يوم5 يونيو منذ خمسين عاما كنا نستمع إلي إذاعاتنا تبث لنا بشري النصر المبين بإغارة طائراتنا علي مدن العدو محققة انتصارا مؤزرا وأننا أمام حل نهائي لقضية العرب الأولي قضية فلسطين, وكنا لا نصدق الإعلام الأجنبي أننا منينا بشر هزيمة حيث فقدنا طائراتنا وهي جاثمة علي الأرض, حتي فوجئنا بعد أيام بتنحي جمال عبد الناصر فيما نظنه الآن مسرحية للحفاظ علي مكتسبات النظام المادية والمعنوية ممن أحاطوا بالرئيس, وبأننا هزمنا شر هزيمة فما كنا نسمعه من إسقاط طائرات العدو كان مجرد وهم من إعلام كاذب استخف بالشعب وبقيمه ومبادئه. والحقيقة أننا كنا ضحية إعلام موجه جرف الكثير من مقومات المجتمع حين وضع في أذهان التلاميذ أن جمال عبد الناصر هو أول رئيس للجمهورية وليس محمد نجيب وهي سقطة خطيرة لأنها تمحي الذاكرة وتجرف العقل الجمعي ولكن مع القبضة الحديدية انصاعت الجموع للإعلام وتركت أمر الوطن لدرجة انخفضت معها إنتاجية الفلاح الذي رأي أن التحكم في كل منتجات ومخرجات العملية الزراعية يتم بعيدا عنه فتقاعس وترك الأمر لمن يديرونه! ولم يقف الأمر عند تحييد المواطن العادي بل دفع المواطن دفعا لمسلسل الحقد الطبقي بتثبيت القيمة الإيجارية للمساكن رغما عن معدلات التضخم وفساد العقود مفتوحة المدة ورغما عن الخطأ الفادح في نقل مسئولية دعم المستأجر من مهمة الحكومة إلي مهمة شريحة الملاك, مما أدي إلي ضغينة طبقية حاولت الحكومات المتتالية إصلاحها بالكلام ولم تقدم علي أن تتحمل الدولة مسئوليتها المنطقية في دعم المواطنين ومنهم المستأجرون. تلك كانت بذور فاسدة نخرت في عظام المجتمع وجرفت تطلعاته خدمة لغيرنا فما حدث لا يمكن أن يكون خدمة للوطن وللمواطنين. قبل1967 م تم بناء مصانع عديدة لم يواكبها بناء العقول التي تديرها فلا وجود لوحدات البحث والتطوير في تلك المصانع(إلا نادرا) كمنفي لعقاب المغضوب عليهم. واستمر مسلسل الكذب علي الشعب بترويج آليات المفك(التجميع) علي أنها صناعة ليستمر مسلسل الكذب علي الشعب. أتذكر أنني رأيت العرض العسكري للصاروخين القاهر والظافر وما صاحبهما من ضجة إعلامية والتصريح بمداهما ثم نفاجأ بعدم استخدامهما في الحرب وفي أية حروب أخري! في تلك الأيام كنا قد بدأنا فعلا في تصميم الصاروخين, بالإضافة إلي طائرة حربية بالاشتراك مع الهند, ولكن بعد الهزيمة وئدت تلك البوادر الطيبة لأن العلم ليس له بريق إعلامي, واستمر مسلسل الكذب الإعلامي بالترويج لصناعة سيارة مصرية رغم أننا كنا ننتج حافلات بتصميم مصري قبل1952 م. أتذكر أنني ذهبت مع زملاء الدراسة لكلية هندسة عين شمس للتطوع فور إعلان الحرب ولكننا عدنا بخفي حنين ليلا تحت جنح القنابل الإسرائيلية, حيث كان علينا اجتياز منطقة تعج بالثكنات العسكرية, فلم يكن الأمر سوي فرقعة إعلامية بإغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية; لأن تيران مصرية وبالتالي يمكننا التحكم في مرور السفن فيها بعكس الممرات التي تقع ضمن المياه الإقليمية لأكثر من دولة التي ما كنا نعلم أنها تمر فيها كجزء من ترتيبات إنهاء حرب1956 م; فلقد تم حجب تلك المعلومة, إضافة إلي نزع سلاح سيناء عن الشعب صاحب المصلحة الأساسية في الوطن! كان من نتيجة حرب1967 م أن احتلت إسرائيل سيناء وتوسعت مساحتها بصورة لا مثيل لها نتيجة ضربتها الاستباقية لنا. كانت نتيجة الحرب المأساوية ملهاة في الوقت نفسه, حيث وأدنا صناعاتنا الحربية التي أنشأت قبل1952 م( علي عكس الترويج الإعلامي) وباتت مصانعها تنتج سلعا استهلاكية.