بالأمس البعيد لم تكن مصر تعاني نقصا في المحاليل الطبية التي عادة ما تكون طوق نجاة كثير من المرضي في الحالات الطارئة ناهيك عن ضرورتها لكثير من الحالات المرضية المزمنة وبالأمس غير البعيد ظهرت أزمة تشير ملامحها إلي عدم توافر الكميات الكافية لتلبية احتياجات المرضي والمستشفيات من تلك المحاليل, وبالأمس القريب صار البعض يتعامل مع المحاليل معاملة السلع التي يقوم التجار بخلق سوق سوداء لها بفعل الجشع والاحتكار وأشياء أخري فصاروا يبيعون العبوة التي لا يتجاوز سعرها4 جنيهات بما يتجاوز العشرين جنيها في سوق موازية وصور متباينة للاتجار غير المشروع لتلك المحاليل في سوق سوداء خلقتها العلاقة بين احتياج المرضي وندرة المعروض. واليوم لم يعد للمحاليل أي وجود في المستشفيات ولا الصيدليات الخاصة والحكومية سواء في مستشفيات الجامعات وأيضا في مستشفيات وزارة الصحة وما يتبعها في المراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية والتأمين الصحي. ولعل أهم ما يميز الحالات الثلاث التي مرت بها أزمة المحاليل الطبية ما بين الأزمة المحدودة نقص مرورا بالندرة والتلاعب في السعر وصولا إلي مرحلة الاختفاء التام أن وزارة الصحة غائبة لا تدري شيئا عما ينبغي أن تقوم به في الصور الثلاث التي بدت عليها أزمة المحاليل الطبية, وفي ظل ذلك الاختفاء العاجز للوزارة الممثل الحكومي للتعامل مع المواطنين في تلك الأزمة تتم ترجمة الأزمة في حالة واحدة لا ثاني لها وهي القتل غير الرحيم للمرضي الذين يحتاجون للمحاليل الطبية, وكأن الوزير أوجد للدولة وسيلة جديدة للحد من الانفجار السكاني ويظن أنها سلاحه الوحيد في البقاء والاستمرار علي الكرسي الوزاري. الإنتاج المصري المشكلة باختصار أن الإنتاج المصري من المحاليل يقدر بنحو14 مليون عبوة, وتحتاج المستشفيات إلي12 مليون عبوة بشكل عاجل ولكن الدولة لن تستطيع الوفاء بتلك الاحتياجات العاجلة لتوقف المصنع الرئيسي المسئول عن الإنتاج والمسئول عن إنتاج60% من احتياجات مصر, كما أن هناك شركات تقوم بتخزين المحاليل وترفع سعرها, وذلك عن طريق وجود حلقات وسيطة تخزن المحاليل لتخلق أزمة ثم تبيع تلك المحاليل في السوق السوداء بأسعار مرتفعة عن ثمنها والمثير للدهشة أن الوزارة وضعت رأسها في الرمال وتركت الجميع يتلاعب بالمرضي. وتعاني السوق الدوائية في مصر الآن من حالة غير مسبوقة من نقص المحاليل الطبية الضرورية للمرضي ظهرت آثارها بالمستشفيات إلي الدرجة التي جعلت بعض الأطباء يؤكدون زيادة وفيات تلك المستشفيات جراء عدم توافر الكميات التي يحتاج إليها المرضي بصورة شديدة ولا بديل عن تلك المحاليل لهؤلاء المرضي ورغم المحاولات المتتالية التي تقوم بها وزارة الصحة علي طريقة الأرز والسكر والسلع الغذائية بضخ كميات إضافية من المحاليل الطبية ومحاولة تلبية احتياجات المستشفيات فإن الأزمة وصلت إلي حدتها في السوق وصار ما تقوم به وزارة الصحة وأجهزتها بمثابة مسكنات منتهية الصلاحية لا تسمن من وجع ولا تغني من موت يحاصر كثيرا من المرضي. بيان فرعوني الوزارة تعاملت مع الأزمة بطريقة مضحكة ومبكية وعبر بيان مكتوب من عهد الملك سنوسرت ومستشاره الإعلامي في ذلك الوقت والذي لا يختلف كثيرا عن المستشار الحالي وهذا البيان يعيش في حالة الثبات بلا لون ولا طعم أو رائحة ومضمونه الذي لا يتغير وهو: الوزارة تؤكد توافر المحاليل الوريدية مثل الجلوكوز ومحلول الملح والرينجر, والمخزون يزيد علي مليون عبوة من محلول الجلوكوز, وما يتعدي المليون عبوة من محلول الملح, وما يقرب من نصف مليون عبوة من محلول الرينجر. وبعد أن قدمت الوزارة النقوط الفرعوني تركت الأطباء والمرضي والصيادلة يواجهون الأزمة وأخذت تفكر بطريقة الغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس فلا هي نجحت في توفير الكميات المطلوبة ولا حتي عادت إلي سيرتها الأولي التي كانت تقتصر علي التلاعب في السعر والتغاضي عن الاحتكار وغض الطرف عن المتلاعبين بمصير المرضي, وأيضا تعاملت بطريقة المعلم الذي قال لحاكمه إنه سيعلم الحمار القراءة والكتابة خلال10 سنوات! فماذا فعلت؟ ذهبت للتعاقد مع شركة أكديما لإنشاء مصنع جديد لتلبية احتياجات المرضي من المحاليل الطبية وهي مبادرة لا تنتظر من كل مريض أو غير مريض سوي أن ينتظر سكرات الموت أو كما يقولون: حلني يا حلال, وبمجرد أن فشلت تلك الخطة خرجت علينا الوزارة لتزف البشري للمرضي والأطباء بتشغيل مصنع للمحاليل الطبية بشركة فاكسيرا القابضة وأنه سيلبي95% من المناقصات العاجلة وهو ما ينفيه العاملون في الشركة ورفضت قيادات الشركة أن تشارك بأي دور في تلك المصانع والأرقام المضللة. وكان علي الوزارة أن تعود إلي السبب الحقيقي لأزمة المحاليل ونقصها وهو بالمناسبة لا علاقة له علي الإطلاق بزيادة أسعار الأدوية ولا أزمة الدولار ولكن لوقوف الوزير خائفا مرتعدا مرتعشا أمام إغلاق المصانع التي تلبي احتياجات مصر من المحاليل الطبية وترديد أن المصنع تم إغلاقه لما تردد عن عبوات من محلول معالجة الجفاف. وهذه الواقعة الشهيرة التي شهدتها محافظة بني سويف وعلي إثرها قام الدكتور عادل عدوي وزير الصحة في ذلك الوقت بوقف إنتاج شركة المتحدون فارما للمحاليل, إثر تسمم ووفاة6 أطفال بالمحافظة ورغم أن قرار إغلاق المصنع بتوقيع الوزير إلا أن الوزير الحالي الدكتور أحمد عماد يشير إلي أنه لا يستطيع أن يعيد المصنع للتشغيل رغم توفيق أوضاعه ويتعلل مرة بأن ذلك في يد النائب العام وأخري بأنه في يد رئيس الوزراء. تعديلات وتوفيق أوضاع المصنع الذي يتجاهله الوزير الخائف ينتج60% من احتياجات مصر من المحاليل وتشغيله أصبح ضروريا لا سيما مع تراجع دور شركة النصر المملوكة للدولة وأيضا المصنع الآخر الذي يمتلكه أحد رجال الأعمال في مدينة6 أكتوبر والذي قام متعمدا بتخفيض معدلات إنتاجه, وعلي وزير الصحية أن يراجع مخاوفه ويبتعد عنها خاصة بعد أن قام المصنع بتوفيق أوضاعه وعمل تعديلات في التصنيع والتعبئة والتغليف وأيضا التخزين لحل الأزمة وإمكانية توزيع5 آلاف زجاجة محلول علي كل مستشفي خلال أيام محدودة. وينصح وزير أسبق للصحة الوزير الحالي الخائف بأن يقوم بتشكيل لجنة تضم أعضاء من وزارة الصحة ووزارة الصناعة والتعليم العالي والبحث العلمي ونقابة الصيادلة وهيئة المواصفات والرقابة الإدارية ولجنة الصحة بمجلس النواب لإعداد تقرير عاجل عن المشروع بدلا من لجنته محدودة العدد وعديمة المسئولية والتي تذهب إلي المصنع وقرارها مكتوب علي الورق بمباركة من الوزير الخائف الذي يطارده شبح مستشاره ليل نهار!.