تمكنت ابنة أحد الأصدقاء باجتهاد من أن تصبح الأولي علي دفعتها في إحدي الكليات بتقدير ممتاز, لكن القاعدة القانونية الخاصة بتعيين المعيدين في الكليات وميوعتها وكونها حمالة أوجه وتفاسير تصادف أهواء المسئولين حرمت هذه الطالبة المتميزة من التعيين في الهيئة المعاونة, ليتم اختيار طالبة أخري من السنة الماضية في خلل واضح وإهدار تام لتكافؤ الفرص. ولعل هذا الموقف قد دفعني بداية إلي معرفة تفاصيل القواعد القانونية الخاصة بمسألة اختيار الهيئات المعاونة في الكليات الحكومية, والواقع أن ما وجدته من قواعد هو رواسب قانونية من دولة المحاسيب ومعايير لا تتناسب مع دولة القانون والحداثة التي ننشدها, وذلك علي الرغم من دعوات ومبادرات الإصلاح المطروحة في هذا الميدان, وكذلك فتوي مجلس الدولة بشأن تجريد هذه القاعدة ونزع العوار الذي يعتريها, المهم أن أفكار الإصلاح محددة ومطروحة منذ وقت كاف, إلا أن الحكومة لا تبدي استجابة. والواقع من تأخير في إصدار التشريعات المطلوبة في هذا الميدان هو ما رصدناه في الميادين الأخري, وهكذا يوما بعد يوم واستنادا إلي استمرار سياقات قانونية متوارثة من عصر الاستبداد نعيد إنتاج الفشل, وعلي جانب آخر فإن غياب الإرادة عن تحقيق سيادة القانون وتأكيد هيمنة ثقافة الاستبداد تبدو الدولة/النظام/السلطة تسير عكس التاريخ والمنطق وعكس ذاتها. فإذا كانت مصر شبه دولة; فهي كذلك لأن القانون فيها شبه غائب, فعلي مدي سنتين ونحن نتابع بالبحث والدراسة والتحليل من خلال مجلة رؤي مصرية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية في ملفات منفصلة بعضا من القضايا الملحة والأزمات المتصاعدة; فتناولت المجلة الإدارة المحلية, والتعليم والصحة, والإصلاح الإداري والإعلام وغيرهم.. وكانت الأبعاد الدستورية والقانونية موضوعا مشتركا في جميع هذه الملفات باعتبار المدخل الدستوري يعد محددا رئيسيا لمعرفة ماهية فلسفة المعالجة, فضلا عن أن المدخل القانوني يعد محددا مهما لمعرفة خطط واستراتيجيات السلطة وإن شئت قل معرفة نواياها تجاه الإصلاح. والواقع أن الدستور قد حسم الأطر والأفكار الكبري, إلا أن الظاهر حتي الآن أنه يتم التلاعب بالمسارات التشريعية والقانونية عمدا, ولعل غياب دولة القانون وتجاهل الدستور أصبح السمة الرئيسية التي تشير بوضوح إلي مكمن الخطر الذي بات يهدد فعليا الدولة. إن القاعدة أنه لا دولة بلا قانون, ولا معني للقانون بدون استناده إلي قاعدة مجردة تحقق المساواة ولا تحتمل التناقض, فالقانون هو المدخل الأول لمعالجة حالة الانهيار الكبير الذي تعاني منه الدولة وسلطاتها ومؤسساتها وقطاعاتها المختلفة..والمؤكد أن المصريين أبدوا من أجل الحفاظ علي الدولة استعدادات كبيرة لتقبل سلطوية الدولة وقمعها وعنفها كما تم تفويضها كما لم تفوض من قبل, وكانت هذه الاستعدادات والتفويضات مقرونة بطموحات وآمال كبيرة بشرط استعادة الفاعلية والكفاءة, وتطلع كبير إلي مكافحة أوجه الخلل, وسرعة في محاصرة الفساد وأشكاله ورموزه وأدواته والأهم إعادة البناء وتدفق الأمل, إلا أن غياب بوصلة الإصلاح الشامل والذي من ملامحه الرئيسية غياب تفعيل القوانين الضرورية واللازمة لاسيما تلك التي كان الدستور حريصا علي أن تصدر فور وجود برلمان منتخب, يعني أن الطموحات استحالت خيبات أمل كبيرة, والتطلعات استحالت احباطات بلا حدود. إن احترام الدستور أمر يفترض ألا يكون محلا للجدل, ووجود حد أدني من سيادة القانون ضروري للبقاء, ووجود حدد أدني من معايير العدالة والمساواة حتمي, وسرعة الإنجاز والتنفيذ أمر لا مجال فيه للتلاعب لأن ذلك هو الطريق الوحيد لصدق نوايا إعادة البناء. لكن التعايش مع الأزمات باليومية والقطعة والأمر الواقع وتأجيل تفعيل الدستور والقانون ومن ثم غياب السياسات الواضحة يحيلنا إلي الكابوس الذي نعيشه.