيد القبح الجمال.. من يعرف الاسماعيلية سابقا يعلم أن مصر فقدت أحد أجمل مدنها وما تبقي بها محاط بالأسوار واللهم لا اعتراض..