من يتابع ما يجري علي الساحة العربية من خروقات وترهات للدين والدولة, كمن يدخل هرما من الأهرام المصرية, ويحاول أن يفسر النقوش الفرعونية وملايين الصور والرموزالهيروغليفية التي لا يتقن علمها. فالخطاب الذي يبيح استخدام الدين والطائفية والمذهبية, وكل مقدس, لخدمة الطموح السياسي, أصبح أمرا معتادا بالدول الإسلامية, فالناس علي دين حكامهم, ونفاق شيوخنا لأرباب السلطة بات واضحا, بعد أن فقد الكثير من اصحاب العمائم اعتزازهم بشرف الصدح بالحق في وجه الحاكم الجائر في شرع الله, واستبدلوا به نفاقه حتي لو كان يخالف نصا شرعيا!! إن سرعة تصديق الإفتاء التونسي بقيادة الشيخ عثمان بطيخ علي مقترح رئيس البلاد السبسي الذي تعدي عمر التخريف علي مساواة المرأة بالرجل في الميراث, وجواز زواج المسلمة بغير مسلم, ومباركته لهذا التوجه الذي يحمل في طياته علمانية فشل في تأصيلها استاذه ومعلمه أبو رقيبة الذي كان يسير علي نهج أتاتورك الذي حول الدولة العثمانية المسلمة إلي مسخ علماني يؤكد ان بعض الشيوخ علي غير دين شعوبهم!! ويبدو أن ال7 سنوات الماضية وما حصل فيها من خضات عنيفة للمجتمعات العربية خصوصا, والإسلامية عموما بفعل الربيع العربي, عرت الجميع سياسيين كانوا, أو متمشيخين, فأسقطت ورقة التوت عن الجميع, وكشفت كم نحن مخترقون حتي العظم بأناس كنا نظنهم قيادات إسلامية وسياسية وطنية!! ورغم غضبة الأزهر قبلة الوسطية, ورأس المذهبية السنية, وحالة الصمت المريب من المؤسسات الدينية بدولة قبلة المسلمين والحرمين الشريفين, تجاه مطلب السبسي, إلا ان الشعب التونسي ونوابه وبقية شيوخه لن ينطلي عليهم دعوات الخبث السياسي والديني, وانه سيرفض اي مساس بثوابت دينه وشريعة ربه. فقد سبق وان دعا الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق العمال إلي الفطر في رمضان بدعوي زيادة الإنتاج, وطلب من مفتي الديار انذاك الشيخ الطاهر بن عاشور أن يفتي في الإذاعة بما يوافق هذا, فقرأ المفتي آية الصيام, في كلمته بالإذاعة وقال بعدها: صدق الله وكذب بورقيبة, وكان ذلك عام.1961 وفي حادثة أخري مشهودة وموثقة علي تخفيض أسعار الكحول للحد من التهريب ودعم ميزانية الدولة من الضرائب المفروضة علي الخمر, للإنفاق علي الرواتب والمنح التي يأخذونها, صوت مجلس نواب تونس علي القرار وبعدها رفعت الجلسة لأداء صلاة العصر!! إن ما يحدث من بعض الساسة ما هو إلا رصيد مفلس يحكي بالصوت والصورة والرائحة تهافت وتصدع كيانات منظومة نظمنا ونخبتنا!! ولا يشك عاقل أو يجادل في عناد أن مجتمعا يتقدم فيه الداعرون, وتشهر فيه أسهم العابثين, ويكون فيه الشأن لأنصاف ومعدومي الموهبه والمهنية والمخبرين والممثلين والمغنين والراقصين, ويتبني إعلامه البئيس إشهار المفسدين, وإقامة الاعتبار لهم في سياق الاقتداء والبناء والإصلاح, بل يدافع فيه المثقفون والمتعلمون والمنتخبون بدعوي الحرية عن الإلحاد والمثلية, وتشجيع العري والسفور, وإعلان الإفطار في واضحة نهار رمضان, هو مجتمع حري به وفيه أن يتهاوي الدين والعلم, ويتهافت القضاء ويسقط لواء شرف الطبيب, وتتصدع فيه أركان الأسرة ويكثر الانفكاك وتستفحل فيه أرقام العنوسة, وينتشر فيه الزنا باسم العلاقات الحميمية, وتتزايد في تراقص مقيت أرقام اللقطاء, وتتناسل فيه أرحام الأمهات العازبات, كما تنتشر فيه وتكثر أبواب الأديرة الحاضنة لهذا الفصام النكد باسم الرحمة والإنقاذ وحفظ الحقوق المدنية!! وهنا لا أتحدث عن مجتمع بعينه حتي لا يفهم مقصدي خطأ.. وإنما هو حال لبعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية! إن الدين يحدد الحرام والحلال, وأن الدول هي من تمنع وتكره مواطنيها علي الإلتزام بقوانينها وليس الدين, وهذا صح حتي في دولة الخلافة الأولي فكان جلد شارب الخمر من حكم الدولة وليس حكم القرآن.