أثار المقال السابق الذي حمل عنوان' بداية النهاية لطبقة نجيب محفوظ وفاة محجوب عبد الدايم و علي طه في التحرير' الكثير من ردود الأفعال من قبل نخبة من مفكري و مثقفي مصر. فقد حاولنا في هذا المقال المقارنة بين سلوكيات الطبقة الوسطي المتعلمة في المجتمع المصري من حيث دوافعها وكيفية مشاركتها في التغيرات التي يشهدها المجتمع و بين الرافد الجديد من تلك الطبقة الذي تولد في ميدان التحرير منذ الخامس و العشرين من يناير و الذي يختلف في أفعاله و ردود أفعاله عن روافد تلك الطبقة منذ أن عرفها المجتمع المصري بشكل واسع مع ثورة.1919 وقد اتخذنا من شخصيات أدب نجيب محفوظ مثلا علي نماذج شخصيات تلك الطبقة كما ظهرت في روايته و عبر الأفلام السينمائية التي نقلت عنها وذلك لكون نجيب محفوظ خير من رصد تلك الطبقة في الواقع المصري عبر قرن من الزمن, كما أن اللجوء لشخصيات أدب نجيب محفوظ كان أيضا بغرض توضيح الصورة و تجسيدها في ذهن القارئ. من تلك الردود والتعليقات كان للزميل أسامة إسماعيل الصحفي بالأهرام الذي استحسن الفكرة. والزميل إسلام حامد بالمصري اليوم الذي طالب بالمزيد من المجهود في هذا المجال من أجل فتح الباب لدراسات عن مكونات المجتمع الجديد الذي سيشكله شباب25 يناير في المستقبل و الذي نتمني أن يكون قريبا. أما الباحث في التراث و الكاتب و المفكر عبد العزيز جمال الدين فكتب ليقول: نجيب محفوظ الذي قرأ الواقع ربط بين مطلب الحريات ووجود الاحتلال كسبب, فقد كان السبب الرئيسي لغياب الحريات في الحياة القومية لعموم المصريين, ومعني ذلك أنه بغياب القوي المصادرة للحريات... وهو الاحتلال سينخفض الطلب عليها أو حتي ينعدم, وهو ما حدث تماما عندما خرجت المظاهرات في شوارع القاهرة بعد ثورة52 تهتف ضد الحريات صحيح أنها مظاهرات مدفوعة الأجر و من كان وراءها هو جمال عبد الناصر لكن ذلك لم يكن ممكن الحدوث قبل.52 أحمد عبد الجواد( سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ) تاجر جملة والطبيعي بمنطق العصر أن يرثه الأبناء, كتاجر كبار أو رجال صناعات وخاصة أنها كانت بازغة وواعدة و مزدهرة, الغريب الذي يرغب العم نجيب في إبرازه أن الأبناء من صغار موظفي الدولة, ياسين وكمال مدرسان في مدرسة ابتدائية, وهذه المفارقة لم تأت عبثا أو عفو الخاطر لكنها تستشرف المستقبل وتشير إلي أن منتهي أحلام الطبقة الوسطي هي كرسي الوظيفة الحكومية تحديدا وانتظار المعاش النقدي البسيط بعد حياة وظيفية خالية من الصراع والإبداع. هذه اللقطة المهمة تقول إن الحكم في مصر القادمة سيرثه الموظفون وهو ما سوف يصيبها بالعقم والفساد. قمع سي السيد أبناءه( حماية لهم) بالرغم من غرقه هو نفسه في كل ما منعهم عنه. هذا المنطق الأبوي المستبد ليس سوي صورة مصغرة من صورة الواقع السياسي الكبير, علي العكس تماما مما فعله أندرشافي بطل برناردشو عندما ورث المصنع لواحد من العمال ولم يورثه لابنه قليل الحيلة بعد أن عجز عن إصلاحه, وراثة العامل للمصنع وليس الابن هو ما يصنع, مع أشياء أخري مماثلة, مجتمعا صناعيا متطورا قادرا علي النمو و المنافسة. مصر سيرثها الموظفون من عبادي هي النبوءة التي أودعها العم نجيب في الثلاثية بوعي منه أو بلا وعي لأنها في النهاية عين الفنان الذي يري ما لا نره وهو ما حدث تماما أيضا, ومنها قامت الطبقة المتوسطة, وعمادها الموظفين, بواسطة جناحها العسكري البيروقراطي واستولت علي السلطة في23 يوليو, ثم بعد ذلك استولت علي الدولة وانتشر الموظفون في الأرض كالجراد يأكلون الأخضر واليابس حتي أتوا عليها وبلا أي إبداع. أما الدكتورة سلمي مبارك دكتورة الأدب الفرنسي في جامعة عين شمس فتقول!: مقال جميل يرصد علاقة بين زمنين بحس تاريخي مرهف. بالفعل أعتقد أن ثورة25 يناير هي قطيعة عميقة في تاريخ مصر الحديث الذي بدأ من محمد علي. أعتقد أن هذه الثورة ستعقد تصالحا ما بين الكثير من التناقضات التي كانت تحياها الطبقة الوسطي والتي وصمتها بازدواجية كادت تكون جزءا من تكوينها لولا هذه الثورة التي أظن أنها ستقضي علي هذه الازدواجية و ستمكن هذه الطبقة من أن تكون أكثر فاعلية وقدرة علي تحريك التاريخ بأصالة اكتسبتها وتجاوزت بها إشكاليات ميلادها. شكرا علي الأمل الذي تنهي به مقالك الذي استمتعت به. [email protected]