الدارسون بكليات الترجمة والمعاهد العليا والمراكز المختلفة.. أين يذهب هؤلاء المعذبون في الأرض حال تخرجهم؟.. إلي أين يسيرون بلا نقابة يحتمون بها من جشع بعض أصحاب دور النشر التي تلهث خلف الربح المادي.. أو من طيور الظلام التي تحلق فوق رؤوسهم ليلا تبحث عن يد في الخفاء تترجم المزيد والمزيد من الفكر المتطرف.. أو حتي من بعض أصحاب المجلات الخاصة التي تسطو علي مقالات منشورة باللغات الأجنبية المختلفة بلا أدني ضمير؟ سنوات من أعمار شباب كانت تنبض بالحيوية علي أمل لقاء رائد الترجمة رفاعة الطهطاوي علي درب العلم والأدب وروائع الفكر الذي صدر باللغات الأجنبية لكنها جفت مع طول الزمن.. فحلم أي مترجم منذ نشأته الدراسية الأولي.. حتي آخر سطر يخطه وهو في أرذل العمر.. هو مهنة رسمية داخل نقابة تضمد جراح يده التي أنهكها البحث المضني عن المفردات والمعاني والتركيبات البلاغية من وإلي اللغات الأجنبية. وتقسو الحياة علي بناة جسور التواصل الثقافي والفكري.. وتظل الدولة تنظر من أعلي لتؤكد سنينا طويلة أن الترجمة هي مهنة من لا مهنة له. فيقابل طلب المترجمين بإنشاء نقابة علي غرار الصيادلة والفنانين والمعلمين إلخ... بالرفض أو التباطؤ أو حتي عدم الرد. وكما أن نقابة المترجمين ضرورية للحفاظ علي كيان المترجم وحقوق الملكية الفكرية للعمل الذي قام بترجمته بشكل قانوني.. تجنبا للقرصنة أو السرقة أو التشويه.. فإن النقابة علي الجانب الآخر تسعي ككيان نقابي مهني جاهدة لتوفير كوادر علي مستوي إحترافي يغزو الأوساط الثقافية داخل وخارج البلاد.. وكم عانيت أنا شخصيا.. كمترجمة أولا.. وكمدير تنفيذي لمشروع تصدير الفكر العربي مترجما إلي اللغات الأجنبية التابع لوزارة الثقافة متمثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب.. من ندرة المترجم المؤهل ثقافيا ولغويا وعلميا. إن سوق الفكر والأدب في العالم صارت منتعشة بالأعمال المترجمة حتي يتعرف كل منا علي الآخر.. ومواكبة التطورات العلمية والاقتصادية والسياسية.. وكافة التغيرات التي يشهدها العالم تمكن المواطن العربي بصفة عامة.. والمصري بصفة خاصة من النهوض من سباته الفكري والعلمي.. وأنا أري في مد جسور التواصل الثقافي والحضاري إنما هو مهمة قومية شاقة.. تبدأ بتقنين صناعة المترجم الكفء الذي يعد أهم مصادر الدخل القومي في الدول المتقدمة. وأخيرا.. وكأستاذ سابق للترجمة واللغة بجامعة السوربون بفرنسا وعين شمس بمصر.. أشكر جهود المركز القومي للترجمة الذي يقيم احتفالية للمترجم يدعو إليها الأهل والأصدقاء والأحباء ممن عملوا.. أو حتي ممن لم يعملوا بهذا الحقل الشائك عند نقل الحضارات والثقافات المختلفة إلي القارئ العربي والأجنبي علي حد سواء.. وتقام الافتتاحيات ويتم تبادل الكلمات والمجاملات وتنشر الصور والأفيشات ويغلق الملف ويدفن المترجم في طيات الأدراج مكفنا بالنسيان لحين استخراجه في العام الذي يليه.. وكأن لسان حال المسئول يشارك الفنان القدير محمد صبحي مقولته الساخرة في المسرحية الشهيرة( وجهة نظر): أمري لله.. ترجم يامسعود!!!.