على الرغم من عودة سفراء السعودية والإماراتوالبحرين إلى الدوحة وانعقاد القمة الخليجية فى موعدها ومكانها ووجود خطوات كاشفة لحسن النيات فى القضايا الخلافية الخليجية القطرية مثل التراجع عن استضافة الدوحة لمعارضين سعوديين والبعد عن سياسة تجنيس مواطنين بحرينيين وترحيل بعض القيادات الإخوانية «على دفعات»، منذ التوقيع على اتفاق «الرياض التكميلي» فى 16 نوفمبر الماضي، إلا أن ثمة قضايا عالقة ربما تؤثر فى مسار العلاقات الخليجية – الخليجية، خلال المرحلة المقبلة، سواء تعلقت بالإرتقاء بالتجربة التكاملية الخليجية أو مواجهة مصادر الهجمات الإرهابية أو مساندة الدولة المصرية أو التصدى لتهديدات السياسة الإيرانية. وقد عبر عن وجود مثل هذه القضايا العالقة التى قد تكشف – وليس تُنشأ- الخلاف بين دول الخليج أمير قطر الشيخ تميم بن حمد فى نهاية أعمال الدورة ال 35 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجى فى قطر فى 9 ديسمبر الحالى بالقول «إزاء التحديات والمخاطر لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات داخلية». وبوجه عام، تتمثل تلك القضايا العالقة بين دول الخليج فيما يلي: التعثر الاتحادي (*) تطوير التجربة الاتحادية الخليجية. على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود وثلاث سنوات على الاندماج الإقليمى الخليجي، لا يوجد توافق خليجى عام بشأن مفهوم وشكل الاتحاد، أو دوافع وضرورات الاتحاد، أو المجالات التى ينبغى البدء فيها لتحقيق الاتحاد، أو بشأن عوائد ومنافع الاتحاد، وهو ما يجعل هذا الاتحاد مشروعا مؤجلا لحين إشعار أخر، لاعتبارات تتعلق بعدم الجاهزية الداخلية، والتى توصف عادة بالخصوصية الخليجية. لذا، فإن ثمة مؤشرات فعلية توحى بأن هناك صعوبة فى التحول من التعاون إلى الاتحاد الخليجي، على الرغم من أن إعلان الدوحة دعا إلى «تأسيس مرحلة جديدة فى العمل الجماعى بين دول المجلس لمجابهة التحديات التى تواجه أمنها واستقرارها والتى تتطلب منها سياسة موحدة تقوم على الأسس والأهداف التى تضمنها النظام الأساسى لمجلس التعاون، وضرورة العمل الجماعى المشترك فى جميع أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والإعلامية وغيرها من المجالات الأخرى، بما يخدم مسيرة المجلس ومكتسباته التى تحققت». أضف إلى ذلك هناك تحمس من جانب بعض الدول الخليجية للسير فى إطار الإرتقاء بالتجربة الخليجية بشكل متسارع حيث دعا ملك البحرين حمد بن عيسى إلى «تطوير أساليب التعاون الخليجى المشترك، بما يعزز المواطنة الخليجية وتفعيل دور مجلس التعاون على نحو يستشعره المواطن الخليجى خلال حياته اليومية، وتحقق آماله وتطلعاته فى التقارب والتلاحم والتعاون، ويسمو به إلى التكامل والاتحاد». فى حين يدعم أمير قطر تميم بن حمد الرؤية التدرجية حينما قال فى افتتاح القمة «إن الاتحاد الخليجى سيظل هدفا ساميا ومنه إلى الاتحاد العربي»، وأضاف «أن تحويل هذا الهدف إلى واقع يتطلب التحرك بخطوات تدريجية قائمة على تكامل المصالح الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والثقافية بين شعوبنا، ما يحقق الأهداف والمصالح المشتركة». فالسياسة الواقعية للنظم السياسية الخليجية تشير إلى أنه مازال هناك تباين واضح فى المواقف الخليجية إزاء موضوع التحول من التعاون إلى الاتحاد الذى طرحته الرياض ووافقت عليه المنامة وترفضه سلطنة عمان وتحفظت عليه بدرجات متباينة الإماراتوقطروالكويت، بحيث اقترح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مؤخرا تشكيل لجنة لبحث الأسس الواقعية لقيام الاتحاد حيث أشار فى كلمته إلى «إيجاد أساس صلب يمهد للدخول إلى مرحلة الاتحاد أساسا يجسد تجاوز الخلافات ويحصن تجربتنا»، داعيا إلى التفكير فى تشكيل لجنة رفيعة المستوى تضم خبراء اختصاصيين ومن ذوى الخبرة تتولى استكمال دراسة موضوع الاتحاد من مختلف جوانبه بكل تأن وروية وترفع مرئياتها ومقترحاتها بالصيغة المثلى للاتحاد إلى المجلس الوزارى ومن ثم ترفع للمجلس الأعلى». التهديد الإخوانى (*) مصدر التهديدات الإرهابية. يمثل التهديد الإرهابى المتصاعد واحد من اكثر مهددات الامن الخليجي، بأوزان نسبية مختلفة، غير أن ما يثير خلافا بين دول الخليج هو أن بعض الدول مثل السعودية والإمارات تعتبر تنظيم الإخوان المسلمين جماعة الإرهابية فى حين لا تعتبرهم قطر أو حتى البحرين ذلك، وتمثل حالتا الإخوان المسلمين فى الكويت وسلطنة عمان خيارا وسيطا بين هذا وذاك، على نحو يشير إلى عدم وجود استراتيجية موحدة إزاء فصيل سياسى له فروع فى دول عدة، لاسيما أن دولة مثل قطر تقوم سياستها الخارجية على الحفاظ على قنوات الاتصال مع كل الأطراف حتى لو كانت مصالحها متناقضة. وفى هذا السياق، أكد وزير الداخلية الكويتى الشيخ محمد الخالد الصباح فى تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 11 ديسمبر الحالى «إن دول الخليج تنسق فيما بينها وتدرس تصنيفات القوائم الإرهابية التى أصدرتها السعودية والإمارات، وأن النتائج قد ينجم عنها اتخاذ خطوات مماثلة من بقية الدول الخليجية»، على نحو يشير إلى أن هناك إدراكا خليجيا بجوهر الخلاف المحتمل وخاصة بين السعودية والإمارات من جانب وقطر من جانب آخر، لاسيما وأن هناك كتابات صادرة عن مراكز البحث والتفكير الغربية مثل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية تركز على ما أسمته «نقاط التمويل» للإرهاب فى دول الإقليم، خاصة القادم من تبرعات شعبية من الدوحةوالكويت. التأييد المصري (*) دعم الدولة المصرية. يعد الموقف من مصر، سواء فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين أو مكانة مصر فى الموازين الإقليمية، واحدة من القضايا العالقة التى سوف تبقى فى مسار العلاقات بين نصف دول الخليج، على الأقل، وقطر، وإن أكد البيان الختامى لقمة مجلس التعاون الأخيرة «مساندة دول المجلس الكاملة ووقوفها التام مع مصر حكومة وشعبا فيما يحقق استقرارها وازدهارها». فضلا عن تصريح وزير الخارجية القطرى خالد العطية «لم تكن هناك خصومة مع قطر حتى نتحدث عن مصالحة».. غير أن اتفاق الرياض التكميلى لا يحكمه – على حد تعبير د.مأمون فندي- إلا ما قاله الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان لنظيره السوفيتى ميخائيل جورباتشوف «نعم هناك ثقة، ولكن لا مكان للثقة دون المتابعة على أرض الواقع». ومن ثم، فإن العبرة تتعلق بمدى تنفيذ الالتزامات فى الملفات التالية: (*) التخلى عن الدعم السياسى والمالى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، الملموس منذ مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، والمستمر بعد سقوط حكمهم فى 30 يونيو 2013، وهو ما سوف يظهر فى مدى جدية الحكومة القطرية فى إبعاد قيادات الصفين الأول والثانى من الجماعة، وتقديم التزامات محددة بعدم ممارسة أنشطة معادية لنظام الحكم فى مصر. (*) التحول فى التغطية الإعلامية لشبكة قنوات الجزيرة للتفاعلات الداخلية المتعلقة بالشأن المصري، وبصفة رئيسية قناة «الجزيرة مباشر»، والحد من التعرض لشخص الرئيس عبدالفتاح السيسى والتغيير فى صفة ما تعتبره «انقلاب شعبي» بعد 30 يونيو، والالتزام بالمعايير المهنية التى ميزت الجزيرة منذ انشائها فى عام 1996، لدرجة جعلت قطر «الدولة القناة» . (*) الاستئناف للدعم المالي، سواء قروض أو ودائع أو استثمارات لمصر، والتى كانت بارزة سواء خلال حكم المجلس العسكرى أو أثناء حكم الإخوان المسلمين، الأمر الذى تغير بعد 30 يونيو، بحيث ردت الحكومة المصرية القروض القطرية المستحقة فى موعدها. وهنا، يمكن للدوحة إبراز حسن نياتها خلال مؤتمر الدول المانحة الداعم للاقتصاد المصرى فى منتصف مارس 2014. (*) الخروج من التحالف الثنائى مع تركيا، والذى يرتبط فى جزء كبير منه بدعم الإخوان المسلمين فى مصر وليبيا، وهو ما يمثل تهديدا حادا للأمن القومى المصرى من ناحية الحدود الغربية، مع الإبقاء على حدود التفاهمات السياسية فيما يخص المسألة السورية وفى القلب منها الإطاحة بنظام بشار الأسد. التوسع الإيراني (*) توسعات السياسة الإيرانية. مازالت إيران تمثل رقما مهما فى تعقد التفاعلات البينية الخليجية، إذ تعد سلطنة عمان هى الدولة الأكثر قربا من بين دول مجلس التعاون الخليجى إلى طهران، ويليه فى درجة التعاون قطر، وهو ما يختلف عن علاقة إيران مع السعودية فى إطار صراعات النفوذ الإقليمى وتدخل طهران فى الشأن الداخلى البحريني، ومازالت هناك «اراض إماراتية محتلة» من جانب طهران، فضلا عن تحريك الأخيرة لجماعات استخباراتية وخلايا نائمة تابعة لها فى الكويت، على نحو يشير إلى وجود نيات لتوسعات إيرانية فى منطقة الخليج. لذا، تطرح بعض الكتابات بروز أدوار محاور جديدة تتشكل بين سلطنة عمانوإيران وربما قطر فى مواجهة محور السعودية والإماراتوالبحرين، لاسيما مع استدعاء الدور العمانى فى التوسط بين إيران والولايات المتحدة على خلفية البرنامج النووى لطهران، فضلا عن موقفها المناهض للدخول فى ترتيبات «الاتحاد الخليجي». كما تجدر الإشارة إلى أن القرار الخليجى بسحب السفراء من الدوحة فى الخامس من مارس الماضى جاء بعد يوم واحد من توجيه سلطنة عمان، دعوة إلى الرئيس الإيرانى حسن روحانى لزيارة السلطنة، وهى الدولة العربية الأولى التى زارها بعد توليه مقاليد الحكم.كما أن صعود الحوثيين فى اليمن وتوقيع اتفاق الشراكة بما يضمن تمثيلهم فى السلطة مع وجود أذرع عسكرية لهم، فى ظل حالة الإزدواجية التى تتسم بها الأجهزة الأمنية، يمثل نجاحا للتوجه الإيرانى فى الإقليم بشكل أو بأخر، لاسيما فى ظل تراجع الاهتمام السعودى وتزايد الاهتمام الإيرانى بمراكز القوة الناشئة. فضلا عن تزايد دور حزب الله فى دعم نظام بشار الأسد فى سوريا مع تزايد استدعائه لدور داخلى لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يعلى من أوراق إيران التفاوضية فيما يخص دورها فى الملفات الإقليمية. ومن المرجح أن يكون عدم التوافق فى المواقف الخليجية إزاء إيران سيبقى قائما، وإن كان ما صدر عن البيان الختامى لقمة الدوحة سيلبى رغبة عمان بأن يكون لها حرية للحركة فيما تعتبره إزالة العقبات فى العلاقات الخليجية الإيرانية. خطوة - خطوة خلاصة القول كان ثمة رغبة وإرادة من دول الخليج على إنجاح القمة السنوية بالتركيز على القضايا التوافقية والابتعاد عن القضايا الخلافية، لدرجة أنه تم ضغط الانعقاد فى ساعتين بعد أن كان مقررا لها يومين، إذ كان مجلس التعاون الخليجى يعمل طوال ثمانية أشهر بالحد الأدنى من التعاون. فالخلافات مازالت قائمة غير أنها أصبحت أقل حدة مقارنة بفترات سابقة وفقا لسياسة «خطوة-خطوة» التى اقتنعت بها الرياض وأبوظبى لاسيما وأن أجنحة السلطة والنفوذ داخل الدوحة لاتزال تميل كفتها لصالح الأمير الوالد حمد بن خليفة. وهنا، يمكن القول أن المصالحة الخليجية تحتاج إلى فترة اختبار يمكن على أساسها تحديد مدى حدوث تغير فى العلاقات البينية، وتقع الكرة بالأساس فى الملعب القطري، لتوضح مدى جديتها بالاتساق مع السلوك الخليجى العام أم الاستمرار فى التغريد خارج السرب الخليجي، وإن كانت السوابق التاريخية ترجح الخيار الثاني، حيث تقدم الدوحة تنازلات شكلية لا يتوازى معها سياسات فعلية.