في أحد اجتماعات جامعة الدول العربية منذ سنوات تحدث أحد أساتذة جامعاتنا باللغة الإنجليزية رغم أن غالبيتنا كانوا عربا ورغم وجود ترجمة فورية في اللقاء مما حدا برئيس الجلسة( علي غير المعتاد في اجتماعاتنا) إلي أن ذكره فور انتهاء كلمته بأن العربية هي لغة الحوار وهو ما دعا المتحدث إلي مغادرة الاجتماع. تذكرت هذا حين حضرت منذ أيام اجتماعا آخر في نفس الجامعة بدأها رئيس الاجتماع بألا يقتصر اجتماعنا علي مجرد اللقاء وتطرق إلي رغبته في إنجاز خطوة حقيقية للنهوض باللغة العربية رغم ما سرده من عدم تعاون عدة جهات في سبيل إنجاز استراتيجية عربية للنهوض باللغة العربية وهو موضوع اللجنة. ورغم أن بعض المندوبين كان حضورهم فقط لطلب عقد اجتماع آخر لمناقشة أحد بنود جدول الأعمال إلا أن ما ساد في الاجتماع من رغبة في إنجاز المهمة غلب علي تلك السلبيات وأثمر عن وضع توقيتات محددة لتجميع كل ما تم طرحه من مبادرات في موضوع اللجنة وتحديد موعد اجتماعها القادم, وتجاوز الشق الشكلي ليعرض الوفد العراقي تجربة رائدة في التعامل مع قضية اللغة العربية دون الدخول في جوانب تاريخية يعرفها القاصي والداني. كان مجمل النهج العراقي مختلفا عن غالبية الأطروحات التي تركز علي أن الحل في التعليم الأولي والذي أري شخصيا أنه مطلب حق يراد به باطل, لأن الوضع اللغوي العربي لا يحتمل الإمهال ولابد من معالجة القضية من عدة وجوه منها بل وأهمها إصلاح الخلل البنيوي في وضع اللغة العربية في استخدام اللغة العربية وعدم تهميشها في التعليم الأساسي والتعليم العالي باستخدامها كوسيط تعليمي وحيد لمختلف العلوم مع الاهتمام باللغات الأجنبية كلغات وليس كوسيط تعليمي وذلك في سن مناسبة. ومن هنا تأتي قضية تعريب التعليم الجامعي علي رأس أولويات استخدام اللغة العربية في المجتمع بكافة مناشطه وعدم تهميشها بطردها من المجالات العلمية الحياتية. كان النهج الذي عرضه الوفد العراقي مختلفا حيث ركز علي خريجي منظومة التعليم ككل كخطوة أولي تستتبعها خطوات أخري تصل إلي التعليم الأساسي وما قبله, حيث أشار إلي تجربة اللجنة الدائمة للحفاظ علي سلامة اللغة العربية التابعة لمجلس الوزراء العراقي والتي تقوم بعقد دورات إلزامية لجميع موظفي الدولة في مختلف القطاعات المدنية والتعليمية والثقافية والعسكرية والقضائية يشترط فيها النجاح كي يتمكن الخريج من معاودة نشاطه العملي في دوائر الحكومة. كما تعقد اللجنة دورات أخري لمنتسبي الدراسات العليا لا يتم منح شهادة التخرج قبل اجتيازها, بالإضافة إلي دورات في العربية لأعضاء هيئات تدريس الجامعات. والمفيد في التجربة أن تشكيل اللجنة عام2012 م واكبه تحرك علي عدة أصعدة وتشكيل مكاتب في الدوائر الحكومية بغية تنفيذ مهمتها الأساسية وهي الحفاظ علي سلامة اللغة العربية باستخدامها وهو نهج مبتكر في التعامل مع المشكلات رغم ما يمر به العراق من أوضاع صعبة, ولكن يبدو أن الولادة تأتي من رحم المعاناة كما يقول المثل, فالوضع التشرذمي غير العربي بالعراق قد أظهر للعرب أن لغتهم هي هويتهم الحاضنة لهم ولجميع العراقيين, وأنه لا مناص من التشديد علي تفعيل قانون الحفاظ علي سلامة اللغة العربية لعام1977 م. ولعلي لا أبالغ حين أخذتني الغيرة الحميدة لأتمني تفعيل قانون مجمع اللغة العربية بالقاهرة لعام2008 م بإلزام المجمع بمراقبة سلامة اللغة العربية وإعداد تقرير سنوي عن وضعها واتخاذ كل الإجراءات لذلك, لتقودني إلي التندر بمطالبة البعض بسن تشريع جديد قبل استنفاد ما خوله( بل ألزمه) القانون!. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]