يطل في كل عام علي الشاشة الصغيرة مجموعة من الأعمال الدرامية المتميزة التي تحمل بصمات صناع السينما ونجومها الذين قرروا اختراق عالم الدراما لكنهم في نفس الوقت يطبقون عليه قواعد السينما التي كانت سببا في ارتفاع مستوي الدراما في السنوات الأخيرة, في الوقت الذي يتراجع فيه الإنتاج السينمائي وتتضاءل نسبة الأفلام الجيدة التي تجذب المشاهدين وتبقي في ذاكرة السينما. وفي هذا التحقيق يطرح' الأهرام المسائي' التساؤلات حول أسباب توجه صناع السينما للدراما التليفزيونية وتراجع الانتاج السينمائي مقابل الارتفاع في مستوي الانتاج الدرامي. أكدت الفنانة هند صبري أن انتقال صناع السينما ونجومها للدراما التليفزيونية جاء في صالح الدراما التليفزيونية فازدهرت صناعتها بدرجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة, والجمهور محظوظ لأنه أمام مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الجيدة وعليه اختيار ما يشاهده منها. وأضافت أنه قد يكون انتقال صناع السينما للدراما نوعا من الهروب من ضعف الانتاج السينمائي في الفترة الأخيرة مقارنة بالانتاج الدرامي لأن الإنتاج السينمائي أصبح أقل من ذي قبل, ولكنه يزداد مع الوقت وهذا مؤشر إيجابي أيضا. بينما قال الفنان أحمد السقا أن حرصه علي تقديم أعمال درامية يرجع إلي سعيه للوصول إلي جمهور مختلف, حيث يعتبر' الحصان الأسود' ثالث مسلسل درامي يقدمه, لكنه في نفس الوقت حريص أيضا علي الموازنة بين السينما والدراما, لأن الجمهور الذي يشاهد أفلامه في السينما يختلف عن جمهور التليفزيون, فالبعض يجلس في المنزل لمشاهدة التليفزيون فقط مضيفا أنه تأكد بنفسه من مصداقية هذه المعلومة, لذلك قرر دخول عالم الدراما في الفترة الماضية. وأشار إلي أنه لم يلتفت لذلك في البداية وكذلك زملاؤه من نفس الجيل لأنهم كانوا في مرحلة الإقلاع وإثبات الذات وبعض الأمور لم يدركوها في البداية ومنها قيمة الدراما التليفزيونية وجمهورها المختلف واتجهوا إليها بعد أن ادركوا ذلك, مضيفا' نحن في النهاية نقدم منتجا فنيا نحرص علي ظهوره بشكل جيد ليكون الحد الأدني من متطلباته هو التسلية والمتعة وليس له حد أقصي'. قالت الفنانة يسرا أن السينما لا نري فيها اية أفلام جيدة منذ فترة طويلة حتي الأفلام التي من المفترض أنها كوميدية تخلو من الكوميديا وغير قادرة علي اضحاك المشاهدين, مشيرة إلي أن موسم عيد الفطر الحالي شهد بعض المحاولات مثل فيلم أحمد السقا' هبوط اضطراري' لأنه في النهاية لا يقدم فيلما لكي يسقط ابدا وانما يسعي لتقديم سينما جيدة وينجح من خلالها, لأن السقا ومن هم مثله لا يقدمون أفلاما بشكل مستمر, فإذا دققنا في أعماله سنجد أن أفلامه تكون علي فترات متباعدة وكذلك المخرج شريف عرفة وغيرهم من صناع السينما المتميزين والأزمة سببها الانتاج وغياب السيناريوهات الجيدة. وأضافت أن سبب المشكلة هو أن رواد السينما الأن من اصحاب الأعمار التي تتراوح بين الأطفال وحتي بداية العقد الرابع من العمر, ومن هم أكبر من ذلك يذهبون إلي السينما لينامون أو يتناولون الطعام أو يشاهدون الأفلام دون أن يدركوا معاني الإفيهات لأن ما يضحك الأجيال الجديدة لم يعد يضحكهم, وهو ما يتطلب من صناع السينما دراسة متطلبات الجمهور وصناعة أفلام تلاءم الفئات التي تذهب لدور العرض السينمائي مشيرة الي أنها هي شخصيا لم تعد تذهب لدار العرض السينمائي لأن ما يقدم من أفلام لا يجذبها بالدرجة الكافية التي تجعلها تهدر جزءا من وقتها في مشاهدة فيلم. وقال المخرج شريف البنداري أن ضعف الإنتاج السينمائي يؤثر علي الصناعة خاصة وأن الدولة لا تدعم السينما, مضيفا أنه من الغريب أن تكون هناك دولة لديها معهد لدراسة السينما وصناعة سينما ولا تقوم بدعمها وضخ أموال لإنقاذ الصناعة من الانهيار, فدولة المغرب علي سبيل المثال تدعم صناعة السينما بدرجة كبيرة وتسعي لتطويرها بينما مازال صناع السينما في مصر يعانون من ضعف الانتاج, وعلي الجانب الأخر تتطور الدراما التليفزيونية لأنها توفر ارباحا ضخمة للمنتجين عن طريق الإعلانات والتسويق. وقال الناقد عصام زكريا أن صناع السينما معطلين وعدم توافر فرص عمل في السينما هي التي دفعتهم للعمل في الدراما, لأن الأفلام اصبحت خالية من الأفكار الجديدة وقاصرة علي أنواع معينة تعرض في مواسم محددة مثل أفلام العيد, ومع غياب الدعم والانتاج الذي كان يوفره جهاز السينما التابع للدولة نجد اعداد كبيرة من خريجي معهد السينما متعطلين عن العمل, وفي نفس كتاب السيناريو يلجأون للأعمال الدرامية لأن الأجور فيها أعلي والمبلغ الذي سيحصل عليه مقابل كتابة حلقات المسلسل ال30 أكبر بكثير من أجر كتابة سيناريو فيلم وفي نفس الوقت بمجهود أقل. وأضاف أن المكاسب في الدراما أعلي من السينما ومن ناحية أخري تطور الكاميرات والتقنيات الفنية الخاصة باستخدام الكاميرات الديجيتال وفرت فرص لمديري التصوير من خريجي معهد السينما للتجربة وتطوير مهارات التصوير والتواصل مع التكنولوجيا الحديثة واستكشاف امكانيات الكاميرات الجديدة التي تتطلب استيعابهم لاستخدامها فترة من الوقت حتي اصبحوا الان يمتلكون مهارة عالية في استخدامها وتطويعها في العمل الفني وشهدت الدراما تطورا في التصوير والمونتاج. واكد زكريا أن الدراما تعاني من ضعف الانتاج مثلها مثل السينما فهي في حالة موت دائم طوال العام ولا تزدهر الا في موسم واحد فقط وهو الموسم الرمضاني الذي تتكدس فيه كل الأعمال وتغيب المسلسلات الجديدة تماما طوال العام, لأن هناك لامبالاة وعدم اهتمام من قبل القنوات الفضائية التي لا تهتم بشراء المسلسلات الجديدة الا في رمضان وتعيش طوال العام علي البرامج والتوك شو ومذيع ال'وان مان شو' ولا توجد مسلسلات ولا برامج ثقافية أو مساحة لعرض الأفلام ومناقشتها, مثل برامج السينما التي كانت تعرض في الماضي مثل' نادي السينما' و'أوسكار', والمسلسلات التي تعرض هي إعادة لمسلسلات رمضان أو المسلسلات التركي والمكسيكي لأنها ارخص, ولأن موسم رمضان يعتمد بالاساس علي الإعلانات بينما تكون نسبة الإعلانات في المسلسلات التي تعرض خارج رمضان قليلة. وأشار إلي أن علينا دائما البحث عمن يدفع ثمن الأعمال الفنية, فاذا نظرنا للسينما نري أن من يدفع ثمنها هو الجمهور من خلال شباك التذاكر أو الجهات الداعمة الخارجية أو المصرية التي لا تبحث عن الربح من الفيلم بمعني أنها ليست جهة انتاج تبحث عن الربح من وراء هذا الفيلم, أو التوزيع خارج البلاد, مضيفا أن الدعم الخارجي للأفلام قليل فنسبة قليلة جدا من الأفلام هي التي تحصل علي دعم من جهات خارجية وتعتبر حالات نادرة, لذا فالقاعدة الاساسية هي أن الجمهور هو من يدفع مقابل هذه الأفلام بينما نري أن هناك عزوفا عن دور العرض لاسباب متعددة, فالجمهور غائب عن السينما. وأضاف زكريا في التليفزيون المعلنون هم من يدفعون مقابل الاعمال الفنية المقدمة أو بمعني أصح الجمهور الذي يتعرض لغسيل المخ بهذه الاعلانات التي تتخلل المسلسلات الدرامية وينفق أمواله علي السلع الاستهلاكية التي يعلن عنها أو علي التبرعات للمستشفيات, فشركات الإعلانات تحصل علي المال من الناس وهذه الشركات هي التي تدفع أجور كل العاملين في الدراما بما فيهم المنتج نفسه, مشيرا إلي أن اللغز الذي نحتاج لحله هو لماذا لا تعلن هذه الشركات الا في رمضان فقط وبالتالي يتركز موسم عرض المسلسلات في رمضان فقط, وارتفعت نسبة الاعلانات بدرجة كبيرة جدا من المفترض أن يتم محاسبتهم عليها قانونيا لأن الإعلانات في الصحف أو التليفزيون يجب أن تكون بنسبة محددة لا تؤثر علي العمل الفني ومتابعة الجمهور له بينما الأن اصبحت الحلقة ال26 دقيقة تصل مدتها لساعة ونصف بسبب الإعلانات.