أنا شاب في الثانية والعشرين من عمري, نشأت في أسرة طبيعية أنا أكبر أبنائها وكنت طوال سنوات دراستي قدوة لإخوتي الصغار في الالتزام والتفوق الذي واظبت عليه حتي السنوات الأخيرة في الكلية التي أحببتها وأعطيتها كل جهدي بعد أن وضعت حلما أمام عيني وهو أن أصبح معيدا بها. وتخرجت فعلا لكن تفوقي لم يكن كافيا لتحقيق حلمي الذي سعيت له سنوات طويلة, وعشت أياما أشعر بالفشل الذريع رغم نجاحي لدرجة أنني لم أغادر غرفتي حتي لا أري نظرات الحزن في أعين أبي وأمي رغم أنهما لم يوجها لي لوما ولا عتابا لكنني علي يقين بأن أملهما قد خاب مثلما خاب أملي وأكثر. ومرت الأيام وبدلا من أن تتحسن حالتي وجدتني أزداد انطواء وكراهية لنفسي ولكل من حولي, وقاطعت أصدقائي حتي لا أري نظرة شماتة ولا شفقة في أعينهم, خاصة أنني أسمع أخبارهم كل يوم وهم ينطلقون في الحياة العملية: فهذا التحق بعمل يمتلكه والده وذاك التحق بوظيفة حصل عليها بواسطة, وثالث سافر للعمل في الخارج حيث يعيش أهله, بينما أنا المتفوق الذي اجتهد أكثر منهم وتفوق عليهم لم أحقق حلمي ولم أبرح غرفتي. سيدتي: إنني أري السواد من حولي, وتأكدت أن الدنيا ظالمة وأشعر بالندم علي كل الساعات والأيام بل والسنوات التي اجتهدت وتعبت فيها, فما جدوي أن أحلم وأسعي لتحقيق الحلم؟ وما الذي قصرت فيه حتي استحق موت حلمي أمام عيني؟ وما الذي يضمن لي أنني سأستطيع تحقيق حلم جديد لو حلمت.... لقد مللت من سماع عبارات النصيب, وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, وأشفق علي أمي التي تراقب هزالي وتقوقعي ولا تملك لي شيئا؟ وفقدت قدرتي علي مجرد الحلم فما بالك العمل, فهل أنا مريض؟ وهل هناك شفاء؟ عزيزي الطالب النموذجي الذي لا يفشل: من الطبيعي أن تعيش لحظة الفشل بما تحمله من ألم ومرارة فقدان المنصب المرتقب معيد في الكلية ليعزز صورتك أمام نفسك وزملائك وذويك حيث يثبت تفوقك علي الجميع, لكن ليس من الطبيعي أو الصحي أن تستغرقك الحالة فتفقد قدرتك علي الحلم والتمسك بالأمل وتترك نفسك العزيزة لتختنق في إطار حلم واحد شاء الله أن يحميك منه, نعم أنا أتحدث عن الفرصة التي منحها لك ضياع حلم واحد سجنت نفسك فيه فلم تحلم بغيره, ليسرح نفسك لاستكشاف فرصك الحقيقية ومهاراتك في الحياة, أنا أحدثك عن اكتشاف ما لا تعرفه عن نفسك وإطلاق سراح خيالك لتحلق فيما يمكن أن تصل له من آفاق لم تكن لتحققها لو تم تقييدك عفوا أقصد تعيينك في وظيفة معيد كما كنت تحلم ومازلت. عزيزي المنهزم المنهار علي أطلال حلمك البائد: يا له من وجع أن يتحطم حلمك الوحيد علي صخور الواقع, لكني أراك مثخنا بالجراح حتي صارت قدرات زملائك علي الصعود والمضي قدما في حياتهم عبئا لا تطيقه يزيد من إحساسك بالدونية والفشل, وقد استسلمت للدور الجديد ولبست ثوب الفشل بكامل إرادتك لتقبع منتحبا علي حظك العثر وعلي ظلم الدنيا في بئر العطلان, فتوقف يا عزيزي قبل أن تسكن القاع حيث تزيد احتمالات أن تتوه نفسك ووجدانك وتمرض بالاكتئاب أو بأحد الاضطرابات النفسية الأخري التي يمكن أن تطيل عطلانك وتفقدك المزيد من فرصك. إن قرار النهوض ولم شتات نفسك قرار لا مناص منه, فقم الآن واحتضن نفسك وواسها وشد من أزرها, فنفسك تستحق منك هذا في هذه اللحظة لأن التأخير معناه المرض لا محالة, أنا أدرك صعوبة ما أطلبه منك وأنت من اعتدت علي تهنئة نفسك بالنجاحات الدائمة,لكن اعلم أن من يصنع النجاح هم الأشخاص الذين يمتلكون الليونة والقدرة علي التأقلم والتكيف مع المستجدات والصعود من ظلمات قبور طموحاتهم لآفاق أحلام جديدة واقعية وممكنة, فإن لم تجد في نفسك القدرة علي النهوض سريعا فأنصحك بالاستعانة بطبيب أمراض نفسية وعصبية فالوقاية خير من كل علاج, لكن قبل ذلك لا يفوتني أن أقول إنه إذا كان وجود أهلك يزيد من رغبتك في الانطواء لتختفي من مواجهة نظراتهم فعليك تغيير هذه الأجواء مؤقتا فتذهب لتمضية وقت عند أحد الأصدقاء أو الأقارب الأكثر تفهما فذلك سيكون مفيدا جدا في هذه المرحلة حتي تعبرها بسلام.!