في الوقت الذي ينتظر فيه الوسط الإعلامي صدور قانون الإعلام الموحد شهدت الآونة الأخيرة حالة من إعادة هيكلة الأجهزة الإعلامية الخاصة سواء المرئية أو المقروءة, فبعد شراء أبوهشيمة قنوات أون تي في واندماج كياني النهار وسي بي سي يستعد ساويرس, لإطلاق مشروعه الإعلامي الجديد من خلال دمج كل الكيانات الإعلامية التي يمتلكها في مؤسسة إعلامية واحدة يقودها مجدي الجلاد..فهل هذه التغيرات تأتي في صالح الإعلام والمجتمع المصري أم جاءت لتحقق مصالح خاصة, وهل ستؤدي إلي تغيرات حقيقية في خريطة الإعلام؟ بداية.. أظهرت التغطية الإعلامية للأحداث بعد ثورة25 يناير وحتي الآن ما يمكن أن نسميه انفلاتا إعلاميا, وأصبح الدور السياسي والدعائي لوسائل الإعلام أكبر من دورها الإعلامي, ولم تكتف وسائل الإعلام بالتعبير عن حالة الاستقطاب السياسي بل شاركت في صنعها وغابت عنها المهنية, بداية من تشويه الحقائق والاختلاق الكامل للأخبار والخلط بين الرأي والخبر إلي السقوط الأخلاقي باستخدام السباب والإهانات وإرسال الاتهامات المرسلة. ومع أن الاندماج يبدو أمرا ضروريا في الوقت الراهن لصمود الإعلام في ظل التحديات التي تواجهه مهنيا واقتصاديا وضخ استثمارات كبيرة في هذه الصناعة لاستعادة الريادة المصرية في القطاع الإعلامي أملا في تقديم إعلام شامل بأدوات تليفزيونية شديدة الجاذبية والاحترافية والتميز تتناسب مع طموح الدولة والشعب المصري في النمو والتقدم والاستقرار. إلا أنني أخشي أن يكون وراء هذا الاندماج خطورة تتمثل في التخوف من احتكار الإعلام وتراجع المنافسة في السوق الإعلامي بالإضافة إلي أن هذه الاندماجات قد تمنع التنوع الإعلامية في طرح الآراء, خاصة أن هذه التكتلات التي اندمجت حديثا تعبر عن اتجاه فكري معين, حيث لا توجد شفافية في إتاحة المعلومات بالشكل الكافي الذي يمكننا من أن نحكم علي هوية هذه التكتلات, مما يوحي أن هناك أيادي خفية قد تكون وراء هذا الدمج, بهدف جمع شتات الفوضي الاعلامية في كيانات مدموجة ليسهل السيطرة عليها في تأميم واضح وناعم تحت مسمي( الدمج) وإعادة هيكله وترتيب الإعلام, بما يخدم مصالح جهات أو فئات معينة, خاصة أن الجميع لا يعرف حجم الصفقة التي تم بها بيع قناة أون تي في, وما أسباب اندماج النهار مع سي بي سي.. وما الهدف غير المعلن منه في الوقت الذي نتوقع فيه مزيد من الصفقات خلال الفترة المقبلة والتي قد تطول صحفا وقنوات أخري. نعم أتمني أن تكون هذه الاندماجات خطوة علي الطريق الصحيح, وتكون كما أعلن أصحابها في صالح الإعلام وإثراء له, وأن تفرز منافسة شريفة بين هذه الكيانات, والظهور بأفضل مضمون مفيد للشعب والدولة وعرض وجهات النظر المختلفة, وأن تؤدي إلي عودة ريادة الإعلام المصري. ومن أجل إعلام يحقق مصالح المجتمع وأطيافه المختلفة ويدافع عنها ولا ينحاز إلي فئة أو مجموعة معينة, لابد من إصدار قانون الإعلام الموحد الذي ننتظره, بحيث يضمن تحرير وسائل الاعلام من سيطرة الاحتكارات والتكتلات الاقتصادية العملاقة ويضمن في نفس الوقت تحريرها من سيطرة السلطة السياسية, واعتقد أن نظام الملكية التعاونية لوسائل الإعلام هو النمط الذي يحافظ علي أداء الوسيلة الإعلامية بمعزل عن التأثر بإستراتيجية مالك محدد أو عدد قليل من الملاك, كما أن زيادة عدد المالكين مع ازدياد دور الجمعية العمومية يزيد من مناعة وسائل الإعلام تجاه الضغوط السلطوية, وبهذا يمكن أن يكون لدينا إعلام حقيقي يقوم بدوره الوطني ولا يخدم مصلحة ذاتية.