أقام طارق بن زياد في جبل طارق عدة أيام, بني خلالها سورا أحاط بجيوشه سماه سور العرب. كما أعد قاعدة عسكرية بجوار الجبل علي الساحل بحماية ظهره في حالة الانسحاب أو الهزيمة, وهي( مدينة الجزيرة الخضراء) التي سميت أيضا( جزيرة أم حكيم) علي اسم جارية لطارق كان قد حملها معه عند الغزو, ثم تركها في هذه البلدة فنسبت إليها. ويلاحظ أن موقع هذا الميناء قريب وسهل الاتصال بمدينة( سبتة) علي الساحل المغربي المقابل, بينما يصعب اتصاله بإسبانيا نفسها لوجود مرتفعات بينهما, وهذا يدل علي حسن اختيار طارق لهذا الموقع الاستراتيجي. كما أنه أقام قاعدة أمامية أخري في مدينة طريف بقيادة طريف بن مالك. وعلم ملك إسبانيا القوطي, لذريقRodorigo خبر نزول المسلمين في بلاده وكان حينئذ مشغولا بإخماد ثورة قام بها( البشكنس) سكان( نافارا) في أقصي شمال إسبانيا, وقد تكون هذه الثورة مفتعلة وبإيعاز من أعداء الملك ليشغلوا أنظاره عن نزول المسلمين في إسبانيا. فأسرع الملك القوطي بالعودة جنوبا بجميع قواته ومعداته وأمواله لملاقاة المسلمين, وفي خلال ذلك كان طارق قد زحف نحو الغرب متخذا من المرتفعات الجنوبية الساحلية حاميا له من الناحية الجنوبية, كما اتخذ من بلدة طريف قاعدة يحمي بها مؤخرة جيشه, ثم واصل زحفه حتي بلغ بحيرة( لاخندا) في كورة( شذ ونة). فلما علم طارق بأنباء الحشود الضخمة التي حشدها ملك إسبانيا انزعج وكتب إلي مولاه موسي بن نصير وقال:( إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية فالغوث الغوث). فأرسل موسي إليه مددا يقدر بخمسة آلاف جندي فأصبح عدد المسلمين في الأندلس حوالي اثني عشر ألفا. وقد أجمع غالبية المؤرخين أن المعركة الفاصلة التي دارت بين المسلمين والقوط, والتي توقف عليها مصير إسبانيا في يد المسلمين, حدثت في كورة( شذونة) جنوب إسبانيا, وأنها دامت ثمانية أيام من الأحد28 رمضان إلي5 شوال93 ه/19 31 يوليو سنة711 م, وتوصف بأنها كانت موقعة قاسية اقتتل فيها الطرفان قتلا شديدا حتي ظنوا أنها الفناء, وأنه لم تكن بالمغرب معركة أعظم منها, وأن عظام المقاتلين بقيت علي أرض المعركة دهرا طويلا لم تذهب, وكان النصر في النهاية حليف المسلمين. وقد كانت هذه المعركة التي توقف عليها مصير المسلمين في الأندلس كانت أكبر من أن تحدد بمكان فقد شملت جميع أنحاء كورة شذونة لما كان لها حشد عظيم من القوط من المال والقوات والسلاح, كما كان ما طلبه طارق من موسي بن نصير من قوات لمواجهة هذا الحشد الضخم من قوات القوط يدل علي عظم هذه المعركة. أما جميع المعارك التي حدثت بعد ذلك في بقية أنحاء إسبانيا فإنها كانت بمثابة مناوشات بسيطة بالنسبة لهذه المعركة الفاصلة, بحيث لم يستغرق استيلاء المسلمين علي إسبانيا بعد ذلك أكثر من ثلاث سنوات رغم وعورة مسالكها وقسوة مناخها مما يدل علي انتهاء المقاومة ضد المسلمين.