هناك حراك خليجي كبير من أجل تنسيق المواقف الجماعية لمواجهة التحديات, حيث تستشعر بعض دول الخليج ولاسيما السعودية أن هناك خطرا بات يهدد أمنها واستقرارها; لهذا تتحرك متسارعة علي أكثر من صعيد لمواجهة تلك المخاطر, والحقيقة أن هناك وعيا خليجيا بحقيقة مفادها أن أيا من دول الخليج منفردة ليس بطاقتها التعامل مع هذا الواقع المعقد, في حين أن تنسيق المواقف لا يغني عن ترتيبات جديدة ضرورية للتوافق علي مفهوم جديد للأمن الخليجي وآليات غير تقليدية للحماية والردع. ومن ثم النقاش دائر خليجيا علي مستوي تداول الأفكار, كما أن المشاورات السياسية لا تهدأ بين العواصم. وفي قلب النقاش والمفاوضات هناك محاولة للإجابة عن التساؤل الرئيسي وهو كيف نواجه التهديدات؟ يضاف إلي ذلك أن الخليج يدرك أنه لا يملك القوة البشرية أو القدرة العسكرية الكافية لحماية مصالحه وثرواته ودوله...إلخ, لهذا فإن سؤالا آخر يظل مطروحا حول تحديد القوي المرشحة للتعاون والتحالف لبناء مظلة حماية إقليمية بديلة عن تلك التي فقدت فاعليتها. لا شك أن تحولات الموقف الأمريكي تجاه دول الخليج, وخروجها كعنصر توازن كانت تعادل من خلاله دول الخليج مكانتها في الإقليم, قد سمح ربما عن تعمد لخلخلة النظام الإقليمي لغير صالح دول الخليج, وقد كانت البوادر من العراق التي هيمنت فيها إيران علي القرار السياسي والموارد ووظفتها لصالحها, ومن بعد بدأت متوالية الانهيار والتحلل تضرب الدول العربية الرئيسية وفي قلب هذا الإعصار تجد دول الخليج إيران لاعبا رئيسيا تتصاعد نفوذه وتتزايد تأثيراته وبترحيب أمريكي يكشفه هذا الصمت المخزي والتخلي عن الحلفاء التقليديين بل مطالبتهم بالتحاور مع إيران التي لا تترك مساحة للتفاهم والتعاون بل تعسكر المجتمعات في المنطقة وتهدد استقرار الإقليم ككل. التهديدات غير مسبوقة تطال الأنظمة الحاكمة وتختبر بقوة قدرتها علي الصمود, بل تطال التهديدات بقاء الدول الوطنية في حد ذاتها, فضلا عن طبيعة التدخلات الدولية للقوي الرئيسية وتحولات أدوارها التقليدية وتهديد مصالح دول الخليج ونفوذها, وتتصاعد التهديدات مع تزايد معدلات التدخل العسكري الخارجي في ظل قدرات عسكرية محدودة التأثير,ناهيك عن عسكرة المجتمعات وتقسيمها علي أسس طائفية ومذهبية. المهم أن حالة الاسترخاء الخليجي في حقبة الحرب الباردة وما بعدها ذهبت وأصبح الخليج في مواجهة مصيره وعليه أن ينهض بأمنه وفق رؤية ذاتية ومنطق أكثر واقعية, وتوحي الحركة الخليجية للبحث عن آلية لمواجهة التحديات في السنوات الأخيرة بأن الخليج لم يتحسب لهذه التغيرات, ولم تؤت أي من المقاربات الأخيرة الثمار المرجوة منها كمحاولة تطوير مجلس التعاون الخليجي أو التحالف الدولي الذي انخرط في حرب اليمن وغيرهما, وما تمخضت عنه هذه التحركات أثبت صعوبة توفير مظلة حماية بدون بناء أرضية مشتركة يتم التوافق فيها علي تحديد طبيعة التهديدات والمخاطر ومصادرها والحلول المطروحة, بمعني أدق ضرورة التوافق السياسي أولا, وذلك قبل أن تنطلق آليات لتنسيق السياسات الجماعية وهذا يعود بنا لمعرفة أسباب فشل مقترح القوة العربية المشتركة. الإشكالية إذن أن التوافق السياسي الخليجي حول عدد من الركائز الأساسية مفقود, ويعود ذلك إلي وجود أولويات وطنية وقطرية متضاربة وأحيانا متناقضة, وحتي يحسم الخليج أمره يبقي التهديد ماثلا وتتزايد تأثيراته, نقطة الانطلاق إذن أن يحدد الخليج بأي مشروع سياسي سوف يواجه التحديات؟..وبأي مشروع ثقافي سوف يواجه المشروع الإيراني؟..وكيف سيحل الخلاف حول مواقف دوله المتناقضة من جماعات الإسلام السياسي؟..وما هو منظوره للحلول في الدول العربية غير المستقرة وشبه المستقرة؟..وبأي من الحلفاء سوف يستعين علي هذه المواجهة الصعبة,هل تركيا,هل مصر,هل يمكن بالاثنين معا؟,..والخلاصة أن كلمة السر هي التوافق أولا