تعاني شرائح كثيرة من الجمهور للأسف مما يمكن ان نطلق عليه الأمية الدرامية, ونعني بها غياب الحد الأدني لمعارف علم الدراما والذي يعتبر واحدا من اقدم العلوم والفنون- الأنسانية, وهو ما يمكن ان نشبهه بقليل من التبسيط بمشاهدة مباراة لكرة القدم, فلو ان المتفرج لا يعرف قواعد اللعبة( احد عشر لاعبا يحاولون تسديد الكرة في مرمي الخصم مع وجود قواعد منظمة من اساليب التمرير وضربات الجزاء والترجيح وغيرها) فلن يستوعب المتفرج طبيعة ما يحدث امامه وبالتالي لن يستمتع ولن يرصد اي جماليات او تستوقفه أساليب الدفاع والهجمات المرتدة والتمريرات الاحترافية, لكن بمجرد ان يشرح له احدهم طبيعة اللعبة وقواعدها سوف تجده لا يستغرق فقط في المتابعة, ولكنه سوف يبدأ أيضا في الانحياز لفريق ضد أخر. فلو ان الجمهور لديه الحد الأدني من الثقافة الدرامية, ولو أنه يستطيع رصد الأنواع والأساليب الدرامية ويمكنه ان يفرق بين طبيعة الصراع ومستواه وكيفية طرح الفكرة والبناء الدرامي في حدوده الدنيا, لما وصل بنا الحال إلي هذا الخط المتدني من السيناريوهات التي يراهن كتابها علي أن الجمهور لا يرضي سوي بالسطحي والمفتعل والشعبوي. صحيح لا يمكن أن نطالب بلدا نسبة الأمية فيه تقرب من ال40% أن يكون لدي جمهورها وعي درامي, لكننا علي الأقل نتوقع من بعض الشرائح الحاصلة علي قسط من التعليم أن يكون لديها الحد الأدني من تذوق الخيال, والوقوف علي الفارق ما بين الواقع في صورته المادية وبين الواقع الدرامي في شكله الأثيري الذي هو عبارة عن انعكاس ذهني وشعوري نابع من تمثيل الواقع وأعادة صياغته علي الشاشة مطعما بالخيال. ويكفي ان نضرب مثلا بالقضية التي رفعها احد المحامين علي صناع مسلسل كلبش لأن احد الشخصيات الدرامية حقرت من شأن شخصية درامية أخري تعمل بمهنة المحاماة, فأعتبر المحامي الغيور أن في ذلك اهانة للمهنة بأكملها, او ان المضيفات الجويات اللأئي وقفن إلي جانبهن في اعتراضهن علي مسلسل ارض جو نفاجأ بأنهن لا يقبلن الصورة الهزلية الخيالية التي تقدمها دنيا سمير غانم في مسلسل في اللالالاند, لأنهم لا يستطيعون حساب الفرق ما بين الشكل الدرامي الواقعي الذي يستوجب التزاما بتفاصيل المهن والبيئات وبين النوع الهزلي الساخر الذي يعتمد علي شطح الخيال وتقديم صورة كاريكاتورية للشخصيات والمهن. انها الأمية الدرامية في اكثر صورها تجليا والتي تشوه خيالنا وتجعلنا دوما نخطئ في تلقي الأفكار او تحيد بنا عن سياق الفهم الجاد والموقف المنصف من العمل الدرامي سواء بالسلب أو الأيجاب.