رئيس وحدة الأبنية بمجلس الدولة: التحول الرقمي يساعد في تقريب العدالة الإدارية    وزير الزراعة: تطوير قانون التعاونيات على رأس أولوياتنا المرحلة المقبلة    «مياه المنيا» تبحث خطة تحصيل المستحقات وتحسين الخدمة    «القاهرة الإخبارية»: بايدن يتفاهم مع نتنياهو لمنع التوسع في رفح الفلسطينية    الأهلي 5-2 الترجي.. ماذا تقول عقدة "رادس" عن دوري الأبطال؟    درجات الحرارة غدا الأربعاء.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة شديدة    "كنت منفعل".. صلاح عبد الله يتراجع عن مطالبته بمقاطعة أوبر بعد حادثة فتاة التجمع    قصواء الخلالى: مصر داعية للسلام وإسرائيل جار سوء و"ماكينة كدب بتطلع قماش"    فيديو.. عالم أزهري: الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.. والتراث ليس معصوما من الخطأ    اعرف قبل الحج.. هل الطواف حول الكعبة من الدور الثاني أو الثالث ينقص الثواب؟    الكشف على 1000 مواطن مجانا في قافلة طبية بالبحيرة    لو بتعمل «دايت».. 5 وصفات لحلويات خالية من السكر    تحكم في وزنك من خلال تعديلات بسيطة على وجباتك    وزير الدفاع البريطاني: سنزود فرقاطاتنا بالبحر الأحمر بقدرات هجوم بري    الشيبي: بيراميدز يستحق التتويج بالدوري.. ولا أحب خسارة أي تحدِ    إنفوجراف| 5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر    تعرف على القطع الأثرية المميزة لشهر مايو بالمتاحف.. صور    «السرب» يتصدر قائمة الإيرادات و«على الماشى» يتذيل الترتيب    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    غدًا.. الحكم على المتهم بدهس «طبيبة التجمع»    جامعة الأقصر تفتتح مركزًا للطلاب ذوي الإعاقة    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    قبل البيرة ولا بعدها؟..تعليق علاء مبارك على انسحاب يوسف زيدان من تكوين    أحمد موسى يفجر مفاج0ة عن ميناء السخنة    بعد تصدرها التريند.. تعرف على آخر أعمال فريدة سيف النصر    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    بعد تصدرها التريند.. ما هي آخر أعمال نسرين طافش؟    جامعة حلوان تنظم ورشة عمل للتعريف باختصاصات عمل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    مفاجأة كبرى.. ديبالا في مدريد هذا الصيف    الاتحاد الأوروبي يوسع عقوباته على إيران بسبب روسيا    الإحباط والغضب يسيطران على العسكريين الإسرائيليين بسبب حرب غزة    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    المدير الفني ل «نيوكاسل يونايتد»: نعلم مدى صعوبة مباراة مانشستر يونايتد غدًا    القاهرة الإخبارية: فصائل المقاومة نصبت أكمنة لمحاور التوغل الإسرائيلي برفح    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    الغندور يثير غضب جماهير الأهلي بسبب دوري أبطال أفريقيا    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    أبو الغيط أمام الاجتماع التحضيري لقمة البحرين: التدخل الظولي بكل صوره أصبح ضرورة للعودة لمسار حل الدولتين    «أبوالغيط»: مشاعر الانتقام الأسود تمكنت من قادة الاحتلال    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    مجدي عبدالغني يثير الجدل بسؤال صادم عن مصطفى شوبير؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين القاهرة وروما
مفكرون ومثقفون مصريون وعرب يجيبون عن السؤال الصعب قانون الازدراء قمع لحريةالتفكير أم حماية للأديان؟

جددت حيثيات الحكم الصادر بحق الشاعرة فاطمة ناعوت, بالحبس لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ, في القضية المعروفة إعلاميا باسم ازدراء الدين الإسلامي الجدل مجددا حول مدي دستورية المادة98 من قانون العقوبات; حيث يري معارضون لتلك المادة أنها تمثل سيفا مصلطا علي رقبة الفكر والإبداع ومحاولات الاجتهاد في الخطاب الدعوي, فيما يري مؤيدون أن وجود هذه المادة في قانون العقوبات من شأنه أن يحمي الدين من هرطقات فكرية, لا تستهدف تجديد الخطاب الدعوي.
الأهرام المسائي كانت حاضرة في مؤتمر دولي كبير عقد في العاصمة الإيطالية روما أقامته منظمة أدهوك, لمناقشة قضية الحريات وازدراء الأديان, حيث حفل المؤتمر بالعديد من الآراء لكتاب ومفكرين ومثقفين مصريين وعرب.
لم يكن سهلا رفض دعوة لحضور مؤتمر في العاصمة الإيطالية روما يناقش قضية الحريات وازدراء الأديان, خاصة أن المؤتمر يحضره مصريون مقيمون في الخارج وعرب وأجانب.. كان الحضور يعني بالنسبة لي الاستماع إلي وجهات نظر مختلفة تتلاقي في حوار بناء بين تيارات مختلفة عربية وأجنبية. ذهبت إلي روما في بداية نوفمبر2016 لعلي أجد إجابات أو تفسيرات لقضية أو بالأحري تهمة ازدراء الأديان التي باتت تمثل هاجسا حقيقيا للساحة الفكرية في مصر. قضية ازدراء الأديان دائما ما تثير حالة من الجدل بدت عصية علي التعامل معها.. فبين الحين والآخر يحاكم كاتب أو مفكر بتهمة ازدراء الأديان طبقا لقانون وضع قبل نحو35 عاما, وقائمة المفكرين الذي تعرضوا للحبس تطول يوما بعد الآخر. وكان شغلي الشاغل أن أتعرف علي الطريقة التي يتعامل الآخرون وينظرون بها( العرب والأجانب) إلي قضية ازدراء الأديان. ما دار في مؤتمر روما الذي نظمته منظمة أدهوك التي ترأستها الكاتبة والناشطة الحقوقية رندة قسيس لم يجب بشكل كاف عن الأسئلة المتعلقة بالقضية ولكنه أثار لدي تساؤلات أخري, هي ما دفعتني إلي هذا التحقيق الموسع عن القضية من خلال آراء مزيد من المفكرين المصريين للتعرف علي وجهة نظرهم في القضية وفيما طرحه مؤتمر روما من تساؤلات تتعلق بها.
كان مدخل المجتمعين في روما هو كيف يمكن رفع الوعي بالحملة الشرسة الموجهة ضد المفكرين التنويريين في العالم العربي في مواجهة الإرهاب والتصدي للتكفير والفكر المتشدد الذي تتبناه جماعات مثل داعش والقاعدة, حيث إنه لا يمكن مواجهة تلك الأفكار المتطرفة طالما ظل المفكرون والمثقفون العرب يعيشون تحت مقصلة قوانين ازدراء الأديان.. فإذا كان المفكرون مطاردين بين قتيل وسجين وهارب ومتهم فمن سيواجه التطرف إذن؟.. وخرجت بالتأكيد أن مناهضة الإرهاب والجماعات الإرهابية مرتبطة ارتباطا شرطيا ووثيقا بإلغاء قوانين ازدراء الأديان. فالوظيفة الحقيقية لقوانين ازدراء الأديان هي منع أي نقاش جاد وحر لأي مفهوم ديني سائد, مما يجعل مهمة إصلاح الفكر الديني أو مواجهة الفكر المتطرف مهمة شبه مستحيلة. وهنا يكمن السؤال: إذا كان الأمر كذلك وإذا كانت مصر تحارب الإرهاب وتسعي للقضاء عليه, لماذا إذن لدينا قانون لازدراء الأديان,
وهل القانون كفيل بحماية الأديان من الازدراء؟
أستاذ مقارنة الأديان د.إكرام لمعي يرد بأن ما نعيشه الآن ما هو إلا من متخلفات العصور المظلمة التي احتكرت الفرد واحتكرت حريته في اختيار الدين أو في حياته بشكل عام, وبالتالي ظهر ما يسمي بمجتمع القطيع, الذي لا يتناسب مع المجتمع الإنساني الصحي الحديث الذي يبني ويؤسس علي الحرية الفردية والتي لا يمكن التنازل عنها ما لم يضر الآخرين, ومن المفترض أن مصر دولة تتجه نحو الدولة الحديثة ولكن للأسف فإن وجود هذا القانون وما يشبهه يتعارض مع إمكان قيام دولة مدنية حديثة, وذلك بسبب أن الناس الذين يطبقون القانون والمندوبين عن الشعب يتبنون مبادئ قبلية منذ العصور القديمة للإنسان ولا يريدون لمصر مواكبة العالم في قيام الدولة المدنية الحديثة.
ويري الأستاذ نبيل عبدالفتاح الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أن قانون ازدراء الأديان يمثل واحدة من المشكلات الكبري التي يواجها النظام القانوني المصري الذي يعاني من التناقضات بين بعض نصوص قانون العقوبات وبين القواعد الدستورية التي جاء بها المشرع في الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور2014 وما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا من أحكام تتصف بالتجريم والعقاب وبنظرية التفسير الخاصة بالقواعد العقابية والإجرائية الجنائية. كما أن مواد القانون تتضمن مجموعة من الصياغات العامة والتي يشوب بعضها الغموض وتجرم بعض السلوكيات التي تتداخل فيما بين بعضها البعض, وتفتقر إلي الضبط الدلالي والتعريفي لبعض الكلمات المصاحبة إلي نص المادة ومنها علي سبيل المثال تعبير استغلال الدين, وأفكار متطرفة في نص المادة98 ما الذي يعنيه الاستغلال والتطرف, وذلك لأن الاستغلال مفردة بالغة العمومية والسيولة المفرطة مثلها في ذلك مثل الأفكار المتطرفة فكل فكرة يمكن لبعض الجماعات والأفراد أن يعتبرها متطرفة بالنسبة لهم أو لهذه الجماعات أو تلك, فالأفكار نسبية وهو ما يجعلها هدفا لكل تفسير وتأويل بل إن مفهوم التطرف كمصطلح موضوع لسجلات متعددة وتعريفات مختلفة لدي الباحثين في العلوم الاجتماعية وتحديدا في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي, ويختلف تعريف التطرف من نظرية نفسية واجتماعية لأخري, وليس مفهوم التطرف بالمعني اللغوي, فهو مفهوم غير دال خاصة في مجال التجريم والعقاب الأكثر خطورة لأنه يمس حرية الرأي والتعبير والتدين والاعتقاد والبحث العلمي وحرية الإبداع الفني والأدبي ومثل هذا النص يقيم عقدة كبيرة أمام حرية الباحثين.
د. سعيد ناشيد الكاتب والمفكر المغربي أكد في كلمته في مؤتمر منظمة أهوك علي احترام أديان الناس ومعتقداتهم علي اختلافها وتنوعها, لأن ذلك يعد واجبا أخلاقيا علي الجميع, ومن غير اللائق أن نتهكم علي معتقدات تمثل للناس عزاء وجوديا يصعب تعويضه, ولكن الأمر لا علاقة له بمعركة إسقاط قانون ازدراء الأديان سيئ السمعة وسيئ الاستعمال.. لأنه يذكرنا بمحاكم التفتيش, وسيئ الاستعمال لأنه لا يستعمل ضد شيوخ الفتنة الذين لا يكفون ألسنتهم عن سب وشتم ولعن سائر الأديان والمذاهب الأخري, ما يعني أن المستهدف ليس سوي نساء ورجال النقد الفكري والثقافي والإبداعي, بل إنه سهم دائما موجه ضد أصوات التنوير, والغريب في الأمر أن تلك العقوبة ليس لها من أساس في الشريعة الإسلامية, ولا هي مستمدة من أي نص ديني بل إنها التهمة نفسها التي ليس لها تبديل منذ محاكمة سقراط قبل2500 سنة بالتمام إلي غاية اليوم بازدراء الأديان.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يوجه أجدادنا تهمة ازدراء الأديان إلي أبي نواس والمعري وآخرين؟ لقد كان الناس يدرجون السخرية في المجال الديني ضمن باب التفريغ الأدبي الذي لا يهدد المقدسات, فهل ضاقت الدنيا أم ضاقت الصدور؟
وتضيف داليا زيادة مدير المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة التي تقف ضد القانون جملة وتفصيلا أن هذا القانون لم يعد يستخدم للهدف الأصيل الذي أنشئ من أجله, فقد كان الهدف من وضع هذا القانون في بدايته التقليل من حدة الفتنة الطائفية أي أنه كان موضوعا لحماية الأقباط والأقليات الدينية من المتشددين, ولكن للأسف حدث العكس; حيث إنه تم استخدامه في السنوات الأخيرة بشكل مخالف للهدف الأصيل الذي أقيم من أجله, لنري اليوم أن المتشددين هم أكثر استخداما لهذا القانون ضد الأشخاص الأكثر تفتحا وإقبالا علي مناقشة الأمور الدينية.
مؤخرا طالبت د.آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر, عضو مجلس النواب بحذف المادة98 و من قانون العقوبات المعروفة بمادة ازدراء الأديان وقالت د.آمنة إن هذا القانون مخالف لكل المواثيق الدولية الموقعة مصر عليها ومخالف لأكثر من مادة في الدستور المصري الصادر في2014 وبالأخص في مواده أرقام95,92,71,67,65,64, وقد أعددت قانونا بكل الأبعاد المختلفة, وللأسف كانت صدمتي أنه يرفض بنسبة الأغلبية في اللجنة التشريعية المنوطة بحماية القوانين التي تحمي الحريات, وحجتي في حذف هذا القانون هو أنني أري أنه إذا أخطأ شخص من الأشخاص فلابد من استدعائه ومناقشته من قبل الجهة المسئولة عن الخطاب الديني, وما يؤكد ذلك أنه جاء في الحديث الشريف انصر أخاك ظالما أو مظلوما, فقال: رجل يا رسول الله- صلي الله عليه وسلم-: أنصره إذا كان مظلوما, أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟! قال: تأخذ فوق يديه, إذن فإنه يجب علي المؤسسة المسئولة عن الخطاب الديني أن تستدعي الشخص وتناقشه, إذا كان يجهل تعلمه, وإذا كان لا يعرف تعرفه وإذا كان يحتاج لرد ترده, وتكون القاعدة هي الحجة بالحجة, وليس السجن, أما فيما يخص المادة98 فهي مادة هلامية غير محددة المعالم وخالية من الدقة, والدستور المصري أكد أن القوانين التي يحكم بها علي الإنسان لابد أن تكون محددة وغير مطاطة وغير قابلة للاجتهاد, وأن تكون وافية لا تحتمل اجتهادا.
هل من بديل؟
شددت داليا زيادة مدير المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة أنه من الأجدر بنا إلغاء هذا القانون, واستبداله بإعمال ما يسمي بميثاق شرف والسعي لخلق ثقافة عامة في المجتمع تحض علي احترام الأديان واحترام اختلافها وخلق مناخ من التسامح وقبول الآخر, واستبدال قانون ازدراء الأديان بقانون آخر وهو قانون مفوضية مكافحة التميز الموضوع أمام البرلمان الآن, وهذا القانون بدوره سيكون له دور ثقافي ودور قانوني يحمي أي شخص تعرض للتميز الثقافي والمجتمعي والديني وحتي الوظيفي, وبهذا القانون نساعد بل ونرسخ نشر ثقافة التسامح وعدم التميز علي كل المستويات المختلفة, ويقابل هذا القانون الجهد الكبير الذي يجب أن يلعبه الإعلام لتوعية الناس بالهدف الحقيقي من العمل بهذا القانون, وكيف أنه تمت إساءة استخدام قانون ازدراء الأديان.
أما الكاتب المصري ماهر جبرة فقال في مؤتمر روما: حتي الآن لم يتمكن عقلي المتواضع أن يفهم معني تهمة ازدراء الأديان.. فالإنسان حر فيما يقدس وفيما لا يقدس, فهل أصبح الإيمان مقننا أيضا؟, فتهمة ازدراء الأديان مقبرة لحرية الفكر والاعتقاد.. ولو تقبلنا قمع الناس بمعاقبتهم علي ازدراء الأديان, فسيصبح أدني انتقاد لأي شيء يمت بصلة للدين أو لرجال الدين أو حتي للسياسيين الذين يختبئون وراء عباءة الدين, هو ازدراء للأديان.. وعليه فإن الحريات سيتم وأدها باسم حماية الدين وحماية الله من الإهانة.. واتفق معه الكاتب والناشط الحقوقي المغربي قاسم الغزالي الذي قال: إنه من الضرورات التي يفرضها الواقع السياسي والديني الذي تعيشه الدول الإسلامية اليوم, والواقع الموسوم بالعنف والقتل وتنامي الإرهاب الديني من الأولي بنا أن نقف بجانب حرية الفكر ونعلي قيمة المفكر المبدع الذي نحتاجه في مجتمعاتنا اليوم, أما الأنظمة التي تخاف من معتقدات أفرادها وتحاول فرض نمط واحد من التفكير عليهم هذا إنما يدل علي ضعفها وهشاشتها, ويعد قانون ازدراء الأديان منافيا لأهم مبادئ المواطنة الحديثة.
وأضاف المفكر والباحث د.كمال زاخر منسق التيار العلماني أن الأديان لا تحمي بقانون وإنما تحمي بمنظومة قيم يتم تأصيلها في المجتمع من خلال آليات تشكيل الوجدان أو ما يسمي بالذهنية العامة التي تتشكل من خلال التعليم والإعلام والثقافة, وبالتالي فكرة وجود قانون لحماية الأديان فكرة مرفوضة بل تعتبر بدعة غير موجودة في أي مكان بالعالم إلا لدينا, وفيما يخص التطبيق فإنه لا يوجد أي شخص تمت معاقبته لازدراء أي دين غير الإسلام وهذا في حال إذا اعتبرنا أن الازدراء تهمة, وكأن الدين يحتاج من يحميه. وأكد أننا لم نستفد من تجارب الغرب والتي أكدت أنهم لم يخرجوا من هذا النفق إلا بعد قيامهم بفصل الدين عن السياسة والقانون, ليأتي الرد علي ذلك بأن لدينا خصوصية مصرية وخصوصية عربية, وإذا اعترضنا علي ذلك فإن ذلك يعني اعتراضا علي الإسلام, وبذلك بدلا من معالجة الأمر نجد أنفسنا نتناقش في موضوع آخر. والحقيقة أن فكرة الخصوصية ما هي إلا وهم تم خلقه بما لا يتناسب مع الثورة الصناعية وثورة المعلومات, حيث إنه لم يعد هناك أي خصوصية في أي مكان بالعالم, وبذلك تعتبر فكرة الخصوصية في مجملها فكرة تحتاج إلي مراجعة فحيثما وجد الإنسان لأنها تتناقض أيضا مع حرية المعرفة وحرية الحديث وحرية النقد, وأكبر مثال علي ذلك التجربة المسيحية الغربية في ألمانيا معقل الكنيسة البروتستانتية ومعقل إعمال العقل في هذا الإطار يتعرض فيها الكتاب المقدس لأقصي أنواع النقد, ولم نر في ألمانيا أنه تم تقديم شخص للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان أو الإساءة للمسيحية.
أما الكاتب والروائي المصري حامد عبدالصمد فوجه في مؤتمر روما انتقادات لما سماه الفاشية الإسلامية; حيث يري أن تلك الفاشية تعد نوعا من الدين السياسي, ويعتقد أتباعها أنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة ومن يناقشهم فلا حق له في العيش معهم.. فالمشكلة الحقيقية التي نعيشها الآن هي في طريقة التفكير والعمل الشمولي في الأهداف التي تسعي لإخضاع الفرد للسيطرة وفرض الولاء الأعمي عليه, وإذابة شخصيته, ويعد ذلك سمة مشتركة بين الفاشية الأوروبية والإسلام السياسي.. ولقد كان الإخوان المسلمون مأخوذين بنموذج هتلر في الحكم, وكانوا يحلمون بنفس قوة التنظيم والولاء الأعمي, وتوحيد المجزأ بقوة السلاح, وإخضاع الداخل وتذليل كل قوة خارجية.. ومن هنا فإن تلك الأنظمة الفاشية الشمولية تسعي دائما لجعل العالم سجنا كبيرا لما يفرضونه علي الفرد من لون واحد وأيديولوجية واحدة, يكون الخروج عليها ضربا من الخيانة يتطلب عقوبات قاسية مما رسخ ثقافة العنف, ونشر الجهاد في كل بقاع الأرض.
ومن جانبه اختلف د. عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية مع تلك الأطروحات مؤكدا أن الأديان ترتبط بالكيان الآدمي, وأي مساس باختيار الإنسان لأي دين يعتبر مساسا بالكرامة الإنسانية والتي ترتبط ارتباطا أصيلا وصميما بحقوق الإنسان, وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام1948; حيث تنص المادة18 منه علي أن لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما, وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره, وبذلك فإن أي إنسان حر في خياراته ولابد أن تحترم حريته, وحرية العقيدة هي حق إنساني وأي اعتراض علي العقيدة والدين لا يعد إهانة للدين وإنما يعد إهانة للفرد واغتيالا لحريته, والأمر الثاني هو أن السؤال والتفكير والتدبر في أمور الدين إذا كان بغرض المعرفة فهذا شيء محمود, والدليل علي ذلك مقولة: ناقل الكفر ليس بكافر, أما إذا كان الهدف والغرض من السؤال هو السخرية أو التشكيك فهذا شيء غير مقبول لأن هذا الشخص المشكك لا يريد المناقشة أو البحث عن إجابة من وراء سؤاله ولكنه دائما ما يتحدث بصيغة أنه يقرر حقيقة دامغة ولا يريد الاستفادة ولا يمكنه أن يتنازل عن أفكاره مقابل أفكار أكثر إقناعا, بل يصل الأمر إلي مرحلة التطاول بالألفاظ علي قمم قاموا بدورهم في التاريخ الإنساني في سبيل العلم وحتي ولو كان لديهم بعض الأخطاء, والأجدر بنا أن نجلس علي مادة الحوار لأن كل الأفكار قابلة للنقاش ولكن سب الأشخاص غير مقبول, وما يحدث اليوم هو النيل من الأشخاص وليس مناقشة أفكارهم لذا فأنا أري أنه من الضروري الإبقاء علي قانون ازدراء الأديان.
حق الاختلاف جزء من تاريخنا
نشأ علم الفلسفة علي يد اليونانيين قبل الميلاد, وكان من تميز منهم في هذا المجال أفلاطون, وأرسطو, وسقراط.. وقد اختلفت مناهج كل منهم في الفلسفة; فمنهم من ركز علي الجانب الأخلاقي وكيفية الوصول إلي المثالية, ومنهم من ركز علي الجانب العقلاني.. وعندما جاء الإسلام لم يسجل التاريخ ظهور فلاسفة مسلمين إلا في مراحل متأخرة, وذلك في العهد العباسي, وقد كان موقف علماء الإسلام من الفلسفة ما بين مكفر لمن يمارسها, وآخر كان يري صواب جزء منها دون الآخر, وموقف المؤيد للاشتغال بها مطلقا, إلي أن جاء فيلسوف العرب ومؤسس الفلسفة الإسلامية يعقوب بن إسحق الكندي والذي يعد عالما موسوعيا ألف في مجالات واسعة غير الفلسفة ما يقرب من مائتي مؤلف, ومن أفكاره في مجال الفلسفة تحليله لإرادة الإنسان واختياراته في الحياة.. وجاءت الأندلس بالفيلسوف الكبير محمد بن رشد والذي كان بارعا في مجالات كثيرة إلي جانب اشتغاله بالقضاء واهتمامه بالفقه الإسلامي, وقد كان لابن رشد منهج فلسفي خاص اعتمد علي التحليل الفلسفي لكثير من الأمور..
تقول د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إنه كلما انفتح الفكر وكان هناك حوار ونقاش يختفي الخوف وتكون النتيجة هي الإبداع في البحث وتدقيق الحقائق, لأن الخوف يقتل المواهب ولا ينتج فكرا سويا, وقد كانت حقبة الأندلس, حقبة حافلة بالمناقشات بين رجال الدين والفلاسفة والآن الأمر لا يحدث لأنه للأسف هناك تراجع كبير في ثقافة الحوار, وتراجع عن احتمال الاختلاف سواء الاختلاف الثقافي والعقيدي والأيديولوجي, وللأسف نعاني من حالة من ضيق الأفق وقبول المختلف معنا حتي في الحوار البسيط في داخل الأسر أو حتي مع الأصدقاء, لماذا لا نعي أن الاختلاف جزء أصيل كما أراده رب العزة, لأن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة, ولذلك فالاختلاف أراده الله ولكن بضوابط, وهي أننا نتعلم أدب الاختلاف ولدينا فقهاؤنا العظام الذين تركوا تراثا مهما نفخر به ونتعلم منهم مثل الإمام الشافعي الذي يقول رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب!!, والإمام مالك يقول كل إنسان يأخذ منه ويرد إلا صاحب هذا المقام وأشار إلي مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم, والإمام أبوحنيفة شيخ الفقهاء يقول هذا رأي ما قدرت عليه إن اتفق مع الكتاب والسنة فخذه وإن اختلف فاتركه, وهذا يعني أن الأئمة لم يتنطعوا كما نتنطع نحن الآن, وكلمة تنطع جاءت في حديثه صلي الله عليه وسلم مر علي قوم وألقي عليهم السلام لم يردوا فاستغرب عليه السلام وسأل لماذا لا يردون السلام: قالوا إنهم نذروا الصوم عن الكلام, فتعجب وقال هلك المتنطعون, فالتنطع في الدين وإقحام ما ليس فيه أو الجمود كلها مسائل الإسلام لا يرحب بها أبدا, تحت أي مقولة.
وكانت د. نادية عويدات أستاذ الفكر الإسلامي الحديث في جامعة جورج تاون بواشنطن قد أكدت في كلمتها في مؤتمر روما أن الوجود العربي الإسلامي في الأندلس الذي امتد ثمانية قرون قد صاحبه نهضة علمية وعمرانية وفنية وفكرية وفلسفية.. حيث استطاع فلاسفة العرب ومفكروهم في الأندلس التأثير في أفكار بعض رجالات أوروبا, وكانت الأندلس تشهد حرية في التعبير والتفكير حتي إنها كانت أرضا للكثير من المناظرات بين أصحاب النظريات الإسلامية المختلفة, وذلك لإيمانهم بالمنهج العلمي العقلاني والمعرفة العلمية لحل المشاكل التي يتعرض لها الفرد في كل مراحل حياته لتساعده علي التقدم الفكري والإنساني باعتبار الفلسفة أصدق تعبير عن روح العصر الذي نعيش فيه اعتمادا علي العقل العلمي لتصحيح كثير من آراء وأفكار ومناهج البحث وأسلوب التفكير وتوظيفه في مجتمعنا المعاصر, والاستفادة من ذلك بالكتابة والتأليف والإبداع ليكون نبراسا وحافزا علي المعرفة.. هذا الدعم كان دافعا كبيرا لأهل الأندلس الذين ألفوا كتبا عدة في القضاء واللغة وآدابها وعلومها والمعاجم والتراجم, والتاريخ والسيرة والجغرافية, وعلوم الطب والحساب والهندسة والفلك والكيمياء والمنطق, وفي الفلسفة والموسيقي, بحيث لم يتركوا حقلا من حقول العلم والمعرفة إلا طرقوها, ولعل أشهر أعلام هذا العصر هو ابن رشد أحد أهم الفلاسفة الذين عاصروا العالم الإسلامي, كما أنه علم من أعلام عالم الفلسفة وبرع في علوم عدة أيضا منها الطب والرياضيات والفلك, ولقب بالشارح الأفضل, وذلك لأنه الوحيد الذي تمكن من شرح ما قام أرسطو بكتابته بصورة واضحة.. كما أن الفلاسفة كانوا يلجأون له من أجل البحث في تفسير بعض الأمور المبهمة في كتب أرسطو بالتحديد.. وبالمقارنة بتلك الحقبة الثرية نجد الآن المسلمين يقفون أمام المدارس التي تمول من نظم إرهابية لتعليم أبنائهم مما يجعل من الصعب انخراطهم في المجتمعات الحديثة وإعلاء قيمة العلم والعلماء.
وتابع المفكر المغربي سعيد ناشيد أنه من الأجدر أن يفتح باب الاجتهاد ولا يتوقف الأمر عند ذلك الزمان, ولا عند أسس التفسير وقواعدها القديمة دون النظر للمتغيرات الحياتية والاختلافات الواضحة بين معطيات زماننا وذاك الزمان.. وما يؤكد ضرورة الاجتهاد وإعادة النظر من جديد في تفاسير وتأويل القرآن الكريم أنه منذ لحظة النزول الأولي وهو مثار اهتمام الرعيل الأول, ومن عاصر الرسالة, وكذلك كان التابعون وهم من ساهموا في تشكل بنية الإسلام في شكله المعاصر.. ولقد كان نقطة التقاء الباحثين والدارسين والمفسرين والفقهاء, باختلاف مداركهم, ومستويات تفكيرهم, وتنوع مشاربهم الدينية والفلسفية.. ولم يكن هناك ما يؤشر علي هامشية النص.. فبالرغم من المكانة الهامة التي أولاها المفسرون الأوائل للنص القرآني, ومركزيته داخل المنظومة الفكرية الإسلامية في أبعادها المختلفة, إلا أن القواعد والتأصيلات التي وضعها المفسرون لتفسير هذا النص ضيقت من مركزية القرآن, وبدلا من أن يكون محور الاهتمام, ونقطة التجمع الأولي, صار محورا للاختلاف, والتوظيف الأيديولوجي.
د. نصر حامد أبوزيد أشهر الكتاب الذين قدموا دراسات حول النص الديني واتجاهه العقلي في الدراسات الإسلامية بصفة عامة, مما أثار زوبعة في تسعينيات القرن الماضي, أدت إلي صدور قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته د.ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة, ووضع علي قائمة المطلوب إهدار دمهم, بعد أن اعتبر مرتدا عن الإسلام, فاضطر للجوء مع زوجته إلي هولندا إثر هذا الحكم.
حامد عبدالصمد: لقد كان الإخوان المسلمون مأخوذين بنموذج هتلر, وكانوا يحلمون بنفس قوة التنظيم والولاء الأعمي, وإخضاع الداخل وتذليل كل قوة خارجية.. ومن هنا فإن تلك الأنظمة الفاشية الشمولية تسعي دائما لجعل العالم سجنا كبيرا.
د. نادية عويدات: كانت الأندلس تشهد حرية في التعبير والتفكير حتي إنها كانت أرضا للكثير من المناظرات بين أصحاب النظريات الإسلامية المختلفة, لإيمانهم بالمنهج العلمي العقلاني لحل المشاكل التي يتعرض لها الفرد في كل مراحل حياته لتساعده علي التقدم الفكري والإنساني.
نص المادة98 من قانون العقوبات: أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن6 أشهر ولا تتجاوز ال5 سنوات أو بغرامه لا تقل عن500 جنيه ولا تتجاوز آلاف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأي وسيلة أخري لأفكار متطرفة, لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية.
نص المادة176: يعاقب بالحبس كل من حرض علي التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام..
أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا جمهوريا حمل رقم515 لسنة2016 بالعفو عن بعض الشباب المحبوسين علي ذمة قضايا مختلفة, وعددهم82 شابا بينهم الإعلامي الباحث الإسلامي إسلام بحيري الذي أدانه القضاء بارتكاب جريمة ازدراء الدين الإسلامي, ليخرج بعدها إسلام عن صمته ويؤكد أن قرار العفو الرئاسي المصري عنه, يعد هزيمة لما وصفه ب الجانب الآخر أمام الجانب التنويري والمثقفين الذين يتعرضون دائما للهزائم, وأضاف بحيري أنه لم يتوقع هذا العفو عنه الذي جاء إعلاء للدستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.