هل الانتماء للأسرة أو للعائلة أو للموطن الجغرافي أم للمجتمع الكبير أم للأمة؟ ويمتد البحث ليضمن المكان الجغرافي الذي قضي الإنسان فيه بعض عمره وتتجاذب الانتماء جغرافيا عدة أطراف حسب الفترة التي قضاها الإنسان في المكان وموقع تلك الفترة في سلم عمره, ففترة الشباب تختلف عن فترة الطفولة كما تختلف طبيعة الذكريات من مكان لآخر حتي مع تساوي الظروف الأخري. قضية الانتماء تتصل كثيرا بالوجدان بتجاذباته داخل المجتمع الواحد. لقد بات السؤال: من نحن؟ أحد الأسئلة المطروحة في العديد من الدول الغربية وغيرها. لقد بحث العديد من رجالات الغرب عن إجابة لهذا السؤال فمنهم من ألف في إجابة السؤال مثل صموئيل هنتنجتون اليهودي الديانة ليتوصل إلي أن ما يجمع الأمة الأمريكية هو الديانة البروتستنتية واللغة الإنجليزية باعتبارهما عامل صهر للمجتمع الذي نشأ من عدة أطياف وأعراق وديانات. وعلي صعيد الدول فلقد دشن الرئيس الفرنسي ساركوزي عام2009 م حوارا قوميا عن معني كونك فرنسيا, كما أصدر مجلس القضاء الأعلي الفرنسي حكما بأحقية رفض الحصول علي الجنسية الفرنسية إذا تصرف الشخص بأسلوب لا يتفق مع القيم الأساسية للمجتمع الفرنسي دون أن يحدد ما هي تلك القيم! وفي بريطانيا يمكننا التكهن بمن هو البريطاني الجيد من اختبار; الحياة في المملكة المتحدة; للمهاجرين والذي تم تغيير صيغته ثلاث مرات خلال عقد واحد! وهناك دراسة حكومية بريطانية عمن هو البريطاني, تتضمن في تعريفه قيم وعادات وثقافة المجتمع البريطاني والقيم التي يحملها المجتمع للمجتمعات الأخري في منظومة لغوية واحدة هي الإنجليزية. تتبقي اللغة والقيم ورسالة المجتمع كمحدد لكينونته مكونا الانتماء والولاء. ورغم هذا التحديد الذي يبدو جامعا مانعا فإن تعريف عناصره يحتاج إلي جهد, فهو فضفاض لدرجة كبيرة لوجود عوامل عديدة متداخلة فالمجتمعات الأوروبية عامة وبدرجات متفاوتة تعلي قيمة العرق فنجد الإنجليزي يختلف عن الأيرلندي الشمالي وعن أهالي ويلز وعن أهالي اسكتلندا رغم أنهم جميعا بريطانيون وهم جميعا ذوو بشرة بيضاء ومتفردان عن مهاجري دول الكومنولث بطوائفهم المتعددة. ولكن تبقي اللغة الإنجليزية قيمة محورية لكل من ينتسب لبريطانيا أو بالأحري للمملكة المتحدة. وتبقي القيم المشتركة عنصرا موحدا للعديد من المجتمعات بصرف النظر عن أصل مواطنيها وعرقهم ولونهم. ولقد شهد التاريخ العديد من محاولات دمج بعض الشعوب في بعضها والتي لم تنجح لكونها من نظرة فوقية مثلما كانت تنظر الإمبراطورية الرومانية لأتباعها, ومثلما نظرت دول الاحتلال للشعوب الخاضعة لها والأمثلة عديدة في مصر والجزائر وكل أفريقيا وآسيا من الدول التي نكبت بالاحتلال. وعلي المقابل يقول المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي: إن تقويض الوعي بالعرق بين المسلمين أحد الإنجازات البارزة للإسلام, وهناك حاجة ملحة في العالم المعاصر لنشر هذه الفضيلة الإسلامية. إن البحث عن قضية الانتماء أمر يحتاج إلي العديد من الدراسات كي تصب الجموع في بوتقة واحدة تتكامل فيها ولا تتناحر علي أسس واضحة وقيم سامية لا تتعارض مع العدل والذي هو ركيزة أي حضارة يكتب لها الازدهار والنمو. لقد باتت البشرية تروج لقيم مطلقة لا تطبقها حتي في بلدانها فنجد التمييز العنصري محطة بارزة في مختلف الدول الغربية والشرقية كما أن ما فعلته وتفعله تلك الدول وأذنابها في المجتمعات الأخري من ترويع وقتل علي الهوية لخير شاهد علي أن تلك الحضارات في طريقها للزوال( ولكن ليس الآن). ويبقي الانتماء حجر زاوية في هوية الفرد وولائه واقتناعاته الفكرية والعقائدية ليدفع مجتمعه للأمام ولا يجره بعمله السلبي للخلف.