لابد أن تتوقف عند ذلك الخبر الذي بثته وكالات الأنباء في العالم يوم الجمعة من تونس مبعث شرارة ثورات الإقليم العربي منذ خمس سنوات. نعم يجب أن تصغي باهتمام لإعلان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية الاخوانية وهو يعلن من قلب العاصمة التونسية بابتسامة هادئة قرار وقف النشاط السياسي للحركة الاخوانية وتفرغها للنشاط الديني والدعوي في تونس. جاء ذلك كما قالت الأخبار في افتتاح مؤتمر الحركة العاشر والذي دعي له السبسي رئيس الدولة التونسي الذي رحب بالقرار قائلا: لا يفوتني أن أنوه بالتطور الذي عرفته حركة النهضة بقيادة الغنوشي الذي تجلي في ضرورة القطع بين الدعوي والسياسي وكذلك القطع مع احتكار الدين, منوها بأن حزب النهضة علي حاله هذا لم يعد يمثل خطرا علي الديمقراطية. توقفت أمام الخبر ومتنه كثيرا مسترجعة تلك الخطوة التي تراجع فيها إخوان تونس عن الفوز بانتخابات الرئاسة في عام2014 تاركين الساحة للبقاء والانتشار بعد أن تعلموا درس الإخوان في مصر. وكيف أن سيطرتهم علي برلمان2011 ثم سعيهم القميء للرئاسة والسيطرة علي المؤسسات كان معجلا بنهايتهم بعد افتضاح خطتهم في السيطرة علي سبل الأمور في مصر. وها هي الخطوة الثانية لإخوان تونس الذين قرروا تلك المرة اعلان ترك الساحة السياسية والتفرغ للعمل الدعوي والديني بعد تصاعد حدة الهجوم علي كافة تيارات المتأسلمين ممن رفعوا شعار الإسلام زورا في كل أرجاء المعمورة. نعم قرر الغنوشي حماية التنظيم أو ما بقي منه في كيان حركة النهضة بعد انكشاف زيف من رفعوا الاسلام في الحكم مثل تركيا التي فقدت وهم خلافة سعت لاستعادتها عبر نموذج حاولت تصدير قبوله في المنطقة للغرب, وقبلها في مصر حيث كان من الؤخوان ما كان. تابعت كلمات الغنوشي وهو يردد: حريصون علي النأي بالدين عن المعارك السياسية وندعو إلي التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي لتكون مجمعة لا مفرقة. لم أصدق تلك الكلمات الوديعة التي ذكرتني باسلوب الإخوان وكلماتهم وشعاراتهم الزائفة مشاركة لا مغالبة والله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن منهجنا وغيرها من شعارات ثبت زيفها فيما مضي من أيام. فلا هم شاركوا ومنحوا الآخرين المشاركة ولا هم أثبتوا أن الله بحق غايتهم فنصروه لينصرهم ويثبت أقدامهم.لذا لم أصدق الغنوشي يا سادة الذي سعي لانقاذ تنظيم الاخوان من خسارة جديدة في ظل انتكاسات سياسية أصابت الجماعة وفي ظل سعي حثيث من جانبها لمنحها قبلة الحياة لتعود للعمل في قلب المجتمع العربي في إطار ديني يمكنها من الاقتراب من الجماهير التي تتمتع بذاكرة السمكة, ولذا فسرعان- بهذا المنهج الجديد- ما سيعود الغنوشي وصحبه من الاخوان في تونس وخارجها للتمدد في شرايين المجتمعات بدعوي انهم بتوع ربنا, في ظل استعداد تونس للانتخابات المحلية في مارس من العام المقبل ولدورة جديدة من الانتخابات الرئاسية في عام.2019 ليس فقط تاريخ الاخوان وكذب ادعاءاتهم هو ما دفعني لعدم تصديق الغنوشي, ولكن ايضا عدم استقامة طرحه واتساقه مع الواقع. فحزب النهضة الاخواني جزء رئيسي في الائتلاف الحاكم مع حزب نداء تونس, كما انه أكبر كتلة برلمانية بما لديه من عدد مقاعد تبلغ69 بعد استقالة بعض نواب من كتلة نداء تونس. ونعلم جميعا أنه لا انفصال بين جماعة أو حركة وبين حزبها الممارس لسياستها ورؤيتها وجربنا ذلك في مصر حينما رأينا حجم التداخل بين مواقف الحزب وقراراته التي لم تكن تعلن الا بعد موافقة الجماعة ومكتب مرشدها. فكيف سيكف الغنوشي وحركته عن السياسة في ظل استمرار حزبه في الحياة السياسية؟ وهو ما دعا بمحللين تونسيين الي اطلاق تعبير مفاده أن النهضة ستواصل الرقص ولكن فقط مع تغيير الموسيقي. أعلم أن العمل يجري علي قدم وساق لتأسيس البعث الرابع للاخوان في عالمنا العربي, بعث يقوده وجوه الصف الثاني والثالث والرابع منهم بتخطيط نجوم الصف الأول وتوقيعهم ومجاراة الأيام والتواؤم معها في ظل شعوب تتعامل مع العبادات كعادة لا كسلوك. فاحذروا الإخوان. وللحديث بقية...