كنت استمتع, كعادتي كل يوم, بفنجان القهوة الصباحية في أجمل شوارع العالم. تذكرني مسلة هذا الشارع الفرعونية التي تقبع في قلب ميدان الكونكورد بمصريتي الصميمة, ويعكس صرح قوس النصرالشامخ في نهاية الشارع من الناحية الأخري, علي صفحة عيناي, ضياء شمس الحرية التي تنثر شذي صباح الإخاء والمساواة في بلد الجن والملائكة كما وصفها طه حسين. علي مقاهي الشانزليزيه الباريسية, التي تكاد لا تغلق أبوابها أمام عاشقي لقاء الأصدقاء, بل والغرباء أيضا, وحول فنجان من المودة في الساعات الأولي من الصباح الباكر, تبدأ يومك بابتسامات وتحيات وبونجور من هنا وهناك من أناس لا تعرفهم, ولكنك تجتمع معهم حول قطعة من الكرواسان الطازج وفنجان من الإكسبريسو الساخن. لكن هذا الصباح كان مختلفا. فالحديث عن شرطة المرور الفرنسية التي قامت بالأمس بتغريم سيدة فرنسية منتقبة أثناء قيادتها لسيارتها حولت المكان إلي زوبعة في فنجان. وما بين مؤيد ومعارض, تحولت مجرد غرامة مخالفة مرورية أثناء قيادة سيارة, إلي جدل سياسي واجتماعي وإعلامي. وتناثرت مفردات العنصرية وإكليشيهات حقوق الانسان ومصطلحات الإسلاموفوبية, المعدة سلفا ودوما, في أرجاء المكان. ولم تهدأ القنوات الإعلامية والصحف العربية, عن علم أو جهل بالقضية, حتي ظهرت التصريحات الفرنسية الرسمية في تاريخه وحينه شارحة باستفاضة وبدقة حقيقة الأمر. فقد أثبتت تحريات وزارة الداخلية الفرنسية بالتعاون مع وزارة الهجرة والهوية الوطنية أن السيدة الفرنسية متزوجة من جزائري حصل, بفضل هذا الزواج, علي الجنسية الفرنسية في عام.1999 سيناريو تقليدي يدعو إلي الرتابة والملل والسأم. لكن هذا الجزائري أبي إلا أن يتحول هذا الزواج إلي أكذوبة القرن. وبالفعل, صدر تصريح قاطع, لبريس هورتفو, وزير الداخلية آنذاك, وكان الوزير بمثابة جهينة التي تستطيع دائما الحصول علي الخبر اليقين. فالزوج المعني ينتمي إلي جماعة التبليغ المتشددة, متزوج من أربع نساء منتقبات وتحصل كل واحدة منهن علي عدة إعانات شهرية مادية واجتماعية للأبناء, الذين يبلغ عددهم12, من خزانة الدولة الفرنسية التي تجرم علي أراضيها ظاهرة تعدد الزوجات. ويبدو أن فرنسا لم تتنبه في عام2010 إلي أن هذا الحادث ليس حادثا فرديا, بل هو الشرارة الأولي لقنبلة موقوتة سوف تفجرها الأجيال التالية في سنوات متلاحقة غير متباعدة. واليوم تعيد الأحداث نفسها لينشغل الرأي العام الدولي بقضية متعمدة ومفتعلة قبيل انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة والتي يسعي حزب الجبهة الوطنية برئاسة السيدة مارين لوبان, المزايدة عليها بكافة الصور والأشكال الإسلاموفوبية. فالبوركيني, نجم شواطيء الكوت دازور الفرنسية لعام2016, صممته السيدة عايدة مسعود زناتي الأسترالية ذات الأصول اللبنانية في عام.2004 حاولت تلك السيدة المتحجبة والتي تربت في أستراليا الدمج بين ثقافتين, فاختارت لمنتجها الذي باعت منه حتي2009 أكثر من700 ألف قطعة, كلمة تحمل في طياتها هذا الدمج شكلا وموضوعا ومصطلحا: برقع وبكيني. و كما هي عادة فرنسا مؤخرا, اتخذت القضية طابعا سياسيا, ودعا العديد من القادة في اليمين واليمين المتطرف, وخاصة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي, الذي يحلم باعتلاء كرسي الرئاسة للمرة الثانية رغم تدني شعبيته أثناء حكمه لفرنسا, لإصدار قانون يتيح لرؤساء البلديات حظر البوركيني الذي ترتديه بعض النساء المسلمات علي الشاطئ لتغطية أجسادهن بالكامل.بالإضافة إلي الشعر. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد قررمجلس الدولة في فرنسا, وهو أعلي هيئة قضائية إدارية في البلاد, الجمعة26 أغسطس2016, إلغاء قرار حظر لباس البوركيني. أيها السادة, إن الحرب علي البوركيني لم تنته بعد كما توعدت مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الديمقراطية وابنة من نصب نفسه معاديا للعرب والمسلمين السيد جان ماري لوبان مؤسس حزب اليمين المتطرف. فالابنة الوفية تسعي حاليا لاستصدار قرار رسمي من الحكومة المركزية الفرنسية لتجريم وتغريم... السيدات المحتشمات علي شواطيء السيدات العاريات.