هناك إمكانية للإصلاح تتطلب قدرا كبيرا من الجسارة والمكاشفة بالحقيقة واستعادة الثقة بين أولياء الأمور والتعليم العام. يفخر وزير التعليم بأنه اعترف بالتدهور الحاد فى التعليم الحكومي ويفخر بأنه من أبلغ عن تسريب امتحانات الثانوية العامة، يتحدث الوزير بفخر وكأن الاعتراف يعفيه من المسئولية ويخفف من وطأة مهزلة تسرب الامتحانات، التى دمرت مصداقية وجدوى تلك البوابة المصيرية فى حياة كل طالب وطالبة وتسببت فى تصديق أى شائعة عن التلاعب فى التصحيح أو تخصيص لجان لأبناء كبار المسئولين. لا يمكن أن نرى فى اعتراف الوزير بانهيار منظومة التعليم الحكومى مدعاة للفخر إلا إذا تقدم لنا بخطة عمل جادة وقابلة للتنفيذ لإصلاح هذه المنظومة المهلهلة وكل ما قيل أو سيقال عن إنهاء ظاهرة الدروس الخصوصية مجرد كلام أجوف، ما دام لا يأتى فى إطار عملية إصلاح شاملة، تركز على إعادة تأهيل المعلم وتحسين دخله، حتى لا يضطر لإعطاء دروس خصوصية وبهذا نمنع أى مبرر لهذا التجاوز الشائع والذى أصبح أمرا واقعا، بل ويزداد اتساعا حتى زحف إلى الجامعات وكأنه إعلان بفشل تام لمنظومة التعليم العام، التى أصبحت مدارسها وجامعاتها مجرد أطلال لا نفع منها. هناك إمكانية للإصلاح تتطلب قدرا كبيرا من الجسارة والمكاشفة بالحقيقة واستعادة الثقة بين أولياء الأمور والتعليم العام وعلينا أن نعترف بأن كل ولى أمر يدفع سنويا آلاف الجنيهات فى الدروس الخصوصية لكل ابن أو ابنة فى التعليم العام بمختلف مراحله، لكن ولى الأمر بسبب انعدام الثقة لا يوافق على زيادة المصروفات عدة مئات من الجنيهات، لتحسين أوضاع المعلمين ورفع كفاءتهم، بما يجنبه دفع الآلاف للدروس الخصوصية ويعتقد أنه يمكن أن يدفع الزيادة الكبيرة فى المصروفات وتبقى الأوضاع كما هي ولهذا يمكن أن تبدأ الوزارة بتطبيق هذا النظام فى عدد من مدارس القاهرة والمحافظات وتقديم نموذج يعتد به فى الارتقاء بالتعليم العام والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية. كما أن على وزير التعليم اتخاذ قرارات حاسمة تجاه ظاهرة الغش بشكل عام، فهذه الظاهرة ليست خطرا على التعليم فقط بل تهدد مستقبلنا وأجيالنا الجديدة، التى ستنهار لديها قيمة التعليم والعمل الجاد وتمنح الفاشلين والغشاشين الفرصة ليكونوا أطباء ومهندسين وإعلاميين وساسة، ليأتوا على ما تبقى من بنيان الدولة ومرافقها ومؤسساتها. الغش جريمة خطيرة يجب اجتثاثها تماما، وردع كل من يتورط فيها، وابتداع طرق لا يمكن أن تمنح أى فرصة لهذه الفئة الفاسدة. وأتمنى أن يكرس وزير التعليم الجزء الأكبر من اهتمامه بالتعليم العام وليس بالمدارس الأجنبية التى يلتحق بها بضعة آلاف من علية القوم فى عالم المال والسياسة والإعلام ويدفعون نحو 20 ألف دولار سنويا لكل ابن يتعلم فيها وأن يعطى كل اهتمام وجدية لملايين الطلبة فى التعليم العام، الذين يمكن أن يصبحوا ثروة هائلة تنهض بمصر، لو أحسنا تعليمهم ورعايتهم وإلا كانوا وبالا وكارثة لو أهملنا تنشئتهم ولهذا يستحقون كل جهد مخلص وجاد من أجل هذه المهمة المصيرية.