منذ أن انهيت المرحلة الابتدائية وأنا أتجنب شرب الحليب أيا كانت درجة حرارته فقد كان إجبارنا علي شربه يوميا محط جدل صباحي. ولا أدري من أقنع أهلنا وذوينا بأن له بكل صحة موضع..! فنرضخ علي مضض حين يلوحون لنا بعصي الحرمان ونصيح أتونا زبر الحليب وسنشربها عقيمها وصقيعها وأي مدع هدآهم لتلك الفوضي الصباحية سبيلا نشربه علي كره وفصاله في دمعتين تعفينا من قاعه وبعد ليل أرخي علي الساهرين شمائله نادينا يا أيها الحليب قد صرنا كبارا وبعد بياضك البغيض أصبحنا نرتشف بالصبح سواد قهوة علي أعين من غرغرونا إياك قديما فتنوعت القهوة بحسب رغبة صناع مقاه ومن ثم عبئت بكلاسيكية فذة ودوهمت رغباتنا الضائعة فأقنعنا أنفسنا بأن كل صنف يفوق الآخر مذاقا رغم أنها ذات الحبوب ولكن من منا لا يرغب في احتساء فنجان قهوة وقت الصباح؟! لا بد أنهم قلة من لا يحبون القهوة; ذاك أن عشاقها يعتبرونها عاملا يساعدهم علي النشاط, ويبث فيهم القوة والحماس, ومنهم من يعدها رمزا وتقليدا لا يمكن الاستغناء عنه..قبل أن يخوض في حدوتة ما هية الكافيين وأنه من زمرة المنبهات التي يؤدي الإفراط بتناولها حين يلتهم منها مثلا ما يجاوز300 ملج من القهوة فإنها تودي به لمجاهل القلق, والتململ. ورغم هذا نتناولها بسرور بالغ زاعمين انها الدهليز والأرق والشعور بالإعياء المؤدي لباحة الروقان. ولا أعرف حتي الساعة من المسئول عن هذا التصور الأهبل..؟ وإن كان يغلب علي ظني أنه احد موردي البن البرازيلي الساحر لكن هذا ليس بيت القصيد.. وإيراد كل ما سبق ما شئته إلا توطئة للحديث عن قراءة سابقة طفت بها قبل سنوات في تصنيف الأطعمة اخبرت بأن القهوة أنثوية.. وأن الشاي ذكوري.. وأظنها كانت بحثا في التغذية الماكروبيوتكية إن لم تخني الذاكرة.. والذي يصنف الأطعمة كلها لذكر وأنثي. اشهي ما في هذه الدراسة التصنيف الرامي إلي أن السكر أنثوي والملح ذكوري, مما يعني إن الإقبال علي الأصناف يجب أن يأتي معتدلا كي لا يكسب صاحبه صبغة ما أكل..بمعني أنه لو أغرق الرجل نفسه بأكل الحلويات سيصيبه بعض ما كسبت أمعاؤه وهأنا احذركم, فاياكم ان تأتوني من ميوعتهم صارخين, أما المرأة التي تكثر الموالح فما الشنب منها ببعيد..أما الذقن فإنها والله لآته لها بغزارة ولو كره الليزريون ونحن وربكم قد كفينا وحشية في طباع بعضهن. أما أن يصطبغن باللحي فإن هذا هو العذاب الشديد فأعتدلوا اثابكم الله وعودوا للحليب الذي لم يتسن لي حتي الساعة أن أتذكر جنسه وما إن كان ذكرا أو أنثي ولكن لاقترانه بمرحلة الطفولة أقول لعله جنين لم يؤت تصنيفا بعد كما اوتيت قهوتنا من قبل نعومة طاغية ووهب الشاي خشونة وثقلا, فياليت أيام الحليب تعود.. وليت بياضه ودفئه بيد أمي.. يهدي وجع أيامنا بعضه..!